الثلاثاء 29 تشرين أول , 2024 03:23

واقع المجتمع الشمالي على ضوء تحذير حزب الله بإخلاء المستوطنات الـ 25

إنذار المستوطنات الإسرائيلية

أنذر حزب الله السبت سكان 25 مستوطنة إسرائيلية، وطالبهم بمغادرة منازلهم فوراً، قبل البدء في قصفها بالصواريخ والطائرات المسيرة. وقال حزب الله في بيان إن "25 مستوطنة أصبحت هدفاً عسكرياً مشروعاً للقوة الجوية والصاروخية في المقاومة الإسلامية". وأضاف ندعو "سكان 25 مستوطنة إسرائيلية إلى إخلائها لأنها تحولت إلى مكان انتشار واستقرار لقوات العدو".

في هذا الإطار، يمكن القول أننا أمام مرحلة مفصلية في "معركة الجبهة الداخلية الإسرائيلية مع الصمود"، كان فيها لمرحلة الإيلام وتظهيرها بعد ذلك بإعلان المقاومة "إنذارات الإخلاء القسرية"؛ وقعاً أحدث تصدّعات غير مسبوقة من جهة، وعميقة من جهة اخرى، تركت المجتمع الشمالي تحت "الأمر الواقع"، في تموضع عقيم لأي رؤى بحلول مستقبلية، قد يذهب بهم اليأس إلى فورة داخلية على كل مصادر الخذلان: جيشاً وحكومة، بالتالي بدء مرحلة الضغط على صناع القرار ليس لجهة وقف الحرب مباشرة بل إلى تغيير استراتيجيات التعامل مع التهديدات وفي هذا خيارات المؤسسة العسكرية والسياسية تضيق يوماً بعد يوم. 

تفند هذه الورقة واقع المجتمع الشمالي المستجد على ضوء التحولات، ضمن رؤية تحليلية لتداعيات المعركة على الجبهة الداخلية، بالاستناد إلى واقع سعى الإعلام العبري جاهداً لإخفائه.

التداعيات

اختراق مثلث الصمود الحديدي

منذ بداية الحرب عرّف رؤساء المجالس والبلديات في الشمال أنفسهم كخط دفاع أول عن "حقوق" مستوطناتهم، والصوت الذي لاحق الحكومة بلا كلل لاستعادة منازلهم وسقف الأمان فوق رؤوسهم للعودة، وهذا ما لم تتمكن الحرب - حتى قبل أيام- من اختراقه أي حلقة "الشعب- رؤساء المجالس"، تزامن ذلك مع افتتاح ثغرة أخرى في حلقة الأمان الأخيرة بالنسبة للمستوطنين مع قيادة الجبهة الداخلية، بعد قرارها باستئناف التعليم في توقيت حساس بفارق ساعة من إعلان المقاومة "إنذارات الإخلاء"، لم يكن التوقيت لصالحها، فتداخلت الحلقات داخل مثلث الصمود الحديدي (الشعب- الممثلين- قيادة الجبهة الداخلية)، ووجد "الشعب" نفسه في تموضع أكثر ضيقاً من أي وقت مضى، باعتباره "الكبش" الذي بيع في مزاد الوهم، فقط كي تشتري قيادة الجبهة الداخلية ومعهم ممثلي "الشعب" نظرية: التقدم الناجح في خطة ترتيبات العودة، أمام الجميع.

تحرير المستوطنين من عقيدة "التفوق"

في ظاهرة غير مسبوقة، يخرج المستوطنين من مربع التفوق، قبل الآن، لم يكن يتقبل المستوطن الشمالي ولو كان الحدث بمرأى العين، أن يعترف علناً، أنه أمام عدو قوي أو أقله يملك قوة جزئية، ليس فقط بالقدرة على الوقوف بوجه أقوى جيش في المنطقة، ولا حتى بالقدرة على تحقيق انتصارات تكتيكية ضده، بل بالقدرة على مواجهة الجيش من على الهضبة نفسها، وكأن الصورة التي تشكلت بسياج شاهق افتتحت فيها الثغرات الكبيرة وتسللت فكرة الضعف إليها.

"صناعة خيبة" مضادة

حتى لو لم يكن يدرك مستوطنو الشمال أين يتموضعون الآن -وإن كانت قد قيلت علناً- لكنهم حقيقةً دخلوا في فخ "صناعة الخيبة"، فبعد نشوة الإنجاز والخطاب عالي السقف بأن أجنحة حزب الله قد تكسرت (بعد استشهاد الأمين العام)، وتحديداً بعد مرحلة انذارات الإخلاء باعتبارها تظهيراً واضحاً لحجم اقتدار حزب الله على عكس ما تم تكراراه مراراً من على منابر المستويين السياسي والعسكري؛ وقع المستوطنون في مستنفع الخيبة المعمقة، بعد خيبة امتدت لـ 11 شهراً لم يعد من السهل أبداً العودة إلى المربع الأول، بالتالي: تقهقرت قدرة هؤلاء على الصمود، وانعدمت الثقة بـ"الدولة": جيشاً ومؤسسات.

