لا تزال العمليات العسكرية مستمرة في الأراضي السورية والتي شنتها قوى المعارضة المسلحة، بقيادة هيئة تحرير الشام، على مناطق كانت خاضعة لسيطرة الحكومة السورية في محافظات حلب وإدلب وحماة. لكن ما هي دلالات الهجوم المفاجئ ومن هم اللاعبون المشاركون فيه، وما هي عواقبه على إسرائيل؟
يجيب عن هذه التساؤلات مقال لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي، ترجمه موقع الخنادق، ويعتبر بأن الأحداث الجارية تحمل لإسرائيل جوانب إيجابية وأخرى سلبية "على الجانب الإيجابي، فإن الأضرار الكبيرة التي لحقت بنظام الأسد، وربما حتى الإطاحة به، ستكون بمثابة ضربة قاسية لإيران ووكلائها، وكذلك لروسيا". أما عن اللاعب التركي فيرجّح المقال بأن تركيا أعطت الضوء الأخضر للهجوم، وتحاول استخدامه للضغط على سوريا، بدافع "مصلحتان رئيسيتان الأولى، إلحاق الضرر بالفرع السوري من الحركة السرية الكردية والحد من السيطرة الكردية المستقلة في شمال شرق سوريا؛ والثاني، عودة جزء كبير من 3.5 مليون لاجئ وصلوا إلى تركيا بعد الحرب الأهلية في سوريا".
النص المترجم للمقال
ما هي دلالات الهجوم المفاجئ الذي شنه الثوار السوريون على نظام الأسد، ومن هم اللاعبون المشاركون فيه، وما هي عواقبه على إسرائيل؟
هز الهجوم المفاجئ الذي شنّه المتمردون في حكومة بشار الأسد الساحة السورية الهشة. وخلال أيام قليلة تمكّنت التنظيمات المتمردة من السيطرة على ثاني أكبر مدينة في البلاد، وسط قتال مكثف ضد النظام ومؤيديه، حتى الآن، دون مقاومة فعّالة من جانبهم، كما حدث خلال الحرب الأهلية. ويبدو أن تركيا، التي تدعم المتمردين، أعطت الضوء الأخضر للهجوم، وتحاول استخدامه للضغط على سوريا للمضي قدماً في شروطها لتنظيم العلاقات بين الدول. ومع ذلك، فإن التقدم السريع للمتمردين يضعهم في صراع المصالح مع روسيا وإيران، العازمتين مرة أخرى على إنقاذ نظام الأسد، وكذلك مع الولايات المتحدة، التي لديها قوات في سوريا والعراق، فضلاً عن تهديداتها المباشرة للأسد. ويتناول هذا المقال أهمية الأحداث، والمصالح التي توجه الجهات الفاعلة المعنية، فضلاً عن عواقبها المحتملة على إسرائيل.
لأول مرة منذ سنوات، تمكن المتمردون من الاستيلاء على مناطق واسعة من جيش الأسد. وسيطروا في المرحلة الأولى على بلدة خان العسل في تقاطع M5 الاستراتيجي، ولاحقا على مدينة حلب -ثاني أكبر وأهم مدينة في سوريا- التي استعاد الأسد السيطرة عليها في كانون الأول/ديسمبر 2016، وبالتالي عززت انتصاره في الحرب الأهلية. ومنذ ذلك الحين بدأت التنظيمات الجهادية بالتقدم جنوباً وسيطرت على مناطق في مدينة حماة. لكن يبدو في الوقت الحالي أن قوات الجيش السوري قد نجحت في منع سيطرتها الكاملة على المدينة.
ورغم أن إسرائيل ليست متورطة بشكل مباشر فيما يحدث، إلا أن توقيت الهجوم ليس من قبيل الصدفة، بل تأثر إلى حد كبير بالأحداث التي جرت في إطار الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023. ويبدو أن هيئة التحرير ونشطاء الشام خططت للهجوم في الأشهر الأخيرة، وأعادوا انتشار قواتهم داخل حدود منطقة إدلب واستعدوا له عسكرياً. ومع ذلك، لعب عنصر المفاجأة دوراً رئيسياً هنا. تم شن الهجوم بينما كان "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في نقطة ضعف حرجة. وتعرض حزب الله وبقية الميليشيات الشيعية لأضرار جسيمة بسبب القتال الطويل مع إسرائيل، وخاصة بعد عملية "سهام الشمال" التي قادتها إسرائيل على الساحة اللبنانية ضد حزب الله منذ سبتمبر 2024. تراجعت أعداد عناصر المقاومة في حلب ومناطق أخرى في سوريا مع نقل بعض الناشطين إلى لبنان، ونتيجة لموجة الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل على الساحة. واعترف المتمردون الذين تابعوا موقف «المحور» بوجود فرصة للهجوم.
إيران- بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت بمبعوثيها، والتي تم تسجيلها في العام الماضي، وفي أعقاب الهجمات التي نفذتها إسرائيل على أراضيها، تنغمس إيران في جهود معالجة الأضرار التي لحقت بحزب الله في لبنان وتواجه صعوبة في توجيه المقاتلين والقوات المسلحة.
وفي الأيام المقبلة، سيُطلب من إيران صياغة تحركات تضمن استقرار حكم الأسد. وقد تعود طهران، التي لعبت دوراً مركزياً في إنقاذ نظام الأسد في العقد الماضي، وتزيد من تدخلها العسكري في سوريا أيضاً. إن رفض الأسد الانضمام إلى الحملة ضد إسرائيل منذ بداية الحرب في قطاع غزة قد خلق بالفعل بعض التوتر بين "المحور" الموالي لإيران وأثار انتقادات من بعض شركائه، بما في ذلك إيران نفسها. ومع ذلك، لا تزال طهران تعتبر سوريا عنصراً أساسياً ومركزياً في جهودها للحفاظ على نفوذها الإقليمي، وخاصة السماح لها باستعادة قدرات حزب الله العسكرية التي تضررت بشدة في الحرب مع إسرائيل. لكن مع الأزمة المتصاعدة في سوريا تجد إيران نفسها أمام تحديات وضغوط متزايدة في ظل الضعف الكبير الذي يعاني منه حزب الله؛ صعوبات في إعادة تشكيل التحالف العسكري في سوريا بمشاركة الحرس الثوري وروسيا وحزب الله والميليشيات الشيعية من العراق وأفغانستان وباكستان؛ وتتصاعد الضغوط على إيران على الساحة الدولية، خاصة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة؛ فضلاً عن تفاقم المواجهة المباشرة مع إسرائيل، مما جعل إيران أكثر عرضة لتحركات عسكرية إضافية من جانب إسرائيل.
روسيا - إن المصلحة الروسية الرئيسية، وهي الحفاظ على نظام الأسد، تظل كما هي وستواصل روسيا دعمها. أفادت تقارير أنه من المتوقع أن تقدم روسيا مساعدات عسكرية عاجلة للجيش السوري، تشمل قاذفات ثقيلة وقنابل، ومن المحتمل أن يزداد الوجود العسكري الروسي في سوريا. لكن التحديات التي تواجه روسيا على الجبهة الأوكرانية ستجعل من الصعب دعم النظام السوري على نطاق واسع، كما حدث خلال الحرب الأهلية. علاوة على ذلك، فإن هزيمة الأسد في حلب تقوض صورة روسيا على الساحة الإقليمية وصورتها كقوة قادرة على ضمان استقرار حلفائها.
ويبدو أن تركيا أعطت الضوء الأخضر للمتمردين في الحملة الحالية في سوريا. طوال الحرب الأهلية السورية تقريباً، تلقى المتمردون السوريون دعماً عسكرياً واقتصادياً ولوجستياً من تركيا. لدى تركيا مصلحتان رئيسيتان فيما يتعلق بسوريا - الأولى، إلحاق الضرر بالفرع السوري من الحركة السرية الكردية والحد من السيطرة الكردية المستقلة في شمال شرق سوريا؛ والثاني، عودة جزء كبير من 3.5 مليون لاجئ وصلوا إلى تركيا بعد الحرب الأهلية في سوريا. ولتحقيق هذه الغاية، من بين أمور أخرى، ترغب تركيا في إنشاء منطقة أمنية في شمال سوريا من شأنها أن تستجيب لمخاوف أنقرة الأمنية وتسمح أيضاً بعودة اللاجئين إلى المنطقة، التي ستكون تحت السيطرة الأمنية التركية.
وينبغي النظر إلى الدعم التركي للمتمردين السوريين، بما في ذلك العناصر الجهادية، في سياق محاولة الضغط على الأسد لقبول عودة اللاجئين ومحاولة للحد من السيطرة الكردية على الحكم الذاتي، بما في ذلك الضغط على إدارة ترامب القادمة لسحب القوات الأمريكية. في الوقت نفسه، تتجلى خيبة الأمل التركية أيضاً من فشل المحاولة المتجددة منذ حزيران/يونيو الماضي للتطبيع مع الأسد. ومن المحتمل أن يسعى أردوغان خلال الفترة الحالية إلى الضغط على الأسد للقبول بشروط التسوية التي تضعها أنقرة، إلى جانب كبح الهجمات الروسية السورية التي حدثت مؤخراً على تجمعات المتمردين والتي قد تولد موجة أخرى من اللاجئين.
