الجمعة 06 كانون الاول , 2024 03:49

التداعيات السلبية: حرب لبنان والجبهة الداخلية الإسرائيلية

كان للعدوان الصهيوني على لبنان أثره العميق على مختلف الأصعدة داخل الكيان المؤقت، سواء السياسية، العسكرية، الاقتصادية، الاجتماعية، كما والدبلوماسية. فقد تعرّض جيش الاحتلال لاستنزاف على مختلف المستويات وتكبّد خسائر باهظة بشرية ولوجستية، كما ظهرت تحدّيات عدّة على مستوى القيادة وإدارة العلاقة بين الكتل ومؤسسات الكيان. أمّا على الصعيد الاقتصادي فقد تضاعفت الأزمة، خاصة مع تعطّل العديد من الأنشطة والقطاعات وزيادة الأعباء وتراجع التصنيف الائتماني للكيان، هذا بالإضافة إلى تراجع الشرعية الدولية وارتفاع حدّة التوترات الداخلية، مع زيادة مستويات الخوف والقلق وفقدان الأمن، وغيرها من الأثار التي انعكست سلباً على الكيان كنتيجة لهذه الحرب.

في هذه المادة، عرض لتأثيرات الحرب مع لبنان على الكيان المؤقت، في ثلاثة عناوين، السياسية والاجتماعية والدبلوماسية.

التأثيرات السياسية

تعرّضت حكومة نتنياهو لانتقادات بشأن إدارتها للحرب، حيث طرح الصراع تحديات في القيادة السياسية، خاصة فيما يتعلق بإدارة الأزمة على الجبهة الداخلية.

في البداية كان هناك توافق بين الأقطاب والكتل السياسية داخل الكيان حول الحاجة وضرورة الحرب على لبنان، لا سيما بين الائتلاف والمعارضة ولكن مع طول أمد المعركة وتكبّد العدو الخسائر سواء في المستوطنات أو في العمليات البرية دون الوصول إلى الأهداف المعلنة سوى بعض الإنجازات التكتيكية، عادت الخلافات إلى الساحة السياسية والانقسامات.

فبعد فشل العمليات البرية في لبنان سارعت المعارضة لاستغلال الأحداث والتطورات للتصويب من جديد على فشل نتنياهو وحكومته خاصة في الأسبوعين الأخيرين، الأمر الذي أعاد ظهور الخلافات الداخلية من جديد إلى العلن، وتسليط الضوء على الدوافع الشخصية والمصلحية لنتنياهو وفشله في إدارة المعارك والأزمات. وقد شكّلت التسريبات، الميزانية، قضية التجنيد، فشل الحسم مع لبنان أو تحقيق الأهداف كما والعجز عن استعادة الأسرى ومستوطني الشمال قضايا عمدت المعارضة لتوظيفها في الآونة الأخيرة ضد نتنياهو لإحراجه. وانقسمت المواقف السياسية حول اتفاق وقف إطلاق النار، فالبعض اعتبره حاجة ضرورية وآخرون وصفوا الاتفاق بأنه استسلام وخيبة.

دفعت حاجة جيش الاحتلال لمزيد من الجنود، وهي حاجة عملياتية تتطلب تعبئة واسعة من كافة شرائح المجتمع، للتلويح من جديد بقانون التجنيد الذي تحوّل مرّة أخرى لقضية ضاغطة على حكومة نتنياهو والتي فضحت بدورها حجم الشرخ داخل الكيان وبين الكتل. وأظهرت الحرب حجم الانقسام الحاد بين المؤسستين السياسية والعسكرية والأمنية، وغياب الثقة بينهم، مع عودة تبادل الاتهامات وتحميل المسؤولية عن الفشل بين قادة هذه المؤسسات.

التأثيرات الدبلوماسية

خلال الحرب على لبنان أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرار اعتقال بحق نتنياهو وغالانت وسعي الكيان لطلب استئناف ضد القرار في المحكمة. وتعرّض الكيان لضغوط دولية من المجتمع الدولي ما انعكس سلباً على صورة الكيان في الساحة الدولية وتصاعد العزلة والكراهية الدولية للكيان، بالإضافة إلى تراجع شرعية الكيان دولياً نتيجة جرائمه ومجازره.

نتيجة الجرائم والمجازر التي ارتكبتها حكومة الكيان وجيشه بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني بات الإسرائيليون في الخارج يتعرضون للضغوط وللعقاب كرد فعل طبيعي على هذه السياسات المتغطرسة، فلم يعد فقدان الأمن والأمان محصوراً في الداخل إنما خارج حدود الكيان أيضاً.

في هذا الصدد، يقول أبراهام فرانك، الأكاديمي الإسرائيلي والناشط التربوي: أن "الحديث عن إسرائيل في الخطاب العالمي لابد أن يقترن بمصطلحات مشينة وقاسية، ومنها: العداء، العداوة، السم، عدم التعاطف، التدنيس، الشراسة، الاستياء، المرارة، المصيبة، القسوة، الضيق، الغيرة، الانزعاج، الشجار، الاشمئزاز، والكراهية. وكل مصطلح منها يعود الى حقبة بنيامين نتنياهو سيئة الصيت".

التأثيرات الاجتماعية

برزت التأثيرات الاجتماعية في الجبهة الداخلية الإسرائيلية بإخلاء مستوطنات الشمال ودمارها، الذي أثار أزمة ثقة حادة بين المستوطنين والجيش النظامي ومؤسسات الكيان، إذ أن عودة سكان الشمال إلى منازلهم ليست مرتبطة فقط بوقف الحرب، بل أيضاً وقبل كل شيء باستعادة الثقة. في هذا الإطار، تم إخلاء 43 مستوطنة صهيونية على خط النزاع الشمالي منذ بداية الحرب. وتم إجلاء نحو 68500 شخص من منازلهم في الشمال وطفت خيبة الأمل على السكان، وأعلنوا عدم رغبتهم بالعودة إلى منازلهم حتى مع إعلان الاتفاق، واختار كثيرون منهم الهروب من الحرب وسافروا إلى الدول الغربية.

وفي سياق متصل، ازدادت الحاجة وطلبات تلقي العلاجات النفسية، مع ارتفاع معدلات الانتحار. فحذّر رئيس "المجلس الوطني" لمنع الانتحار من "تسونامي صحة نفسية" وخشية من زيادة في عدد حالات الانتحار مع انتهاء الحرب (شهد العام الماضي زيادة بنسبة 40% في التوجه إلى مراكز الأزمات والصحة النفسية).

وما زاد الطين بلّة ارتفاع حدّة الانقسام داخل المجتمع الصهيوني نتيجة تعزّز شعور عدم المساواة والتهميش لدى سكان الشمال. وتفشي سلوكيات التنافس والعداء والفتنة والسخط والعداوة بين الإسرائيليين أنفسهم. وبات يسيطر عليهم الشعور بأنهم يخسرون الصراع مع حزب الله.

ألقت الحرب بثقلها على الداخل الإسرائيلي، وظهرت تجليات مآسي الحرب بشكل مباشر على السكان والسلطة السياسية وستستكمل تبعاتها في الأشهر والسنوات القادمة، لكن سيتم تقييم حرب "سهام الشمال" على غرار حرب 2006، على مختلف الأصعدة لتبيين النجاحات والإخفاقات إن كان على المستوى الاجتماعي، يتعلّق بالبنية الاجتماعية الإسرائيلية وقدرتها على احتمال مخاطر الحرب، أو على المستوى السياسي والعلاقات بين مختلف المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية، وكيفية إدارتها للحرب، وتضارب الصلاحيات والعراقيل والتوترات بين القيادات المختلفة.

ختاماً، نشير إلى ضرورة متابعة هذه النجاحات التي حققتها المقاومة على الداخل الإسرائيلي، والبناء عليها لمستقبل الصراع مع الكيان، واعتماد استراتيجيات أكثر كفاءة، والتعلّم من التكتيكات الخاسرة، والتركيز على أبرز النقاط التي نجحت المقاومة بشكل كبير على خلقها في وعي المستوطن الإسرائيلي، ورفع قدرة الولوج إلى الجمهور الإسرائيلي وخرقه، بالإضافة إلى استغلال الرأي العام العالمي المناهض للإجرام الصهيوني، ومواكبة الإستراتيجيات الإسرائيلية الجديدة التي سيعتمدها لتخفيف تأثيرات الحروب على الداخل.  


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور