الإثنين 10 آذار , 2025 11:28

العراق في قبضة واشنطن: الكهرباء رهينة الابتزاز الأميركي

لم تتأخر الولايات المتحدة كثيراً في إعادة العراق إلى نقطة الصفر. انتهت مهلة الإعفاء الأميركي في السابع من آذار، ولم يكن هناك أدنى شك في أن الإدارة الحالية لن تجدّدها. القرار واضح: وقف إمدادات الغاز الإيراني إلى العراق، ودفع هذا البلد نحو أزمة طاقة لا مخرج قريباً منها. ليست هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها واشنطن ملف الكهرباء سلاحاً ضد العراق، لكن الجديد أن بغداد تبدو اليوم أكثر عجزاً مع انعدام البدائل وظروف المنطقة.

السيناريو بات معروفاً. واشنطن تمنع العراق من استيراد الطاقة من إيران، وتعرقل أي محاولة جدية لخلق بدائل عملية. العراقيون في مواجهة كارثة محتمة. الجميع يعلم أن العراق ليس جاهزاً للاستغناء عن الغاز الإيراني، لكنّ الأميركيين يريدون فرض أمر واقع جديد، بغض النظر عن النتيجة.

المفارقة أن واشنطن، التي تدّعي الحرص على استقرار العراق، هي نفسها التي تمنع عنه البدائل القابلة للتحقيق. حتى عندما تحدث المسؤولون الاميركيون عن مشاريع الربط الكهربائي مع الخليج، كان واضحاً أن الأمر لا يعدو كونه استهلاكاً إعلامياً، لأن هذه المشاريع تحتاج إلى سنوات حتى تنفّذ، بينما الأزمة تتفاقم الآن، وليس بعد عدة سنوات.

لدى الأميركيين هدف واحد لا يتغير: خنق إيران. العراق ليس سوى ورقة ضغط إضافية، تماماً كما كان لبنان قبل سنوات حين وعدت واشنطن بمساعدته على تأمين الكهرباء عبر مصر والأردن، لمجرد قطع الطريق على استقدام النفط الإيراني. حينها، لم يصل الغاز المصري ولم تتحرك الإدارة الأميركية لتقديم أي دعم حقيقي، والسيناريو نفسه يتكرّر الآن في العراق.

لم يكن المسؤولون العراقيون بحاجة إلى الإفصاح عن عجزهم، فالواقع أوضح من أي تصريح. لا بدائل سريعة، ولا خطط جاهزة، والبلد يسير نحو أزمة مفتوحة. مشاريع الربط الكهربائي مع الخليج لم تكتمل، والاكتفاء الذاتي من الغاز العراقي لا يزال بعيداً، واستيراد الغاز من دول أخرى يتطلب بنى تحتية غير موجودة.

تضع هذه الأزمة العراق أمام سيناريوهات عدة، هي ليست تنبؤية، بقدر ما هي قراءة لتاريخ بغداد الحافل بتجارب مماثلة:

-الاستسلام للشروط الأميركية، وهو ما يعني قبول العراق بتوجهات واشنطن سياسياً واقتصادياً، وتقليص التعاون مع إيران، ومنح شركات أميركية امتيازات في قطاع الطاقة. هذا الخيار قد يُبعد شبح الأزمة مؤقتاً، لكنه سيؤدي إلى مواجهة داخلية شرسة.

-اللجوء إلى حلول ترقيعية عبر شراء الكهرباء من دول أخرى بكميات محدودة، أو محاولة تشغيل محطات بالوقود البديل، لكنّ هذه الإجراءات لن تمنع تفجّر الشارع العراقي.

-انفجار الشارع، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً، حيث ستتكرر مشاهد الاحتجاجات التي أطاحت بحكومات سابقة، وعلى رأسها حكومة عادل عبد المهدي، التي واجهت غضباً شعبياً واسعاً بسبب تردّي الخدمات وانقطاع الكهرباء.

يقف العراق اليوم على حافة الفوضى، بين ضغوط داخلية وخارجية لا تنتهي. المشهد السياسي العراقي يتسم بالتشابك الشديد بين مصالح قوى إقليمية ودولية، حيث أصبح العراق ملعباً لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة.

التدخلات الأميركية، التي تتخذ شكلاً متنوعاً بين العقوبات الاقتصادية والتضييق السياسي، لم تعد تقتصر على محاصرة العراق على المستوى العسكري والأمني فحسب، بل تخطتها إلى محاولة رسم خارطة جديدة للنفوذ الاقتصادي والسياسي، من خلال توجيه الضغط على موارد الطاقة.

تستخدم الولايات المتحدة، التي ترى في العراق نقطة ارتكاز هامة في معركتها الإقليمية ضد إيران، ملف الكهرباء والغاز كأداة للابتزاز، مانعةً إياه من تفعيل أي بدائل حقيقية، ومجبرة إياه على السير في طريق خيارات مستحيلة. هذا التدخل الأميركي، الذي يبدو من بعيد كسياسة للضغط والاحتواء، هو في واقع الأمر جزء من استراتيجية أكبر تهدف إلى إعادة تشكيل العراق في إطار مصالحها الخاصة، مع تجاهل تام لاحتياجات الشعب العراقي وأزماته المستمرة. وسط هذه التدخلات، يجد العراق نفسه ضائعاً بين ما تفرضه الولايات المتحدة من شروط، وما يفرضه الواقع الداخلي من تحديات بنيوية وثقافية، الأمر الذي يربك كل محاولات الإصلاح ويزيد من تعميق أزماته السياسية والاقتصادية.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور