يعمل كيان الاحتلال على إخلاء ملايين الأشخاص في غزة منذ انطلاق الحرب، ويكرر ذلك اليوم في المناطق اللبنانية من الجنوب والبقاع وصولا الى بيروت الضاحية الجنوبية، يجبرهم على النزوح قسرًا من منازلهم وأراضيهم، ما يتركهم في الكثير من الأحيان مشتتين بين مراكز الايواء وبقية المناطق البعيدة نسبيا عن ساحة المواجهة العسكرية. وقد تتسبّب عمليات الإخلاء القسري بصدمة حقيقيّة، حيث أنها شكّلت انتهاكا لمجموعة واسعة من حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا، بما فيها الحقوق في السكن اللائق والغذاء والماء والصحة والتعليم والعمل والأمن الشخصي والتحرر من المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة وحرية التنقل.
إنّ الإخلاء القسري وفقا للمواثيق والقوانين الدولية المرتبطة بحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني هو "الإبعاد الدائم أو المؤقت للأشخاص و/ أو أسرهم و/ أو المجتمعات المحلية، من المنازل و/ أو الأراضي التي يشغلونها، ضد إرادتهم وبدون توفير أشكال مناسبة من الحماية القانونية أو غيرها من أشكال الحماية الأخرى، ومن دون إمكانية الوصول إلى الحماية.
في بعض الظروف الاستثنائية، يُجيز القانون الدولي لحقوق الإنسان عمليات الإخلاء. ولكن يجب أن تكون مبرّرة بالكامل، وأن يسمح بها القانون، وأن تجري بما يمتثل امتثالاً كاملاً لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وأن تبقى قابلة للطعن.
وحتى نبتعد عن اي جدال قانوني او سياسي يتهم المقاومة "المشروعة" وفقا للمواثيق والقوانين الدولية -التي تدافع اليوم عن سيادة لبنان وأمنها وشعبها وأراضيها وتواجه العدوان الاسرائيلي- بأنها تنتهك تلك القواعد، وأنها باعلانها أوامر اخلاء المستوطنات باعتبارها اهداف عسكرية او قريبة من اهداف عسكرية، تمارس انتهاكا واضحا لحق "المستوطنين" في البقاء، من الضروري أولا، تبيان الفرق بين ممارسات العدو تجاه المدنيين في غزة ولبنان واجبارهم على النزوح القسري، وبين ما اعلنته المقاومة كأوامر احترازية حتى تتجنب وقوع اصابات وقتلى في صفوف "المستوطنين" نتيجة للاستهداف بالصواريخ او المسيرات الحربية.
من هذا المنطلق سنتبين أنّ آوامر اخلاء المستوطنات التي اعلنتها المقاومة هي:
1-التزام بمبدأ التمييز بين المدنيين والعسكريين، وقاعدة التناسب في القانون الدولي
2-من حيث السلوك القتالي : الالتزام الشرعي والقانوني بعدم انتهاك المبادئ الانسانية.
