الثلاثاء 27 أيار , 2025 04:05

مشروع ضم الضفة الغربية.. حلم إسرائيلي مؤجل؟

خريطة الضفة الغربية والاعتداءات الإسرائيلية

تعتبر الضفة الغربية أحد أهم نقاط الارتكاز في الصراع مع الكيان الإسرائيلي، من جهة الموقع الجغرافي أولاً، والعامل الديموغرافي ثانياً، لذلك تخضع لسياسات وعمليات عسكرة ممنهجة من قبل جيش الاحتلال تتجسد بشكل خاص من خلال التدمير الممنهج للبنية التحتية، والمنازل وتخريب كل ما يمس الحياة اليومية للفلسطينيين من شبكات الطرق والماء والكهرباء بحيث يستخدم الصهاينة هذا النمط كأداة أساسية لتقويض صمود الشعب الفلسطيني وإضعافه وقهره للحد من قدرته على تكوين قدرة لمقاومة الاحتلال، وفرض وقائع جديدة على الأرض من أهم أهدافها تهجير أهل الضفة الى خارجه سواء الى الأردن أو غيرها.

فالأهداف الكامنة وراء طريقة عمل الإسرائيلي في الضفة واضحة المعالم، فالسعي نحو التهجير القسري للسكان، وإضعاف المقاومة الناشئة وتفكيكها لفرض السيطرة الميدانية في سياق أوسع من الصراع المستمر على الأرض والهوية والسيادة خاصة مع مخطط ترامب لضم الضفة الغربية الى حدود الكيان الإسرائيلي.

الهدف النهائي الذي تسعى اليه اسرائيل هو فرض واقع بالسيطرة الكاملة على فلسطين التاريخية، والانتهاء من اتفاقية اوسلو حتى لو أن مفاعيلها شكلية، والاستفادة من الدعم الأمريكي خاصة مع وجود ترامب حاليًا على رأس الإدارة الأمريكية ضمن مشروعه القائم على "اتفاقيات أبراهام" وإعلانه بدعم ضم "يهودا والسامرة" أي الضفة الغربية الى حدود دولة "إسرائيل".

 لذا فإن الإستراتيجية التي يعتمدها الصهاينة بالتعامل مع الواقع القائم في الضفة الغربية تعتمد على نهج تدريجي وطويل الأمد ليكون أكثر فعالية غير النهج الذي اعتمد العام 1948، فهذه الإستراتيجية تعتمد على تقليص أعداد الفلسطينيين من خلال دفعهم الى الهجرة القسرية نتيجة الضغوط اليومية المتزايدة كالقيود على الحركة والتنقل، والقيود الاقتصادية، وتقليص الخدمات الأساسية، وفي الوقت ذاته العمل على تفكيك المخيمات التي نشأت فيها قوى للمقاومة، وطرد أهلها ونقلهم داخل الضفة، وحصرهم في مناطق مكتظة ومعزولة ومسيطر عليها بشكل كامل من قبل قوات السلطة في رام الله وأريحا مثلاً، وهذه المناطق تدار شكلياً من  قبل السلطة الفلسطينية، وإبقاء كل شيء خارجها تحت السيطرة والسيادة الإسرائيلية (الأرض، والأمن، والمياه، والاقتصاد ...) وهذا ما يؤدي الى تفكيك النسيج الاجتماعي القائم اليوم الذي يغطي قيام المجموعات المقاومة بأعمال المقاومة ضد جيش الاحتلال، وتقسيم المجتمع القائم اليوم في الضفة الى جيوب مفككة ومنعزلة جغرافياً واجتماعياً ومطوقاً أكثر بالمستوطنات والقواعد العسكرية، وهذا ما يصعّب نشوء حركة مقاومة ومجتمع له قدرة على المقاومة والتنسيق بين مكوناته وغير قادر على التحدي والحركة.

في هذا السياق، قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن وزراء في الحكومة الإسرائيلية حذروا دولاً أوروبية من أن أي اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية قد يدفع "إسرائيل" إلى اتخاذ إجراءات أحادية الجانب أيضاً، بما في ذلك ضم أجزاء من الضفة الغربية، وفقاً لتقارير إسرائيلية.

ونقلت صحيفة هآرتس عن دبلوماسي أجنبي مطلع على الأمر قوله إن وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر حذّر شخصياً وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، ووزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي من أن إسرائيل قد ترد على الاعتراف بدولة فلسطينية بضم المنطقة "ج" من الضفة الغربية، وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية.

وذكرت صحيفة "إسرائيل هيوم" أن وزير الخارجية جدعون ساعر نقل رسالة مماثلة إلى نظرائه في المملكة المتحدة وفرنسا ودول أخرى، محذراً من أن أي خطوات ضد إسرائيل ستقابل بإجراءات مثل بسط السيادة على مستوطنات الضفة الغربية، وأجزاء من وادي الأردن.

ونُقل عن ساعر قوله: "ستُقابل أي خطوات أحادية ضد إسرائيل بخطوات أحادية من جانب إسرائيل".

