شهدت الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر 2023 تصعيداً غير مسبوق في عمليات المقاومة الفلسطينية، حيث أصبحت الساحة الأكثر اشتعالاً في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي. جاء هذا التصعيد كرد فعل مباشر على تزايد الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والضفة، سواء من خلال استمرار التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي الفلسطينية، أو الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى والمدن والمخيمات الفلسطينية، ما أشعل حالة من الغضب الشعبي الواسع. وقد برزت المقاومة الفلسطينية بتكتيكاتها المتنوعة التي شملت العمليات المسلحة، والاشتباكات المباشرة مع قوات الاحتلال، بالإضافة إلى استخدام العبوات الناسفة وعمليات الطعن والدهس، التي شكّلت ضغطًا كبيرًا على المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وبعد السابع من أكتوبر، ركزت المقاومة بالضفة الغربية أكثر على "العبوات الناسفة الثقيلة" وطوَّرتها لتصبح أكثر فعالية وتأثيرًا في الاحتلال الذي ضيَّق عليها ولاحق المنفذين والمصنعين والمواد المصنعة منها وخاصة الأسمدة الزراعية. وكان للتنسيق المتزايد بين فصائل المقاومة والالتفاف الشعبي حول خيار المقاومة أثر كبير في تعزيز قدراتها.
وقد أدى هذا التصعيد إلى استنزاف كبير لقوات الاحتلال، التي بدت عاجزة عن احتواء المقاومة رغم حملات الاعتقال والاغتيال المتكررة. ومع استمرار هذه الديناميكية وتوسعها، تبدو الضفة الغربية في طريقها نحو مزيد من التصعيد خلال الأعوام المقبلة، خاصة إذا واصل الاحتلال سياساته العدوانية ونفّذ خطط بن غفير وسموتريتش دون مراعاة للتبعات الأمنية والسياسية والمجتمعية، ما ينذر بمواجهة شاملة. فمن المتوقع توسيع جغرافية العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة. وتعزيز الاستيطان والتمهيد لتنفيذ مخطط الضم الذي يدعو إليه الوزراء في حكومة نتنياهو.
وثّق مركز معلومات فلسطين "معطى"، مئات من عمليات المقاومة النوعية والشعبية، التي تنوعت ما بين اشتباكات مسلحة وعمليات إطلاق نار، وعمليات طعن أو محاولة طعن، وعمليات دهس أو محاولة دهس، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 56 إسرائيلياً وإصابة أكثر من 440 آخرين من السابع من أكتوبر حتى اليوم.
حصاد عمليات المقاومة في الضفة منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى 1-2-2025:
سجلت أعمال المقاومة النوعية 3896 على النحو التالي:
سجلت حراكات وأعمال المقاومة الشعبية 8892 على النحو التالي:
انتهاكات الاحتلال في الضفة منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى 1-2- 2025 بلغ 85159 على النحو التالي:
الأبعاد السياسية والأمنية والإعلامية للعمليات العسكرية في الضفة
في 28 أغسطس/آب 2024، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق شمال الضفة الغربية، وُصفت بأنها الأضخم منذ عملية "السور الواقي" عام 2002، والتي لا زالت مستمرة حتى اليوم، بالإضافة إلى عملية "السور الحديدي" الذي أعلن عنها نتنياهو بعد يومين من وقف إطلاق النار على غزة. تكتسب هذه العمليات أبعادًا أمنية وسياسية ونفسية متعددة، ما يثير تساؤلات حول أهدافها الحقيقية ومدى نجاحها في تحقيق تلك الأهداف. على الرغم من ادعاءات الاحتلال بأن العمليات جاءت لأغراض أمنية بحتة لملاحقة عناصر المقاومة و"تجفيف منابع الإرهاب"، إلا أن شواهد عدة تشير إلى أنها تخدم أهدافًا أخرى تتجاوز الأبعاد الأمنية.