علاوة على ذلك، هناك أيضاً اعتبارات داخلية تفسر السياسة التركية - عدم الرضا عن تعامل الحكومة مع مشكلة اللاجئين، مما أدى إلى انخفاض الدعم لحزب أردوغان، حزب العدالة والتنمية، وبالتالي الحاجة إلى التصحيح في هذا السياق. وأيضاً، منذ أكتوبر/تشرين الأول، كانت هناك محاولة لاستئناف عملية السلام مع الأكراد داخل تركيا، مع الرغبة في حشد دعمهم لإجراء تغييرات على الدستور التركي والسماح لأردوغان بالترشح لولاية أخرى في عام 2028.
ويتلخص الاتجاه الفكري في أنقرة في أن إضعاف الأكراد في سوريا سيشجع على المزيد من المرونة من جانب الحركة السرية الكردية في عملية السلام مع أنقرة. ومع ذلك، فهذه مقامرة كبيرة من جانب أردوغان: زعزعة استقرار سوريا، بدلاً من المساهمة في حل مشكلة اللاجئين، قد يؤدي في الواقع إلى تدفق جديد للاجئين. كما أن تزايد قوة الجهاديين في سوريا قد يساهم في الحفاظ على الوجود الأميركي في تركيا، وليس في تسريع رحيلهم. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يشكل الجهاديون في سوريا أيضاً مشكلة أمنية لتركيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن التهديدات التي يتعرض لها الفرع السوري من الحركة السرية الكردية يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تصلب مواقف الأكراد فيما يتعلق بعملية السلام داخل تركيا، من التصور بأن أنقرة ليست صادقة في رغبتها في المصالحة. وأخيراً، فإن السياسة التركية المتمثلة في دعم الهجوم المفاجئ للمتمردين تتعارض بشكل مباشر مع المصالح الروسية والإيرانية، وبالتالي قد تسبب فتوراً كبيراً في العلاقات مع هذه الدول وبالتالي تعرض المصالح التركية للخطر، على سبيل المثال في منطقة القوقاز.
المخاطر والعواقب
بالنسبة لإسرائيل، فإن الأحداث الجارية في سوريا تحمل جوانب إيجابية وأخرى سلبية؛ على الجانب الإيجابي، فإن الأضرار الكبيرة التي لحقت بنظام الأسد، وربما حتى الإطاحة به، ستكون بمثابة ضربة قاسية لإيران ووكلائها، وكذلك لروسيا. وسوف تضطر إيران إلى سحب قواتها من سوريا؛ سيتم قطع الطريق المباشر لاستعادة حزب الله من خلال توريد الأسلحة من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان؛ وسيشكل النظام المناهض لإيران في سوريا أيضاً تهديداً مباشراً للميليشيات الموالية لإيران في العراق وسيتطلب بشكل أساسي من طهران التركيز على أمنها المباشر وبالضرورة على حساب الانشغال بإيذاء إسرائيل.
لكن التهديد الذي يواجه نظام الأسد، مع اشتداده، سيؤدي إلى تعزيز القوات الإيرانية التي ستهب لنجدته، رغم عدم الحماس لذلك في طهران. ومن ناحية أخرى، فإن سيناريو انهيار نظام الأسد، في حال تحققه، قد يؤدي إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار لفترة طويلة من الزمن. والأسوأ من ذلك، أن نجاح العناصر ذات الأيديولوجية الجهادية الدينية (حتى لو كانت معتدلة قليلاً)، في السيطرة على أجزاء كبيرة من سوريا وربما حتى مخزونات كبيرة من الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية، سيشكل تهديداً خطيراً للمصالح الإسرائيلية.
بعد أكثر من عقد من بدء الحرب الأهلية في سوريا، تواجه إسرائيل معضلة مماثلة لتلك التي كان عليها التعامل معها في الماضي - هل سيتم الإطاحة بنظام الأسد والقضاء على نفوذ إيران وحزب الله من الأراضي السورية؟ تساهم في تحقيق الأمن على الحدود السورية الإسرائيلية، أم الأفضل استمرار نظام "الشيطان المعروف" الذي تمكنت إسرائيل من ردعه عن الانضمام إلى الحرب المتعددة الساحات التي شنت ضدها العام الماضي.
إذا تعلمت تنظيمات المعارضة درساً مهماً من الحرب الأهلية واتحدت في إطار عسكري فعّال، فإنها ستعرف كيفية مزامنة العمليات ضد النظام ومؤيديه وتحت قيادة منظمة ذات صورة أكثر اعتدالاً من صورة النظام.
وستكون الأيام المقبلة حاسمة في تشكيل الوجه المستقبلي لسوريا - فهل ستتوسع الحملة وتعرض بقاء الأسد للخطر، أم أن ركائز دعمه المعروفة، روسيا وإيران، ستتغلب على الصعوبات التي تواجهها وتجتمع لإنقاذه؟ في هذه المرحلة، وحتى تتضح الصورة، صحيح أن إسرائيل ستتجنب التورط فيما يحدث في سوريا، إلا بالطبع في حالة وجود تهديد لمصالحها الأمنية.
المصدر: معهد دراسات الأمن القومي