في ظل تصاعد التهويل والتهديد الأمريكي حول البرنامج النووي الإيراني، تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً، خبر قيام الجمهورية الإسلامية في إيران بإنتاج سلاح "بلازما"، سيكون أحد أسلحتها الاستراتيجية للرد أي اعتداء أمريكي وإسرائيلي عسكري. وقد لاقى هذا الخبر انتشاراً واسعاً، خاصةً في أوساط جمهور محور المقاومة، قبل أن يتم التحقق من صحته.
لذلك، من المهم دائماً التفريق بين الأخبار المستندة على وقائع ومعلومات حقيقية، وبين الأخبار النابعة عن حماسة وتأييد دون أي وجود واقعي، خاصةً في هكذا أوضاع وظروف تعيشها منطقتنا، كيلا يقع جمهور المقاومة في فخ الشك والتزييف الآمال غير الحقيقة.
وعليه فإن حقيقة الأمر، هو أن الجمهورية الإسلامية لم تطور "سلاح بلازما" بالمعنى العلمي أو العسكري، بل صاروخًا فرط صوتي، يستفيد من ظاهرة البلازما الناتجة عن سرعته العالية، لتعقيد عملية رصده واعتراضه، وبالتالي إمكانياته العالية لتجاوز أهم منظومات الدفاع الجوي المتقدمة، التي تمتلكه أمريكا أو الكيان المؤقت والدول التابعة لهما.
أولاً: ما هي البلازما؟
البلازما هي الحالة الرابعة للمادة بعد الصلب والسائل والغاز. وهي تتكون من جسيمات مشحونة كهربائيا، وتُنتج عادة عند تعريض الغاز لدرجة حرارة عالية جداً أو لتيار كهربائي مكثف. وتعدّ هذه الحالة الفيزيائية شائعة في الطبيعة، فهي موجودة في الشمس والنجوم، كما تُستخدم صناعيًا في شاشات التلفاز والمصابيح وبعض العمليات الصناعية الدقيقة. إلا أنها في المجالات العسكرية، تُدرس بشكل خاص في مجالات مثل الأسلحة الكهرومغناطيسية، وأنظمة التخفي، والتداخل مع الرادارات. لكن حتى يومنا هذا، لم تصدر عن أي جهة في العالم – بما فيها القوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية – الإعلان عن إمكانية وقدرة استخدام البلازما كسلاح هجومي مباشر في ساحة المعركة.
ثانيًا: ما هو الصاروخ فرط صوتي؟
اما الصاروخ فرط صوتي فهو نوع من الصواريخ القادرة على التحليق بسرعات تفوق 5 ماخ (خمسة أضعاف سرعة الصوت أي أكثر من 6120 كيلومترًا في الساعة). وتتميز هذه الصواريخ بسرعاتها الهائلة، التي تجعل من اعتراضها مهمة صعبة للغاية، خاصة إذا كانت تمتلك القدرة على المناورة خلال الطيران (كحال صواريخ فتاح 1 و2 الإيرانيين)، مما يجعل مسارهما غير قابل للتنبؤ، على عكس الصواريخ الباليستية التقليدية.
ومن أهم الظواهر الفيزيائية الناتجة عن الحركة بسرعات فرط صوتية، هي تكوّن غلاف من البلازما حول الجسم الطائر نتيجة احتكاكه بالهواء، يُعرف باسم "plasma sheath"، وهو ما يؤدي صعوبة اختراق الإشارات الراديوية لهذا الغلاف، مما يعزل جسم الصاروخ جزئيًا عن الاكتشاف بالرادارات التقليدية.
ومن الضروري في هذا السياق التمييز بين نوعين من الاستخدامات العسكرية للبلازما:
1)السلاح القائم على البلازما (Plasma Weapon): وهو سلاح افتراضي يُطلق طاقة في شكل بلازما موجهة، كسلاح حراري أو كهرومغناطيسي يمكنه تدمير الهدف أو تعطيله. هذا النوع من الأسلحة ما زال في طور البحث النظري، ولا يوجد أي دليل على امتلاكه من أي دولة في العالم، بل تشير بعض التقارير المتخصصة الى أن أمريكا نفسها قد استثمرت طويلاً في هذا المجال لكنها لم تحقّق أي إنجاز استراتيجي فيه.
2)السلاح الذي يُنتج بلازما أثناء استخدامه: مثل الصواريخ فرط الصوتية والتي يُرافق تحليقها غلاف من البلازما دون أن يكون هذا الغلاف هو السلاح بحد ذاته.
وهذا ما أشار إليه قائد القوة الجوفضائية في حرس الثورة الإسلامية العميد امير علي حاجي زادة في أحد تصاريحه الإعلامية السابقة، حينما تحدّث عن قدرات صاروخ "فتاح" فرط الصوتي. حيث كشف بأن سرعة الصاروخ تبلغ 13 ماخ ومن المستحيل مواجهة صاروخ بهذه السرعة. مضيفاً بأن "فتّاح 1" هو صاروخ قلّ نظيره في العالم، وأن إيران أصبحت واحدة من 4 دول لديها هذه التكنولوجيا في العالم.