تبديل مرجعية الخبر بالأدوات البيّنة

بعد نجاح المقاومة بتثبيت عنصر "المصداقية"، من خلال تنفيذ الاستهدافات للمستوطنات المذكورة، كبيان واضح لا لبس فيه أمام المجتمع الشمالي، لم يبق اعتراف المستوطنين ضمنياً بل انتقل إلى اعتراف علني بمصداقية التحذيرات، ومجدداً انجر المستوطنون إلى مربع أخطر: نقل مرجعية الخبر الصادق الذي يحمل المصداقية التي ينشدونها من حكومتهم التي فقدت مصداقيتها إلى عدوهم.

دخول "الثقة"

اخترق خطاب داخل المجتمع الشمالي، لم يكن بهذا الوضوح من قبل، وهو التشكيك بتغلغل العملاء إلى مجتمعهم، وأن مندسين بينهم هم من وراء تلك المعلومات الاستخباراتية المتفوقة لحزب الله، تماماً كما يحاول الكيان زراعة هذا المفهوم داخل جمهور المقاومة.

احباط سياسة "الاحتواء"

بقيام قيادة الجبهة الداخلية تخفيض القيود على المستوطنين الذين يتعرضون كل يوم لوابل أكبر من الصواريخ عن اليوم الذي قبله وحزمة أخطر من "الأحدث الأمنية الصعبة"، بهدف لجم حالات الهلع والانهيار، وللإيحاء بنجاعة خطة العودة، حوصر المستوطنون في الفجوة بين الخطر البيّن وبين التعليمات، بتناقض واضح في حقيقة ما يحدث وصوابية الاستجابة للمخاطر، والتي كان يفترض أن يكونوا في مربع "الحماية المطلقة"، لكن المقاومة قامت بإحباط متسلسل لسياسية "الاحتواء".

تشتت وانفصال نفسي (الرجوع إلى تصريحات المستوى الشعبي)

- اليأس من القدرة على تحقيق الانتصار.

- تخدير نفسي أمام المخاطر.

- صدمات نفسية طويلة الأمد.

- ضياع كلّي.

- بات يعتبر المستوطنون أنفسهم: ضحية للخداع متعمد وخطير.

- اعتراف بالضعف.

- اليقين بالخذلان: بأن هذه الدولة تقامر بأرواحهم.

- لجأ قسم من المستوطنين بالاستهزاء، والانفصال عن الواقع.

- باتت فكرة: "لا مكان آمن" تدخل إلى ذهنية المستوطنين وتنعكس في قراراتهم.

في حال تفلّت القدرة على ضبط والسيطرة على الجبهة الداخلية، واحتوائها سيسحب من صناع القرار ورقة الصمود أمام العدو أولاً، وسيؤثر في حال تراكم الثغرات (المقدمة) على استراتيجية الخروج من الحرب.

صدام داخلي مع العرب

انقسم المستوطنون إلى قسمين: منهم من اتهم العرب بتورطهم مع حزب الله، وقسم حرض العرب على إعلان موقف واضح منتقد ومهاجم لما يفعله حزب الله، بكل الأحوال فإن الاتجاهين باركا وقوع ضحايا من العرب.

المشهد بعيداً عن الإعلام

على المستوى الرسمي والإعلامي كان القرار صارماً بعدم التعليق أو النشر أو التداول لكن هذا لا يعني عدم تأثر الجبهة الداخلية، رغم رفض رؤساء المجالس واتخاذهم قراراً بالتقيد الشبه كلّي بتعليمات الجبهة الداخلية بخفض القيود من مستوى "النشاط المنخفض" إلى "النشاط الجزئي" (باستئناف التعليم)،  قبل حوالي ساعة من إعلان المقاومة تحذيرها بإخلاء المستوطنات الـ 25، إلا أن المشهد تأزّم حتى في فروعه الضيقة، حد الإعلان الصريح من قبل المستوطنين برفض تمثيل رؤساء المجالس والبلديات لمواقفهم، ليس بشكل آني بل في أي انتخابات مقبلة.

المستوطنات التي تم اخطارها من قبل المقاومة:

كريات شمونة، يسود هامعلاه، أييليت هاشاحر، حتسور حجليليت، كرمئيل، معالوت ترشحيا، إيفين مناحيم، نهاريا، روش بينا، شامير، شاعل، ميرون، كابري، أبيريم، دلتون، نفي زيف، كتسرين، كفار حناينا، مانوت، بيت هاعيمك، كفار فراديم، حراشيم، بيريا، كدمات تسفي، وبار يوحاي.

على المستوى الرسمي

يكاد ينحصر على المستوى الرسمي المباشر الرد على "انذارات المقاومة بالإخلاء" برئيس المجلس الإقليمي "ميتا آشر" ورئيس منتدى خط الصراع، موشيه دافيدوفيتش: "لقد قمنا بأخذ الاعتبار ما حدث هنا بالأمس (رفض المستوطنين اتباع تعليمات تخفيف قيود الجبهة داخلية) والحقيقة أن حزب الله صدق وأطلق في الساعة الثامنة صباحاً مسيراته إلينا".

على المستوى الشعبي

قالت المستوطنة سارة آدم: حزب الله ينشر فيديو "إنذار إخلاء" للإسرائيليين في مستوطنات الشمال، بدلاً من انتظار الرهائن، ننتظر الصواريخ. فيما قالت ناتالي: إذا كان لديهم المزيد من العملاء هنا، فسوف يقومون أيضاً بتدوين عناوينكم وإرسالها مباشرة إلى منازلكم! مثلما فعلوا مع ببيبي، نحن شعب غبي!!





روزنامة المحور