شهد الحدود اللبنانية-السورية توتراً متصاعداً في ظلّ التحركات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في الجولان السوري المحتل، وما يرافقها من تصريحات رسمية إسرائيلية تُلمّح إلى نوايا توسيع نطاق العمليات العسكرية ضدّ حزب الله في سوريا ولبنان. ويُثير هذا الوضع مخاوف جدية، نظرا لما يُمثّله من تهديد للاستقرار الهشّ في المنطقة، واحتمال تدهور الأوضاع إلى صراع أوسع نطاقا.
وتُشكّل التحركات في الجولان تصعيدا خطيرا للأوضاع في المنطقة، وتُنذر باندلاع صراع أوسع نطاقا وتدهور الأوضاع إلى حرب شاملة. كما تُشير إلى سعي إسرائيل تهيئة الأرض لتنفيذ عمليات هجومية محتملة ضدّ حزب الله، وذلك بالتزامن مع فشل محاولاتها لهزيمة الحزب بعد التصعيد العسكري الأخير ضدّ الحزب في جنوب لبنان والذي استمر شهرين من الحرب الطاحنة.
يُعتبر هذا التحوّل في الاستراتيجية الإسرائيلية مُؤشّرا على تغيير في قواعد الاشتباك، ويعكس رغبة إسرائيلية في فرض واقع جديد على الأرض يُكرّس هيمنتها العسكرية، ويُحجّم نفوذ حزب الله في المنطقة.
وتركّز إسرائيل جهودها على منع حزب الله من ترسيخ وجوده العسكري في المناطق القريبة من الجولان المحتلّ، وعلى قطع خطوط الإمداد الواصلة بين سوريا ولبنان. تُشير التقارير إلى أنّ إسرائيل تُخطّط لشنّ ضربات استباقية ضدّ مواقع حزب الله في الجنوب السوري، وتعمل على تطويق الحزب من الشرق عبر الجولان، بهدف إضعافه عسكريا، ومنعه من أي استخدام للأراضي السورية كمنصّة لإطلاق الصواريخ نحو إسرائيل.أو تأسيس أصول وبنى عسكرية من أهالي المنطقة تتحول إلى تهديد مباشر ودائم لها في المستقبل .
كما تُشكّل طرق الإمداد القادمة من إيران عبر العراق وسوريا، شريان الحياة بالنسبة لحزب الله، وتُمثّل أحد أهمّ أهداف إسرائيل في سوريا. حيث تُشير التقارير إلى أنّ إسرائيل تُخطّط بدون توقف لقطع هذا الكوريدور عبر تكثيف الغارات الجوية على الشحنات العسكرية الإيرانية، واستهداف المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، بالإضافة إلى العمليات البرّية الخاصّة لتدميرأهداف تدعي أنها مخازن أسلحة تابعة لحزب الله في الجنوب السوري ودمشق وريفها وكامل محافظتي حلب وحمص وأرياف حماه .
ويُتوقّع أن تُواصل إسرائيل تحركاتها العسكرية في الجولان، وتُكثّف غاراتها الجوية، بهدف إضعاف حزب الله، ومنعه من ترسيخ وجوده العسكري على الحدود. كما يُتوقّع أن تُواصل إسرائيل ضغطها على المجتمع الدولي لفرض عقوبات أكثر شدّة على حزب الله وإيران، والدّفع نحو نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية-السورية.
إضافة إلى ذلك وفي مجال مرتبط تُثير أبراج المراقبة التي أقامتها ( بريطانيا والمانيا وايطاليا) لمصلحة الجيش اللبناني على الحدود مع سوريا، جدلا واسعا حول أهدافها الحقيقية، وعلاقتها بالمطالب الإسرائيلية بمراقبة الحدود من قبل قوات دولية حليفة. رغم إصرار إسرائيل على أنّ هذه الأبراج لا تكفي لضبط الحدود، ومطالباتها المتكررة بنشر قوات دولية مستقلة بموجب الفصل السابع وأن تُسيطر بشكل كامل على المنطقة الحدودية، وتمنع نقل الأسلحة إلى حزب الله. في المقابل، يُؤكّد لبنان أنّ هذه الأبراج تخضع لسيطرة الجيش اللبناني حصرا، وتهدف إلى مراقبة الحدود، ومنع التسلل والتّهريب.
فمنذ اندلاع الحرب في سوريا والاندفاعة الكبيرة للمسلحين الخارجين على الدولة السورية لاحتلال المدن والمحافظات بهدف قلب نظام الحكم في دمشق باتت الحدود اللبنانية السورية تُشكّل مسرحا لتوترات متصاعدة، تُغذّيها التحركات العسكرية الإسرائيلية في الجولان المحتل، والتصريحات الرسمية التي تُلمح إلى نوايا توسيع العمليات ضدّ حزب الله. وقد أثار هذا الوضع مخاوف جدية من احتمال تدهور الأوضاع إلى صراع أوسع، خاصة مع تعقّد المشهد السوري، وتعدّد الفاعلين فيه.
القضايا والمشاكل الرئيسية المرتبطة بموضوع الحدود اللبنانية – السورية:
أولا: سياسة إسرائيل العسكرية والأمنية ونواياها تجاه الحدود:
تُشير التحركات الإسرائيلية الأخيرة في الجولان، بما في ذلك إزالة الألغام، وإنشاء حواجز جديدة، ونشر وحدة تدخل سريع (وحدة بارا)، إلى رغبة إسرائيل في فرض واقع جديد على الأرض. فهذه الخطوات، إلى جانب التصريحات الرسمية، ليست مجرد إجراءات دفاعية، بل تُمهّد الطريق لعمليات هجومية محتملة. تكشف تصريحات المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، مثل العميد يائير بلاي، عن استراتيجية "الضربة الاستباقية" و"الردّ السريع"، مُؤكّدين على جاهزية الجيش الإسرائيلي للتعامل مع أيّ تهديد قريب أو بعيد المدى.
دلائل وشواهد:
إنشاء وحدة "بارا": هذه الوحدة، المُكوّنة من مقاتلين من وحدات النخبة، تُشير بوضوح إلى الاستعداد لعمليات برية خاصة في سوريا، على غرار العملية التي استهدفت مصنع الصواريخ في مصياف عام 2024.
إزالة الألغام في الجولان: تُسهّل هذه الخطوة حركة الآليات العسكرية الإسرائيلية داخل المنطقة المنزوعة السلاح، وتُمهّد الطريق لتوغّلات برّية محتملة.
التصريحات الرسمية: تصريحات نتنياهو وغالانت حول "حماية المصالح الحيوية" و"تغيير الواقع الاستراتيجي" تُؤكّد على النية الإسرائيلية في فرض معادلة جديدة في المنطقة.
ثانيا: مخططات إسرائيل تجاه وجود حزب الله في جنوب سوريا وعلى سلسلة لبنان الشرقية:
تركز إسرائيل على منع حزب الله من تحويل جنوب سوريا إلى منطقة عمليات أمامية ضدّها. وهذا يشمل استهداف مواقع الحزب العسكرية، ومنع نقل الأسلحة من إيران إليه، والتضييق على حركته في المنطقة. وهنا يُلاحظ تركيز إسرائيل على استهداف ما تسمّيه "القيادة الجنوبية" لحزب الله في سوريا، والتي يحملها العدومسؤولة عن تنسيق أنشطة الحزب في الجنوب السوري، والتعاون مع الميليشيات المحلية.
دلائل وشواهد:
تكثيف الغارات الجوية على الجنوب السوري: تستهدف هذه الغارات مواقع "حزب الله" ومستودعات الأسلحة الإيرانية المزعومة، وتُشير إلى سعي إسرائيل لمنع تطوّر قدرات الحزب في المنطقة.
الاستهداف المتكرّر لمعبر المصنع: يزعم العدو أن هذا المعبر هو شريان حيوي لنقل الأسلحة والإمدادات إلى "حزب الله"، ويُشكّل هدفا استراتيجيا لإسرائيل.
العمليات الاستخباراتية: تُشير تقارير إلى أن إسرائيل تُنفّذ عمليات استخباراتية واسعة في سوريا بهدف رصد تحركات "حزب الله"، وتحديد مواقع قياداته وعناصره.
ثالثا: القرار الثابت باستهداف "كوريدور" المساعدات الإيرانية:
تُواصل إسرائيل حملتها لقطع "الكوريدور" الذي يوصل المساعدات الإيرانية إلى "حزب الله" عبر العراق وسوريا. تُعتبر هذه الاستراتيجية جوهرية لإضعاف "حزب الله"، ومنعه من تطوير ترسانته العسكرية. وتُشير التقارير إلى استخدام إسرائيل لمختلف الوسائل لتحقيق هذا الهدف، بما فيها الغارات الجوية، والعمليات البرية الخاصّة، والضغط الدبلوماسي.
دلائل وشواهد:
التنسيق مع الولايات المتحدة: تُشير التقارير إلى وجود تنسيق وثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة في هذا الشأن، حيث تُقدّم واشنطن معلومات استخباراتية لدعم العمليات الإسرائيلية.
الضغط على العراق: تُمارس إسرائيل عبر الولايات المتحدة الامريكية ضغوطا على العراق لمنع استخدام أراضيه كنقطة عبور للأسلحة الإيرانية.
استهداف الشحنات الجوية والبرية: تُراقب إسرائيل بشكل مكثّف حركة الشحنات الجوية والبرية القادمة من إيران، وتستهدفها ساعة تشاء.
رابعا: أبراج المراقبة الحدودية اللبنانية والجدل حولها:
تُثير أبراج المراقبة اللبنانية على الحدود مع سوريا جدلا مستمرا، حيث تُشكّك إسرائيل بفاعليتها في ضبط الحدود، وتُطالب بنشر قوات دولية. يُعتبر هذا المطلب جزءا من استراتيجية إسرائيل للتضييق على "حزب الله"، وفرض رقابة دولية على المنطقة الحدودية. في المقابل، يُصرّ لبنان على سيطرته على هذه الأبراج، ويُؤكّد على دورها في مكافحة التّهريب والتسلّل.
دلائل وشواهد:
المطالبات الإسرائيلية المتكرّرة: تُكرّر إسرائيل مطالبتها بنشر قوات دولية على الحدود، وتُشكّك بقدرة الجيش اللبناني على ضبط الحدود بمفرده.
الاحتجاج السوري على الأبراج: يُشير الاحتجاج السوري إلى قلق دمشق من استخدام هذه الأبراج لأغراض استخباراتية من قبل إسرائيل أو حلفائها.
الدعم الغربي للجيش اللبناني: يُقدّم الغرب دعما ماليا وعسكريا للجيش اللبناني، ويُشجّعه على تعزيز وجوده على الحدود، مما يُثير شكوكا حول أهداف هذا الدعم دون أن تصل هذه الشكوك إلى حد التشكيك بالجيش .