إدراك حكومة الاحتلال أن عملية إعادة النازحين في الشمال تشكل تحدياً أشد تعقيداً من الجنوب، كان له التأثير المباشر على عدم تفعيل مسارات العودة حتى الآن، وإلى تباطؤ الخطوات الفعلية في خطة إعادة التأهيل، نتيجة عوائق أمنية وإدارية ونفسية، انعكس ذلك في مشهد الضبابية وعدم اليقين في الشمال. ويذكر أنَّ سكان مستوطنات شمال إسرائيل تركوا منازلهم وأغلقت مدارسهم وجامعاتهم جرّاء تهديدات حزب الله ولم يعود إلَّا قلّة منهم بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان و"إسرائيل".
فبالنسبة لسكان المستوطنات الحدودية، إشكالية الأمن تزداد تعقيداً، فإذا كانت الحرب الشاملة لم تتمكن من تحقيق الشرط المركزي للعودة وهو إقامة منطقة عازلة، فإن مساحات انعدام الثقة والخوف ازدادت بعد وقف إطلاق النار، وانجر السكان إلى حلقة من الضبابية المصيرية المقترنة بتصريحات وإجراءات تفاقم الوضع سوءاً وتعقيدات غير واضحة حول موعد العودة والظروف التي يبنى عليها قرار العودة، إلا أن الثابت بين المستوطنات أن السكان لم يعودوا بعد، ويميلون إلى الاستقرار بعيداً ريثما يتبين حقيقة الوضع الأمني على الحدود.
في هذا السياق، كشف استطلاع رأي نقله موقع "واللا" الاسرائيلي أن "33 بالمئة من السكان الذين تم إجلاؤهم من شمال إسرائيل لا يرغبون في العودة إلى منازلهم" وأشارت وسائل إعلام عبرية إلى أنَّ "مسؤول مديرية إعادة إعمار مستوطنات الشمال تشيني ميروم، قدّم استقالته للسلطات الإسرائيلية".
أما رئيس "اتحاد المقاولين" لدى كيان الاحتلال، راؤول سروغو، قال في مقابلة مع القناة "الـ12" الإسرائيلية، "إنّنا زرنا اليوم كل منطقة خط المواجهة مع لبنان، والتي تقع عند السياج تماماً، ورأينا دماراً كبيراً في أماكن، مثل المنارة وكريات شمونة والمطلة". ولفت سروغو إلى "أنّنا رأينا مبانيَ مدمرة"، وأن "نحو 50% من المباني تضررت، وهذا يستلزم إعادة ترميم فوري".
وأسف رئيس "اتحاد المقاولين"، للوقت المطلوب لإعادة الترميم وتجهيز المستوطنات، قائلاً إنه "سيكون طويلاً جداً، لأنّ الحكومة مهتمة بالموازنات، لكنها لا تهتم بتأمين عمال البناء لهذه الشركات كي تقوم بعمل سريع".
وأضاف سروغو أنّ "الحكومة لا تدرك أنّ ذلك لن يعيد السكان الى منازلهم قريباً"، لافتاً إلى أن الأمر يستوجب أيضاً "ترميم الطرقات التي دمرتها دباباتنا".
وشدّد على أنّه "ليس فقط الطرقات دُمرت، بل أيضاً البنية التحتية"، مضيفاً أنّهم "لا يعترفون بالأضرار تحت الطريق، ولا يُقِرّون أنه يجب تخصيص مبالغ لها".
من جهتها، قالت صحيفة "كلكاليست" الإسرائيلية إنّه "بعد مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب، وثلاثة أسابيع على وقف إطلاق النار مع حزب الله في لبنان، تفتقر الحكومة إلى خطة لإعادة إعمار الشمال، ولإعادة السكان النازحين إلى منازلهم".
ختاماً، يلخّص رئيس مجلس الجليل الأعلى، غيورا زلاتس ملف عودة المستوطنين الى الشمال بقوله "إنّنا في إخفاق من الصعب وصفه. ومنذ 15 شهراً ونحن في حرب، وليس لدى أحد مسؤولية وميزانية لمعالجة مواضيع سكان الشمال. الدولة أخفقت على المستوى المدني. اخفاق من الصعب وصفه. هناك 65 %، أي نحو 200 ألف، من السكان، وهم منذ 15 شهراً في منطقة حرب، إننا في حاجة إلى مساعدة فورية".
تلقي تعقيدات عملية عودة السكان إلى الشمال بثقلها على كاهل السلطة الإسرائيلية، وتتطلب مسارات تأهيل متكاملة: مادية ونفسية وسياسية، والأهم استعادة ثقة الجمهور بالقيادة السياسية، فيتوجب على الحكومة في هذا المسعى إقناع السكان بأن وقف القتال مع حزب الله يضمن أمنهم، وهو ما ذكره نتنياهو في تصريحه: "سننتظر حتى رؤية مدى التزام الطرف الآخر بالاتفاق".
الكاتب: غرفة التحرير