العقبات أمام ضم الضفة الغربية

يواجه المشروع الأمريكي-الإسرائيلي الرامي إلى ضم الضفة الغربية وتفكيك الوجود الفلسطيني فيها جملة من التحديات الجوهرية التي تعيق اكتماله، فمن الناحية الأمنية تتحول الضفة الغربية إلى مستنقع استنزاف للجيش الإسرائيلي حيث تتطلب العمليات العسكرية اليومية انتشاراً واسعاً لقوات كبيرة من الجيش مع تصاعد ملحوظ في الخسائر البشرية والمادية خاصة في معاقل المقاومة مثل جنين ونابلس، أما دولياً  فإن الموقف القانوني الواضح للضفة كأرض محتلة بموجب قرارات الأمم المتحدة إلى جانب تحقيقات محكمة الجنايات الدولية، يفرضان سقفاً على المناورات الإسرائيلية، ويجعلان أي إعلان عن ضم رسمي بحاجة الى معالجة على المستويين القانوني والدولي.

أما على الصعيد الديموغرافي فتواجه إسرائيل معضلة وجودية فضم الضفة يعني منح حقوق المواطنة لملايين الفلسطينيين ما يهدد الطابع اليهودي للدولة بينما الحرمان من هذه الحقوق يعمق الاتهامات بأن الكيان دولة فصل عنصري، وما يليها من تبعات اقتصادية خاصة في الغرب من حيث التأثير على الشركات الإسرائيلية العاملة في الضفة الغربية بالمقاطعة من قبل المبادرات الشعبية. 

درجة النجاح المتوقعة:

رغم أن المخطط الأمريكي الإسرائيلي يسير بشكل واضح نحو تدمير الضفة الغربية لتفريغها من جميع مقومات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلاّ أن نجاحه الكامل ما زال غير مضمون ويواجه مجموعة من التحديات البنيوية والميدانية قد تعيق تنفيذه على المدى الطويل ويمكن تقدير درجة النجاح المتوقعة وفق عدة أبعاد:

- على المستوى الجغرافي والديموغرافي:

 يشهد المخطط الأمريكي الإسرائيلي نجاحاً مرتفعاً نسبياً بفعل التوسع الاستيطاني المتسارع في الضفة الغربية حيث تم ضم فعلي لأكثر من 60% من أراضيها، وتحديدًا في المنطقة "ج" التي تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة كما تمكّنت إسرائيل من بسط سيطرتها على معظم الموارد الحيوية، مثل المياه الجوفية وشبكات الطرق والأراضي الزراعية، الأمر الذي جعل الفلسطينيين محاصرين في جيوب سكانية معزولة تفتقد للتواصل الجغرافي والقدرة على التطور الذاتي، وهذه السياسة تؤدي إلى تفكيك النسيج المجتمعي الفلسطيني وتُمهّد تدريجياً لتطبيق سيناريو "التهجير الناعم" عبر التضييق الاقتصادي والمعيشي دون اللجوء إلى التهجير الجماعي الصريح كما حدث عام 1948.

- على المستوى الأمني:

 يحقق المخطط الأمريكي الإسرائيلي نجاحاً محدوداً، فرغم التفوق العسكري الإسرائيلي، فإن تصاعد المقاومة الشعبية والمسلحة في مدن مثل جنين ونابلس يشكّل تحدياً كبيراً للمنظومة الأمنية الإسرائيلية مما يعقّد قدرة الجيش الإسرائيلي على بسط سيطرته بشكل كامل، وهذا الوضع يجعل المشروع قابلاً للاهتزاز بشكل مستمر، ومع كل موجة تصعيد أو انتفاضة شعبية شاملة تؤدي إلى تقويض الاستقرار الأمني وتعرقل تنفيذ الأهداف الإسرائيلية في الضفة.

- على المستوى الدولي الشعبي:

 يبدو أن نجاح المخطط الإسرائيلي لتدمير الضفة الغربية يواجه تذبذباً ملحوظاً وتراجعاً واضحاً، فعلى الرغم من استمرار الدعم الأمريكي والغربي، إلا أن الوعي الشعبي بعدالة القضية الفلسطينية آخذ في التصاعد، لا سيما في أوساط الرأي العام الأوروبي والأمريكي، وقد ساهمت في ذلك حركات المقاطعة التي تشهد توسعاً ملموساً إلى جانب ضغوط متزايدة من المجتمع المدني على الحكومات والشركات الكبرى للتوقف عن دعم الاحتلال الإسرائيلي، والنتيجة المتوقعة هي صعوبة متزايدة في شرعنة المشروع الإسرائيلي دولياً، واتساع رقعة العزلة الدبلوماسية التي تواجهها إسرائيل مع مرور الوقت عبر الضغط الشعبي الذي يعزز الضغط الدبلوماسي عبر القوانين والمحاكم الدولية.

- على مستوى الوطن البديل (الأردن):

يشكّل استقبال الأردن لموجات جديدة من اللاجئين الفلسطينيين من الضفة تحدياً متعدد الأبعاد، حيث يفرض ضغوطاً ديموغرافية وأمنية يعتبرها النظام الأردني تهديداً له، خاصة أن جزءًا كبيراً من الأردنيين هم فلسطينيو الأصل، إضافةً الى أن الضغوط الأمريكية تطالبه بتجنيس المهجّرين الفلسطينيين كجزء من مخطط "الوطن البديل" مما يضع النظام الأردني في مأزق صعب على الصعيد الشعبي والقومي والديني لأنه سيكون مساهماً في تصفية القضية الفلسطينية مما يسرع في ردة الفعل الداخلية عليه، وسيكون أمام معضلة خطيرة قد تطيح به مع استقباله ملايين الفلسطينيين الذين سيتم تهجيرهم من الضفة الغربية وهذا ما يقلل من درجة النجاح المتوقعة لمشروع تفكيك وتدمير الضفة لأن العمود الفقري لهذا المشروع هو الأردن كوطن بديل.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور