ليس بجديد على كيان الاحتلال الإسرائيلي ما يقوم به من اعتداءات على الفلسطينيين، حتى بات البعض يعتبره جزءًا من اليوميات الإسرائيلية-الفلسطينية. ولا تقتصر الاعتداءات على القصف الجوي أو المدفعي، إنما تتعداه لتصل إلى القتل العمد أثناء تدريبات جنود الاحتلال، حيث تُعطي السلطات تصريحًا واضحًا بأن "إطلاق النار على الفلسطينيين غير المسلحين هو جزء من التراث غير الحربي".
في هذا السياق كتبت عميرة هاس في صحيفة هآرتس مقالًا تحت عنوان "الجنود يستمتعون بالإثارة والإثارة أن تقنص فتصيب!"، مشيرةً إلى أن الكيان يدرب جنوده على أن "قنص" الفلسطينيين هي "بطولة في معرض الدفاع عن مشروع الاستيطان". وأكدت الكاتبة على أن الفلسطينيين "أبطال"، فهم وعلى الرغم من معرفتهم بـ "أن للجنود شيكاً مفتوحاً لإزهاق حياتهم، مع ذلك يواصلون التظاهر والانتشار".
النص المترجم:
الجيش الإسرائيلي يعلم ويدرب جنوده جيداً. يتم إبلاغ ضباطه باستمرار، ويقومون بإبلاغ الجنود ويجرون محادثات توجيه قبل وبعد تنفيذ أي مهمة. لا يعتبر قتل وإصابة متظاهرين فلسطينيين أخطاء، ولو أنها كانت أخطاء لكانت عبراً تعلموها وأوقفوها منذ فترة. إن إطلاق النار على الفلسطينيين غير المسلحين هو جزء من التراث غير الحربي، الذي يتربى عليه أجيال من الجنود الإسرائيليين الذين هم على قناعة بـ "بطولتهم". يعطى هؤلاء الجنود تصريحاً بقتل وإصابة غير المسلحين في إطار تدريبهم وفي أثناء قيامهم بدورهم كجيش الدفاع عن مشروع الاستيطان.
الجنود متمكنون بشكل جيد من السلاح والذخيرة التي بحوزتهم، يعلمونهم متى يجب وقف إطلاق النار ومتى يجب الإطلاق، متى وكيف يتم التصويب على الجزء العلوي ومتى يكون على الجزء السفلي، ومتى وكيف يتم استخدام سلاح قاتل ومتى وكيف يتحول إلى سلاح خطير. لذلك، فإن الدروس المستخلصة من سلوك الجيش في الأشهر الأخيرة أثناء قمع الاحتجاج ضد اقتحام مستوطني "أفيتار" لجبل صبيح وأراضي القرى الفلسطينية بيتا وقبلان ويتما، هي:
الجنود الذين قتلوا أربعة من سكان بيتا في أربعة أيام منفصلة من المظاهرات، وأصابوا عشرات المتظاهرين بالنار الحية، كانوا ينوون الإصابة البالغة إذا لم يقتلوا، فتدريبهم والسلاح الذي بحوزتهم يدلان على ذلك. لم يكونوا ليطلقوا النار كي يقتلوا أو يصيبوا بدون موافقة مسبقة وبأثر رجعي من قادتهم.
الجنود وقادتهم ينامون جيداً في الليل حتى بعد قتل وإصابة فلسطينيين تظاهروا ضد اقتحام عنيف لأراضيهم، كما أن زوجاتهم وآباءهم ينامون جيداً أيضاً.
الجنود يزيدون الطين بلة، فهم يقتحمون مناطق زراعية مفلوحة للدفاع عن المستوطنين الغزاة. تخيلوا ماذا كان سيحدث لشرطي فلسطيني مسلح يدخل إلى كرم عنب تابع لمستوطنة "بسغوت" تمت زراعته على أراض سُرقت من سكان مدينة البيرة.
