يتواصل العدوان الإرهابي على مدينة حلب وريفها، في ظل دور تركي مباشر تخطيطي وتنفيذي يقود الميليشيات الإرهابية، بالتزامن مع تقديم دعم استخباراتي إسرائيلي (وميداني) وأمريكي وغربي واسع، ضد ساحة مركزية من ساحات المقاومة.
وقد استطاعت هذه الميليشيات الإرهابية حتى هذا اليوم، السيطرة على ما نسبته 60% من مدينة حلب، بعدما استغلت وجود المدنيين، واستخدمتهم في بعض الأماكن كدروع بشرية. في حين تعمد الجيش السوري إجراء إعادة انتشار لقواته في المدينة، كي يجنّب المدنيين قدر الإمكان، الوقوع في وسط الاشتباكات المسلحة.
وهذا ما كشفه بيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية، والذي جاء فيه:
"خلال الأيام الماضية، شنت التنظيمات الإرهابية المسلحة المنضوية تحت ما يسمى " جبهة النصرة،" الإرهابية مدعومةً بآلاف الإرهابيين الأجانب وبالأسلحة الثقيلة وأعداد كبيرة من الطائرات المسيرة هجوماً واسعاً من محاور متعددة على جبهتي حلب وإدلب، وخاضت قواتنا المسلحة ضدها معارك شرسة في مختلف نقاط الاشتباك الممتدة على شريط يتجاوز 100 كم لوقف تقدمها، وارتقى خلال المعارك العشرات من رجال قواتنا المسلحة شهداء وأصيب آخرون.
إن الأعداد الكبيرة للإرهابيين وتعدد جبهات الاشتباك دفعت بقواتنا المسلحة إلى تنفيذ عملية إعادة انتشار هدفها تدعيم خطوط الدفاع بغية امتصاص الهجوم، والمحافظة على أرواح المدنيين والجنود، والتحضير لهجوم مضاد.
ومع استمرار تدفق الإرهابيين عبر الحدود الشمالية وتكثيف الدعم العسكري والتقني لهم، تمكنت التنظيمات الإرهابية خلال الساعات الماضية من دخول أجزاء واسعة من أحياء مدينة حلب دون أن تتمكن من تثبيت نقاط تمركز لها بفعل استمرار توجيه قواتنا المسلحة لضربات مركزة وقوية، وذلك ريثما يتم استكمال وصول التعزيزات العسكرية وتوزيعها على محاور القتال استعداداً للقيام بهجوم مضاد.
إن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة تؤكد أن هذا الإجراء الذي اتخذته هو إجراء مؤقت وستعمل بكل الوسائل الممكنة على ضمان أمن وسلامة أهلنا في مدينة حلب، وستواصل عملياتها والقيام بواجبها الوطني في التصدي للتنظيمات الإرهابية لطردها واستعادة سيطرة الدولة ومؤسساتها على كامل المدينة وريفها".
العدوان جزء من برنامج عمل ضخم للمنطقة
وكما ذكرنا سابقاً فإن هذه العملية هي من ضمن برنامج عمل أمريكي إسرائيلي، ضد مكونات محور المقاومة، وهو مستمر بالتتالي والتسارع ضمن استراتيجية منع التقاط الانفاس.
وقد أعلن بنيامين نتنياهو عن هذا البرنامج بعد نقل الجهد من الجبهة الجنوبية الى الجبهة الشمالية وسمى المعركة بـ"يوم القيامة"، ووضع هدفا لها مرتبطا بإعادة بناء "منطقة الشرق الأوسط"، بما يخدم مصالحه ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أنه أطلق اسم عملية "النظام الجديد" على عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ضمن استراتيجية متصلة هدفها محاصرة الجمهورية الإسلامية في إيران، بعد اكمال عملية ضرب مقدرات المحور. وبهذا تكون سوريا هي الهدف الثالث بعد غزة ولبنان.
فمنذ أيام هدد بنيامين نتنياهو الرئيس الأسد علناً، وربط بقاءه بوقف امداد المقاومة بالسلاح عن طريق قطع طريق الامداد لها. كما أن الكيان المؤقت، لا يريد ان يمنح اي فرصة لحزب الله لالتقاط انفاسه واعادة ترميم قدراته العسكرية عبر الخط السوري. لذلك فُتحت هذه العملية بهذه الخلفية، وعلى الجميع أن يعتبرها معركة اميركية اسرائيلية متعددة الجنسيات على محور المقاومة واستكمالا للحرب على لبنان.
وهذا ما أشار اليه القائد العام لحرس الثورة الإسلامية اللواء حسين سلامي، حينما قال بأن الخاسرون في غزة ولبنان يقودون اليوم الهجمات في سوريا. مضيفاً بأنه "عقب الهزيمة الاستراتيجية التي تلقاها الكيان الصهيوني في غزة ولبنان أطلقت الجماعات الإرهابية هجمات جديدة ضد الشعب السوري".
أمّا كيف ستكون ردّة الفعل على هذا البرنامج من قبل روسيا ومحور المقاومة، فقد كشفه سفير الجمهورية الإسلامية لدى لبنان مجتلى أمانين حيث أعلن بأن "سوريا، روسيا وايران وباقي اطراف محور المقاومة لن تسمح بتكرار أحداث السنوات الماضية في سوريا".
فماذا عن دور تركيا في هذا العدوان ولماذا؟
أما تركيا فهي التي تقود التخطيط والتنفيذ لهذا العدوان فعلياً، ولذلك صرّح الكرملين بأن تركيا انتهكت اتفاقيات أستانا وسوتشي، وأن للدولة السورية الحق الكامل باستعادة الأمن في حلب بواسطة كافة أنواع الأسلحة والأساليب وبصورة عاجلة.
وفي سياق متصل، وصفت صحيفة إزفيستيا الروسية الهجوم الارهابي الكبير على حلب، بأنه تنسيق بين الاستخبارات التركية والأوكرانية والفرنسية، بدعم إسرائيلي وموافقة أمريكية. كما كشفت إزفيستيا، بأن التخطيط للعدوان كان منذ شهرين، وأنه كان من المفترض أن يكون في شهر آذار / مارس القادم ولكن العدوان الأمريكي الإسرائيلي على لبنان ساهم في تقريبه.
وعلى صعيد آخر، كشف وزير الخارجية التركي حقان فيدان، عن أحد أهداف العدوان الأخرى، وهو مواجهة ميليشيا قسد في منطقة شرقي الفرات. حيث زعم فيدان بأن بلاده ليست منخرطة في الصراعات الدائرة في حلب لكنها تتخذ احتياطاتها. معتبراً بأن شريان حياة الجماعات الإرهابية في المنطقة في أيدي الولايات المتحدة، وأن هذه الجماعات غير قادرة على الاستمرار 3 أيام من دون دعم واشنطن، وأن بلاده لن تسمح أبداً "للبنية الإرهابية" في سوريا بأن تتحول إلى دولة. وهذا بطبيعة الحال ليس وصفاً لجبهة تحرير الشام التابعة له، أو لما يٌعرف بالجيش الوطني أم لغيرها من الميليشيات في إدلب وريف حلب التي لا يمكنها العمل دون دعم من تركيا، بل هو يقصد ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
وعلى الأرجح، فإن هذا العدوان هو محاولة تركيا لقطع الطريق على أي جهود تقارب بين الدولة السورية والاكراد. فيكون هدف احتلال حلب هو تحصيل نفوذ لجماعة تركيا لقطع الطريق على الاكراد. كما يريد الأتراك أيضاً حسم الامر الذي سوف يليه تقويض وانهاء النفوذ الكردي قبل تسلًم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لمهامه.
فماذا عن آخر التطورات الميدانية؟
أما على الصعيد الميداني، فقد كشف مصدر عسكري لوكالة رويترز، بأن الدولة السورية أغلقت مطار حلب وألغت جميع الرحلات الجوية. وبالتزامن، أغلق الجيش السوري جميع الطرق والطرق السريعة المؤدية إلى مدينة حلب.
ومن ناحية أخرى، أخلى أهالي نبل والزهراء في شمالي سوريا البلدتين، ومن ثم دخلت مليشيا "قسد" إليهما.
وبطبيعة الحال، لم تكتف إسرائيل بالدعم الاستخباراتي الذي تقدمه للإرهابيين، بل عمدت الى الهجوم على الجيش السوري بطريقة غير مباشرة بأسلوب مشابه لهجمات البايجر واللاسلكي التي حصلت سابقاً ضد المقاومة الإسلامية في لبنان. وكالنت الحصيلة الأولية ما يقارب 1000 جريح جراء تفجير اجهزة اللاسلكي بيد جنود وضباط الجيش السوري. ومن ثم شنت إسرائيل عدواناً جوياً على شمالي سوريا، سمعت أصداؤه في منطقة الهرمل اللبنانية.
عوامل التقدم السريع للإرهابيين في حلب
وهناك العديد من العوامل التي مكّنت الإرهابيين من التقدم السريع في حلب، أبرزها:
1)الإنهاك الاجتماعي والاقتصادي:
فالعقوبات الشديدة والحرب المستمرة لمدة 13 عامًا، أدّت إلى إنهاك المجتمع السوري. وأدّت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الى إضعاف الروح المعنوية والقدرة الدفاعية.
2)الحرب النفسية للإرهابيين:
استغلّت الجماعات الارهابية محورين رئيسيين: الترهيب والعفو. فمن جهة، شنّت حربًا نفسية لبثّ الرعب في نفوس المدافعين والسكان، ومن جهة أخرى، قدّمت وعودًا بالعفو والأمان للذين يختارون الاستسلام، مما ساهم في تقليل المقاومة.
3)أسلوب العمليات المباغتة:
حيث استخدمت القوات المهاجمة أسلوب العمليات الانتحارية الانغماسية. وهذا الأسلوب، بالإضافة إلى الهجمات المتواصلة دون توقف، أربك المدافعين ودمّر الخطوط الدفاعية. وهنا لا بد الإشارة بان التقديرات تشر الى مشاركة أكثر من 20 ألف إرهابي في هذا العدوان.
لكن بالرغم من كل ذلك، استطاعت سوريا بدعم من حلفائها، إيقاع خسائر كبيرة في صفوف الإرهابيين، حيث قدّر مركز التنسيق الروسي حصيلة اليومين الماضيين، بأنها كانت مقتل أكثر من 600 إرهابي.
الكاتب: غرفة التحرير