وأكّد العميد حاجي زادة أنه في ضوء تكنولوجيا صاروخ "فتّاح"، لا يوجد له أي صاروخ مضاد له، بينما توجد صواريخ مضادة لأسلحة أخرى مثل الدبابات والسفن والطائرات وما إلى ذلك، وحتى لمواجهة الصواريخ الأخرى تم تصنيع صواريخ مضادة. وأنه بالطبع لا يوجد درع صاروخي حقق نجاحًا كبيرًا؛ إلا أنه لإصابة صاروخ هجومي واحد، يجب إطلاق 3 صواريخ، في حين أن سعر الصاروخ المضاد يقارب 20 ضعف سعر صاروخ الهدف. مبيناً بأنه لا يمكن تدمير صاروخ "فتاح" بأي صاروخ بسبب حركته في مختلف الاتجاهات والارتفاعات، بينما تتحرك الصواريخ المضادة للصواريخ وفق ناقل محدد، وهي ذات سرعة منخفضة. وأشار حاجي زادة إلى أن سرعة صاروخ "فتاح" هي 13 ماخ، وبأن الصاروخ الذي يمتلك مثل هذه السرعة الهائلة لا يمكن مواجهته بأي صاروخ، كما تم تحديد مداه ليكون 1400 كيلومتر، وأنه يصيب الهدف بدقة (وهذا ما ظهر جلياً من خلال أدائه الميداني خلال عملية الوعد الصادق 2).
ردّ إيران سريع وساحق على أي عدوان
لذلك أمام ما قد يحصل من تطورات في الفترة القادمة، فإن استخدام الصواريخ فرط الصوتية الإيرانية، سيكون أحد أبرز خيارات الردّ الإيراني، لا سيما ضد منظومات الاعتراض الصاروخي. فهذه الصواريخ بسرعاتها العالية ستتيح للجمهورية الإسلامية تحييد المنظومات الأمريكية والإسرائيلية من عمليات الاعتراض، وبالتالي التمكن بعدها من تنفيذ عمليات هجومية بكافة أنواع الصواريخ الباليستية بأعداد هائلة، كافية لإمطار القواعد العسكرية الأمريكية والكيان المؤقت والدول التي سهّلت العدوان بالصواريخ.
وهذا ما أشار إليه رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، في تصريح له الأحد 06/04/2025، حينما قال بأن أي هجوم على إيران سيُطلق ردًا "سريعًا وساحقًا ولا رجعة فيه". فيما صرّح بعض القادة العسكريين الإيرانيين بأن الوجود العسكري الأمريكي الواسع في المنطقة يجعلهم وكأنهم "يجلسون في بيت من زجاج"، وعليه لا ينبغي لهم "رمي الآخرين بالحجارة".
وفي سياق متصل بما سبق، ردّ قائد المقر المشترك للدفاع الجوي لخاتم الأنبياء (ص) في الجمهورية الإسلامية الإيرانية العميد علي رضا صباحي فرد، في مقابلة إعلامية مؤخراً، حول نشر أنباء في الفضاء الإلكتروني عن إنتاج أسلحة البلازما من قبل إيران بالقول: "لقد أنتجنا ونملك في حوزتنا كل شيء لا يمكن حتى أن يتخيله أعداؤنا الأشرار". متحدثاً عن الإنجازات الجديدة التي حققتها قوة الدفاع الجوي للجيش الإيراني: "قدرات الدفاع الجوي تتطور كل يوم. لقد تم تسليح العديد من إدارات الدفاع بأحدث الأسلحة التي لا يمكن لأعدائنا أن يتخيلوها خلال الشهر الماضي، وكان رفاقي في الدفاع الجوي للبلاد على أهبة الاستعداد لاستهداف القلب الأسود للأعداء".
الرد الإيراني الاستراتيجي: التوجّه نحو السلاح النووي
أما على صعيد أحد اهم الردود الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية على أي عدوان أمريكي، فهو إمكانية التوجه نحو تغيير العقيدة النووية واقتناء السلاح النووي.
وهذا ما صرّح به مستشار قائد الثورة الإسلامية علي لاريجاني، الذي قال بأنه على الرغم من امتلاك إيران للقدرة التقنية على تطوير أسلحة نووية، إلا أنها امتنعت عن ذلك بسبب فتوى دينية مُلزمة أصدرها الإمام السيد علي الخامنئي، تُحرّم إنتاجها. ومع ذلك، حذّر من أنه في حال شنّت الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل ضربة عسكرية ضد إيران، فقد يتغير مسار الرأي العام الإيراني بشكل حاسم. مبيّناً في إنه في مثل هذا السيناريو، قد تُجبر الجمهورية الإسلامية - بفعل الضغط الداخلي - على السعي لامتلاك أسلحة نووية. تصريح لاريجاني ليس الأول من نوعه بل سبقه تصريح مشابه لمستشار قائد الثورة الاسلامية وزير الخارجية الأسبق كمال خرازي، ومسؤول حماية المنشآت النووية في حرس الثورة الاسلامية العميد حجت طلب، وأربعون عضو في مجلس الشورى الإسلامي طالبوا مجلس الأمن القومي الايراني في عريضة رسمية تغيير العقيدة النووية في ظل التهديدات الأميركية والإسرائيلية لشن عدوان على الجمهورية الإسلامية.
الكاتب: غرفة التحرير