حملت ثورات "الربيع العربي" دروساً جديدة للمنطقة العربية، تنبئ بتغيير حضاري قادم وأملاً للشعوب العربية التي أمعنت أنظمتها في استيلاب حريتها. تغيير يتجاوز أزماتنا كمواطنين داخل أشباه دول، والمتعلقة بفساد أنظمتنا العربية واستبدادها في الحكم مع افتقادها لحد أدنى من العدالة الاجتماعية.
في هذا الإطار نشر مركز الزيتونة للدراسات دراسة بعنوان عشرون درساً من "الربيع العربي"، يبدأ بالمقدمة التالية:
لعل موجة الثورات والتغيرات في المنطقة العربية أو ما عرف بـ"الربيع العربي"، التي مضى عليها نحو ثماني سنوات، تعدُّ أحد أبرز وأنبل الظواهر في التاريخ الحديث والمعاصر. وبغض النظر عما تعرضت له من هجمات وتشويه وتزوير وموجات مضادة، فقد تميزت بحجم مشاركة شعبي هائل، وبمشاركة واسعة من الشباب، والفئات الشعبية غير المسيَّسة، وتميزت عند انطلاقتها بالسلمية (بشكل عام) وكانت الأنظمة السياسية هي المسؤولة أساساً عن عسكرتها؛ كما تجاوزت الأمور المطلبية إلى القضايا السياسية الكبرى، وحققت نتائج باهرة في وقت قياسي، فأسقطت أنظمة سياسية، ورفعت سقف الحريات والمشاركة السياسية في العام العربي.
كما تمكن الإنسان العربي من كسر حاجز الخوف، ومن التعبير عن مطالبه بشكل حضاري، وكشف الوجه القبيح للأنظمة التي تستعين بالقوة العسكرية والأمنية، وبالقوى الخارجية للمحافظة على بقائها. واستخدمت وسائل إعلامية حديثة فعالة، بما في ذلك الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر وغيرها. وبالرغم من أن هذه الثورات عانت من الموجات المضادة، ومن دخول القوى الخارجية على الخط لدعم منظومات التسلط والفساد و"الدولة العميقة"، حتى لو أدى ذلك إلى سفك الدماء ونشر الفوضى، وتدمير النسيج الاجتماعي، وتدمير البنى التحتية والاقتصادية؛ إلا أن هذه الموجة الثورية أعطت بارقة أمل لتغيير حضاري حقيقي قادم، يفرض نفسه من خلال موجة جديدة، تستلهم دروس هذه التجربة وغيرها، وتتجاوز العثرات التي وقعت بها.
نتوقف هنا على عدد من الدروس، من خلال قراءتنا وتحليلنا لتجربة هذه الثورات أو ما عرف بـ"الربيع العربي". وننبه إلى أن هذه الدروس غير مرتبة حسب الأهمية أو وفق تصنيف معيَّن؛ كما قد تبدو بعض الدروس في ظاهرها متعارضة أو متداخلة مع دروس أخرى، غير أن ذلك مرتبط بإشكالية القدرة على إدارة قضايا متشابكة معقدة، قد يؤدي زيادة وزن بعضها إلى إضعاف قضايا أخرى، وهو ما أشرنا إليه في أحد الدروس حول "إدارة المتعارضات والتوازنات والأولويات". ثم إن هذه الورقة استهدفت وضع النقاط على الحروف، بأفكار وملاحظات مكثفة ومختصرة؛ وتجنبت الخوض في الأمثلة والتفاصيل، حتى تظل في إطار ورقة العمل.
لتحميل الدراسة من هنا
المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
الكاتب: أ. د. محسن محمد صالح