يتبين من بيانات المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي حول ثلاثة من بين حوادث القتل الأخيرة في بيتا، أن المتظاهرين الذين أطلق عليهم النار وقتلوا، لم يشكلوا أي خطر على حياة الجنود مطلقي النار و/أو المستوطنين الإسرائيليين الذين كانوا مسلحين بجانبهم. كيف عرفنا ذلك؟ في حالة واحدة، وهي حالة عيسى برهم (43 سنة)، المحامي في مهنته في النيابة العامة بمدينة سلفيت والذي كان ينوي إخلاء مصابين، لا يوجد أي بيان من الناطق بلسان الجيش في ذاك اليوم حول المظاهرات وحول القتيل. وبالنسبة لزكريا حمايل، معلم اللغة العربية (26 سنة)، ومحمد حمايل، الطالب في الثانوية (16 سنة)، كُتب في بيان المتحدث بلسان الجيش بأنه على علم بادعاء الفلسطينيين عن وجود قتلى. لو أن أحد الجنود شعر بأدنى قدر من الخوف على حياته أو جسده للجأ المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي إلى تضخيم الأمر في بيان، والقول بصورة محددة، وليس عامة، بأن حياة الجنود كانت في خطر.
بخصوص القتيل الرابع، أحمد بني شمسة، الطالب في الثانوية أيضاً، تم الادعاء بأنه ركض نحو أحد الجنود وألقى عليه جسماً، "المشتبه فيه بأنه عبوة". لا يقول المتحدث بلسان الجيش بصورة صريحة إنه هناك خطراً على حياة الجندي، هو أيضاً لم يشر إلى ماهية هذا الجسم (أهو مفرقعات أو زجاجة حارقة أو عبوة من إنتاج محلي). ما هي المسافة بين الجندي وبينه، هل هي 20 متراً، 100 متر؟ وما الفرق في الارتفاع بينهما؟ يعرف الجنود أنه يسمح لهم بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على مصابين وطواقم طبية، وإطلاق الرصاص المعدني المغلف بالمطاط على المنقذين وسيارات الإسعاف التي تنقل المصابين. قال المتحدث بلسان الجيش إن هذا لم يحدث بصورة متعمدة. اسمحوا أن أشكك في ذلك، لو لم يكن أي غمز وإشارات من فوق بأنه مسموح التشويش على عملية إنقاذ المصابين والمس بالطواقم الطبية لما تكررت هذه العمليات في أي عملية قمع لنشاطات احتجاج فلسطينية.
إطلاق النار الحي على الجزء العلوي من أجسام المتظاهرين هو جزء من الإجراءات، لأنه يستهدف تخويف متظاهرين آخرين وردعهم ووقف الاحتجاج في بلدة بيتا، ويأتي أيضاً لإرضاء غزاة "أفيتار" وسعادتهم.
المتظاهرون الفلسطينيون في بيتا والقرى الأخرى أبطال، يريدون منع التمدد وابتلاع أراضيهم بأجسادهم، ويعرفون أن للجنود شيكاً مفتوحاً لإزهاق حياتهم، مع ذلك يواصلون التظاهر والانتشار على السلاسل الحجرية على الجبل وفي حقول الزيتون. طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني والمتطوعون الذين يسرعون لإنقاذ المصابين كلهم أبطال.
الطوبوغرافيا تؤدي دوراً لصالح الجنود والإسرائيليين المسلحين، فهم على أعلى قمة الجبل. المتظاهرون غير المسلحين أو المسلحين بحجارة رمزية وإطارات وألعاب نارية ينزلون إلى الوادي من تلال أخرى وينتشرون على سفح الجبل، وبعد ذلك يصعدون نحو البؤرة الاستيطانية مكشوفين لنيران البنادق.
الجنود هم الذين يحددون المسافة بينهم وبين المتظاهرين والفرق في الارتفاع، ولو أرادوا تقليص الاحتكاك ومنع الخسائر في الأرواح والمصابين في أوساط الفلسطينيين لانتشروا حول البؤرة نفسها قرب أطراف التلة المنحدرة التي يصعب تسلقها، وكان يمكنهم الوقوف في سياراتهم المحصنة في المقاطع البعيدة عن المتظاهرين الموجودين في الطرق الزراعية التي بين الحقول.
المصدر: صحيفة هآرتس
الكاتب: عميرة هاس