تعد الأكاديميا الإسرائيلية إحدى أهم ركائز الحركة الصهيونية و"الدولة الإسرائيلية"، حيث تقوم المؤسسات الأكاديمية ببناء الهوية والدعاية الإسرائيلية، وتُسهم في عمليات صناعة الأسلحة، بالإضافة إلى أنها تعمل على مأسسة السياسات الإسرائيلية وتكريس الفصل العنصري والاعتداءات الإسرائيلية وانتهاكات حقوق الإنسان، وذلك بأطُر أكاديمية وأوراق بحثية ونقاشات ينظمها خبراء، لإيجاد أفضل وسائل تثبيت الاحتلال وتكريس الاستيطان، وتهميش الهوية الفلسطينية، كما وتدريب وحدات مختلفة في الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات.
نشأت الأكاديميا الإسرائيلية في سياق عضوي ومتكامل مع المشروع الصهيوني منذ تأسيس الدولة العام 1948، ولم تُؤسَّس الجامعات الإسرائيلية كمؤسسات محايدة لإنتاج المعرفة المجردة عن الواقع السياسي والاجتماعي، بل كانت جزءً من البنية الأساسي للحركة الصهيونية. فقد لعبت أدواراً مختلفة، كإنتاج المعرفة التقنية لخدمة التفوق العسكري الإسرائيلي، وتوفير الأسس النظرية لتبرير السيطرة، وتقديم الدعم الإداري والقانوني لمأسسة الاحتلال. هذا التداخل البنيوي بين الجامعة والدولة الأمنية جعل من الأكاديمية الإسرائيلية ذراعاً معرفياً وعلمياً للمشروع الاستعماري.
تُظهر الجامعات الإسرائيلية ميلاً واضحاً نحو العسكرة، إذ يُنظر إلى التعليم كامتداد للمسار العسكري، ويرتبط بالقدرة على التأثير في مفاصل الدولة، ما يجعل الجامعة جزءاً من منظومة ثلاثية "الدولة -الجيش- المعرفة".
لا تُنتج المعرفة في كيان الاحتلال بدافع التقدم الإنساني أو العلمي، بل ضمن منطق استعماري هدفه تعزيز الاستيطان والسيطرة والتقدم العسكري، وتعد مجالات الهندسة، والتكنولوجيا، وعلوم الحاسوب، من أبرز ركائز "القوة الذكية" الإسرائيلية، حيث تساهم الجامعات في تطوير أدوات التفوق العسكري مثل "القبة الحديدية"، والطائرات من دون طيار، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ويخدم العديد من الجنود المتخرجين من الدراسات العليا في الجامعة العبرية في الوحدة 8200، أكبر وحدات سلاح المخابرات وأكثرها مركزية. وتُعدّ الوحدة 8200 وحدة التجميع المركزية للجيش، وهي مسؤولة عن جمع جميع الاتصالات الاستخبارية، بما في ذلك المكالمات الهاتفية والرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني.
تعمل الجامعات الإسرائيلية جميعها في خدمة الدولة بشكل مباشر وتؤدي وظائف حيوية في دعم سياساتها، ومن ثَمّ تشكل ركائز أساسية للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. على سبيل المثال، تتعاون الجامعات الإسرائيلية مع شركات الأسلحة الإسرائيلية لبحث وتطوير التكنولوجيا التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما تُباع هذه التكنولوجيا لاحقاً في الخارج على أنها مجربة ميدانياً.
في كتابها بعنوان "أبراج من العاج والفولاذ: كيف تقيّد الجامعات الإسرائيلية حرية الفلسطينيين"، تبين الباحثة مايا ويند من جامعة كاليفورنيا، كيف أن الجامعات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية هي بمثابة ذراع أكاديمي للدولة الأمنية الإسرائيلية. وتخدم المعاهد والجامعات الدولة من خلال الأبحاث والتوصيات المتعلقة بالسياسات، التي لا تهدف فقط إلى الحفاظ على الحكم العسكري الإسرائيلي، بل أيضاً إلى تقويض حركة الحقوق الفلسطينية على الساحة الدولية.
يناقش الكتاب موضوع التمييز والعنف الذي تمارسه الجامعات الإسرائيلية ضد المواطن الفلسطيني. وتحاول أن تنفي الفكرة الخاطئة السائدة عن ليبرالية وديمقراطية الجامعات في إسرائيل. وقد عادت ويند إلى مصادر عبرية لتكشف حقيقة هذه الفكرة المغلوطة. وأثبتت بما توصلت إليه من مستندات أن الجامعات الإسرائيلية متورطة بالاعتداء على حق الفلسطينيين، وأنها ليست مؤسسات مستقلة، وهي أدوات تخدم النظام وتؤازره في سياسة قمع كل ما هو فلسطيني.
تختم الكاتبة في إحدى فصولها بالتأكيد على أنه بعيدًا عن النضال من أجل التحول إلى مؤسسات مدنية، تواصل الجامعات الإسرائيلية توسيع عملياتها ليس فقط كقواعد تدريب عسكرية، بل كمختبرات أسلحة للدولة.
على الرغم من البنية الصلبة التي تتمتّع بها الجامعات الإسرائيلي، بدأت تظهر منذ سنوات أصوات نقدية من داخل بعض الحقول المعرفية خصوصاً الاجتماعية والإنسانية، فقد بدأ عدد من الباحثين، خصوصاً الناشئين من الجيل الجديد، بانتقاد دور الأكاديمية في تبرير الاحتلال والتمييز. إلا أن هذه الأصوات، ورغم أهميتها، لا تزال هامشية وتواجه أشكالاً متعددة من التقييد والتهميش المؤسساتي.
وتواجه الجامعات الإسرائيلية مقاطعات دولية خصوصاً أوروبية بسبب تواطؤها في دعم الصناعات العسكرية والحروب التي تخوضها "إسرائيل" في المنطقة، والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان التي يرتكبها كيان الاحتلال في قطاع غزة.
الكاتب: غرفة التحرير