البُعد السياسي والإعلامي للعملية:
من الواضح أن هناك تضخيمًا في الحاجة الأمنية لهذه العمليات، حيث تستغل حكومة نتنياهو هذه التحركات لتعزيز صورتها المهتزة أمام الرأي العام الإسرائيلي بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والتي مثّلت فشلاً استخباراتيًا وعسكريًا غير مسبوق. فالجيش الإسرائيلي، الذي يعاني من أزمة ثقة داخلية عميقة، يسعى من خلال هذه العملية إلى إظهار قدراته على "استعادة الردع" وتسجيل إنجازات رمزية تعيد للمجتمع الإسرائيلي شعور الأمان المفقود. الدعم الإعلامي المرافق لهذه العمليات يعكس استراتيجية متعمدة لتعظيم الإنجازات، حيث تتكرر عبارات مثل "تصفية خلايا إرهابية خطيرة" و"ضرب بنية المقاومة" دون تقديم أدلة ملموسة على تأثير حقيقي طويل الأمد لهذه الضربات.
أهداف انتقامية مقنعة:
تُظهر العملية بعدًا آخر يرتبط بالرغبة الانتقامية لدى الشارع الإسرائيلي، خاصة بعد الخسائر الكبيرة التي تكبّدها الاحتلال في غزة والشمال. تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تقديم "فريسة" للانتقام من الفلسطينيين لإرضاء المجتمع الإسرائيلي المتعطش لرؤية ردود فعل قوية، حتى وإن كانت تلك الردود غير متناسبة مع طبيعة التهديدات. وقد أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن المطلوبين الذين تم استهدافهم خلال العملية يمكن تصفيتهم بطرق أقل تكلفة وضجيجًا، كما جرى في حالات مشابهة سابقًا، مما يعزز الاعتقاد بأن الهدف الرئيسي ليس أمنيًا بقدر ما هو دعائي وسياسي.
الصراع الداخلي بين الأقطاب الإسرائيلية:
من زاوية أخرى، تعكس هذه العملية حالة الانقسام والصراع داخل حكومة نتنياهو وبين المؤسسات الأمنية والعسكرية. فهناك ضغوط كبيرة من أقطاب اليمين المتطرف داخل الحكومة، الذين يدعون إلى نقل أساليب التدمير والتصعيد المستخدمة في غزة إلى الضفة الغربية. ويُظهر هذا الصراع تصريحات مثل ما ورد عن ناحوم بارنيع في صحيفة يديعوت أحرونوت، حيث أكد أن بعض الوزراء وأعضاء الكنيست يرفضون أي تعاون مع السلطة الفلسطينية، ويضغطون لاتخاذ إجراءات قاسية تشمل الطرد والهدم والاحتلال في الضفة، وهو ما يراه الجيش والشاباك مضرًا بالأمن الإسرائيلي على المدى الطويل.
تضخيم الإنذارات الأمنية واستباق العمليات الفدائية:
بعد إخفاق الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية في التنبؤ بأحداث أكتوبر/تشرين الأول، باتت القيادة الأمنية أكثر ميلًا للقيام بعمليات استباقية واسعة النطاق. ويهدف هذا النهج إلى تجنب تحميلها مسؤولية تقصير مستقبلي، مما يؤدي إلى تضخيم الإنذارات الأمنية واستباق أي عمليات فدائية حتى لو كانت تهديداتها محدودة. هذه المبالغة تعكسها التحركات الميدانية شمال الضفة، حيث تم حشد قوات ضخمة ونشر تقنيات متقدمة لاستهداف مناطق محدودة يسهل التعامل معها بأساليب أخرى.
دلائل على فشل الهدف الأمني:
رغم الحملة العسكرية الكبيرة، إلا أن العديد من التقارير الإسرائيلية تشير إلى أن الاحتلال لم يحقق تغييرات جوهرية في معادلة الأمن في الضفة حتى اليوم. فالهجمات الفلسطينية لم تتوقف بعد العملية، بل تصاعدت في مناطق أخرى. كما أن المقاومة في الضفة باتت أكثر تنظيمًا ومرونة، ما يعقّد قدرة الاحتلال على كبحها. والإحصاءات حول حصاد عمليات المقاومة هو خير دليل على استمرار الإخفاق الإسرائيلي في التعامل مع حالة المقاومة في الضفة.
الكاتب: غرفة التحرير