3-الإلتزام بمبدأ التمييز بين المدنيين والعسكريين وقاعدة التناسب في القانون الدولي
تلتزم المقاومة الاسلامية بمبادئ القانون الدولي في مواجهة كيان الاحتلال، وتجنب استهداف المدنيين والمنشآت المدنية على عكس ما يفعله العدو الذي ينتهك كل القوانين وقواعد الحرب ولا يلتزم بالاتفاقيات والمواثيق الدولية. وحتى يتجنب أكثر تداعيات الهجمات العشوائية التي يمكن ان تحصل كرد على اي عدوان اسرائيلي بادر إلى اعلان اوامر اخلاء للمستوطنات الموجودة في شمال فلسطين المحتلة والتي يستخدمها العدو وجيشه كمنصات لاطلاق صواريخ ومسيرات لضرب العمق اللبناني واستهداف المدنيين والمنشآت المدنية في كل المناطق اللبنانية دون استثناء. من هذا المنطلق:
أ)تلتزم المقاومة بمبدأ التمييز وهو أساس القانون المنظم لسير العمليات العدائية. فهو يتطلب من جميع أطراف النزاع التمييز في جميع الأوقات بين المقاتلين والمدنيين. ولا يجوز توجيه العمليات العسكرية إلا ضد الأهداف العسكرية. تُحظر الهجمات المتعمدة على المدنيين والأعيان المدنية. "الأهداف العسكرية" هي أفراد القوات المسلحة، والأشخاص الآخرون الذين يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية طوال مدة مشاركتهم، و"الأعيان التي تساهم بشكل فعال في العمل العسكري، سواء بطبيعتها أو موقعها أو غرضها أو استخدامها"، والتي تساهم في مجموعها أو إن التدمير الجزئي أو الاستيلاء أو التحييد، في الظروف السائدة في ذلك الوقت، يوفر ميزة عسكرية أكيدة.71 تشمل "الأعيان المدنية" جميع الأعيان - مثل المنازل والمزارع والمدارس والملاجئ والمستشفيات ودور العبادة التي عدم استخدامها للأغراض العسكرية.
ولأنّ المقاومة الاسلامية في لبنان حريصة على اتخاذ تدابير احترازية لتقليل الخسائر العرضية في أرواح المدنيين، وإصابة المدنيين، والإضرار بالأعيان المدنية (عكس ما يفعل الاسرائيلي ةترسانته العسكرية)، فهو يتخذ الاجراءات والاحتياطات الضرورية واللازمة لذلك وهي:
-القيام بكل ما هو ممكن للتحقق من أن الأهداف هي أهداف عسكرية وليست مدنيين أو أعياناً مدنية
-اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة في اختيار وسائل وأساليب الحرب لتجنب أو على أية حال تقليل الخسائر في صفوف المدنيين والأضرار التي تلحق بالأعيان المدنية؛
-عندما تسمح الظروف بذلك، إعطاء تحذير مسبق فعال بشأن الهجمات التي قد تؤثر على السكان المدنيين
-تجنب إقامة الأهداف العسكرية داخل المناطق المكتظة بالسكان أو بالقرب منها
-السعي لإبعاد المدنيين عن محيط الأهداف العسكرية. وهذا ما فعلته المقاومة باعلان اوامر الاخلاء للمستوطنات.
ب)تلتزم المقاومة ايضا بمبدأ التناسب في العمليات العسكرية، فهي في كل مواجهاتها للعدو لم تستهدف مدنيين ولا منشآت مدنية ولا بنى حيوية في الداخل الاسرائيلي المحتل، بل تثبت الوقائع والاحداث تركيزها الكلي والعملي على العسكريين والاهداف العسكرية وهذا التزام منها بقواعد قانون الحرب.
يعتبر التناسب مبدأً أساسي في القانون الدولي الإنساني الذي ينظم سير النزاعات المسلحة. فهو يحظر الهجمات ضد الأهداف العسكرية التي تتسبب بشكل عرضي في خسائر في أرواح المدنيين، أو إصابتهم، أو الإضرار بالأعيان المدنية، أو مزيج من هذه الخسائر، والتي من شأنها أن تكون مفرطة مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة. وبعبارة أخرى، فإن مبدأ التناسب يسعى إلى الحد من الأضرار الناجمة عن العمليات العسكرية من خلال اشتراط ألا تكون آثار وسائل وأساليب الحرب المستخدمة غير متناسبة مع الميزة العسكرية المطلوبة.
-مبدأ التناسب معترف به كقاعدة من قواعد القانون العرفي، وهو ذو أهمية خاصة في موازنة حجة الضرورة العسكرية. إنها واحدة من أصعب قواعد القانون الدولي الإنساني في التطبيق، لأنها تتطلب تقييمًا دقيقًا للميزة العسكرية المتوقعة والضرر المدني المحتمل الناجم عن الهجوم. وحتى لو سُمح بالهجوم، فيجب ألا يكون مفرطًا مقارنة بالميزة العسكرية المتوقعة.
