بعد محادثات غير مسبوقة أجرتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع حركة حماس، تصاعد التوتر بين المسؤولين الإسرائيليين والولايات المتحدة، ومن بين المسؤولين الإسرائيليين الذين هاجموا الخطوة الأميركية، وزير الزراعة الإسرائيلي وعضو مجلس الوزراء الأمني، آفي ديختر، الذي وصف تلك الخطوة، بـ"السيئة والخطرة والإشكالية للغاية"، ولا سيما أنّها تأتي "من دون معرفة من الجانب الإسرائيلي أو تنسيق معه". فيما أفاد مصدر عسكري إسرائيلي، موقع "واللا"، بأنّ "المفاوضات بين واشنطن و(حماس) شكّلت مفاجأة لإسرائيل، لأنها تمنعها من التهديد بالعودة إلى القتال".
في هذا السياق، يحمّل كاتب صحيفة هآرتس، Amir Tibon، في مقال ترجمه موقع الخنادق، نتنياهو عن قرار ترامب بإجراء مفاوضات مباشرة مع حماس، معتبراً هجوم أعضاء حكومة نتنياهو على الأميركيين "قمة الوقاحة والنفاق"، ويُرجع الكاتب قرار البيت الأبيض بالإقدام على هذه الخطوة إلى "رفض نتنياهو بدء المحادثات مع حماس واختيار بدلاً من ذلك إضاعة الوقت" بالإضافة إلى انتهاك شروط الاتفاق مع الحركة.
النص المترجم للمقال
إن الهجوم الذي شنته حكومة نتنياهو، وأبواقها الإعلامية، وأجزاء من الجالية اليهودية الأميركية على المحادثات المباشرة التي أجرتها إدارة ترامب مع حماس، هو قمة الوقاحة والنفاق. إن رفض نتنياهو هو الذي لم يترك للبيت الأبيض أي خيار.
كان ينبغي أن يكون قرار إدارة ترامب بإجراء محادثات مباشرة مع حماس بشأن مصير الرهائن الـ 59 المتبقين في غزة، بما في ذلك خمسة مواطنين أمريكيين، بمثابة جرس إنذار لحكومة نتنياهو.
ولكن بدلاً من ذلك، ومنذ أن أعلن الصحافي باراك رافيد عن وجود القناة الدبلوماسية للمرة الأولى في الأسبوع الماضي، كانت الحكومة وأبواقها في وسائل الإعلام الإسرائيلية تهاجم الإدارة، وتبكي دموع التماسيح عليها ــ ولا تفعل شيئاً أكثر من ذلك.
من المهم أن نفهم لماذا بدأت هذه المحادثات بين مبعوث ترامب للأسرى، آدم بوهلر، وكبار قادة حماس في المقام الأول. قبل شهرين تقريباً، وقعت إسرائيل وحماس اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن ليشمل ثلاث مراحل. في المرحلة الأولى، التي انتهت قبل 10 أيام، وافقت حماس على إطلاق سراح 33 رهينة إسرائيلياً، بينما وافقت إسرائيل على إطلاق سراح ما يقرب من 1000 سجين فلسطيني.
كان من المفترض أن يتم التفاوض على المرحلة الثانية، التي تتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى الأحياء المتبقين، أثناء المرحلة الأولى. وفي الواقع، كان هناك تاريخ محدد بوضوح لهذه المرحلة: كان من المفترض أن تبدأ المفاوضات في اليوم السادس عشر من وقف إطلاق النار. لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفض بدء المحادثات مع حماس واختار بدلاً من ذلك إضاعة الوقت. لقد كانت إسرائيل تنتهك شروط الاتفاق منذ ما يقرب من شهر الآن برفضها التفاوض بشأن المرحلة التالية من الصفقة.
لقد أدى هذا إلى واقع حيث استمر وقف إطلاق النار في غزة لأكثر من أسبوع، منذ انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة، ولكن لم يتم إطلاق سراح أي رهينة . وهذا هو الأسوأ على الإطلاق من وجهة نظر إسرائيلية، ولكن هذا ما اختاره نتنياهو - لأن هذا الوضع غير المحدد يسمح له بإبقاء آمال شركائه المتعصبين في الائتلاف على قيد الحياة لتجديد الحرب.
المشكلة هي أن أكثر من عشرين رهينة على قيد الحياة ما زالوا يعانون في أنفاق غزة، وليس لدى نتنياهو أي خطة لإخراجهم من هناك. ومن خلال رفضه التفاوض وتنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة، أشار إلى إدارة ترامب أنه إذا كانت تريد إطلاق سراح الرهائن، فيجب أن تفكر في طرق أخرى لتحقيق هذا الهدف.
إن إدارة ترامب، على الأقل في الوقت الحالي، ملتزمة بالفعل بإنقاذ الرهائن وإعادتهم جميعاً إلى أسرهم. وقد اتضح هذا في الاجتماع الأخير للرئيس مع ستة رهائن مُفرج عنهم، والذين سافروا جواً إلى واشنطن لأنهم لا يثقون في حكومتهم ولكن لديهم ثقة في ترامب.
ولكن إذا رفضت إسرائيل الدخول في مفاوضات حقيقية تؤدي إلى هذه النتيجة، فماذا كان من المفترض أن تفعل الإدارة بالضبط؟
ولهذا السبب فإن الانتقادات التي وجهتها حكومة نتنياهو وقطاعات من الجالية اليهودية الأميركية لهذه القناة الدبلوماسية تشكل قمة الوقاحة والنفاق. وإذا كان نتنياهو وذراعه اليمنى رون ديرمر غير راضين إلى هذا الحد عن محادثات الأميركيين المباشرة مع حماس، فإنهما يستطيعان ببساطة أن يتوقفا عن التخريب والتأخير، وأن يبدآ على الفور المفاوضات العاجلة بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق.
إن صيغة إطلاق سراح الرهائن لم تتغير بعد كل الأحداث الدرامية التي شهدها العام الماضي. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا كجزء من صفقة تنهي الحرب، مصحوبة بخطة دبلوماسية لتخلي حماس عن السلطة في غزة واستبدالها بحكومة جديدة تحظى بدعم الدول العربية المهمة.
وما لم تكن إسرائيل مستعدة للتوقيع على هذه المعايير، فلن يكون هناك خيار أمام الولايات المتحدة سوى تجربة طرق أخرى غير تقليدية لإنقاذ الرهائن من الجحيم الذي يحاولون البقاء على قيد الحياة فيه يوماً بعد يوم.
المصدر: هآرتس
الكاتب: Amir Tibon