-ترتبط قاعدة التناسب ارتباطًا وثيقًا بالقواعد المتعلقة بالاحتياطات أثناء الهجوم، وتنطبق عندما يتحدث الناس عن "الأضرار الجانبية". وحتى لو تم الالتزام بمبدأ التناسب، يجب على الأطراف المتحاربة أن تلتزم بقواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني الأخرى.
-ينص مبدأ التناسب (المادة 51 (5) (ب) من البروتوكول الإضافي الأول) على أنه حتى لو كان هناك هدف عسكري واضح، فمن غير الممكن مهاجمته إذا كان الضرر المتوقع للمدنيين أو الممتلكات المدنية مفرطًا مقارنة بالضرر المتوقع. الميزة العسكرية. وهذه واحدة من أصعب قواعد القانون الدولي الإنساني في التطبيق لأنها تتطلب التوازن بين عاملين لا علاقة لبعضهما ببعض. ومبدأ التناسب معترف به أيضًا باعتباره قانونًا دوليًا عرفيًا في القاعدة 14 من دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول القانون الدولي العرفي.
-تقبل القاعدة أن بعض الأضرار التي تلحق بالمدنيين قد تكون مقبولة، لكن يجب موازنتها بعناية مع الميزة العسكرية التي يمكن اكتسابها. إن قاعدة التناسب هي القاعدة ذات الصلة عندما يتحدث الناس عن "الأضرار الجانبية". وحتى لو تم الالتزام بمبدأ التناسب، يجب على الأطراف المتحاربة أن تلتزم بالقواعد المتعلقة بالاحتياطات أثناء الهجوم.
2)من حيث السلوك القتالي : الالتزام الشرعي والقانوني بعدم انتهاك المبادئ الانسانية
تبدو المقاومة المسلحة المشروعة وفقا لثوابتها العقائدية والدينية والشرعية ملتزمة في كل مسارها الجهادي بضوابط الاسلام وهي ملتزمة ايضا بمشروعيتها القانونية التي كسبتها من المواثيق والاتفاقيات الدولية، لانها حركة تحرر وطني ولانها تواجه عدوا محتلا لاراضيها ويعتدي على سيادتها وأمنها وسلامة مواطنيها، حريصة كل الحرص على الالتزام بمبادئ القانون الدولي التي تعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها وفي مقاومة كل اشكال الاستعمار والاحتلال، والتي تمنح المقاومة المسلحة المشروعة كل الامكانات اللازمة للقيام بذلك كالحق في حمل السلاح والتدريب والمناورات العسكرية والمواجهة في الميدان حتى تحقيق الهدف وهو التحرير.
لم تفقد المقاومة الاسلامية في لبنان بوصلتها ابدا بل شكّلت نموذجا حقيقيا للمقاومة الملتزمة بقواعد النزاع المسلح. كما تلتزم المقاومة الاسلامية في لبنان بقواعد اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 التي تشير إلى النقاط التالية:
-هي المقاومة المسلحة التي تقوم على نشاط يقوم به عناصر شعبية بالقوة المسلحة في مواجهة عدو معتدي ومحتل.
-یقودھا شخص مسؤول عن مرؤوسیھ: فأفراد المقاومة منظمین رئاسیا،ً بحیث یكون على رأسھم قائد مسؤول عن أفعال تابعیھ . وحیث إنّ جماعات المقاومة المنظمة تعمل عادة في ظل ظروف استثنائیة ، فإن ذلك یستلزم بالضرورة وجود شخص معین یتولى القیادة.
-أن تكون لھا شارة ممیزة محددة یمكن تمییزھا عن بعد.
-أن تحمل السلاح جھراً بهدف مقاومة العدو وعدوانه ومشاريعه الاحتلالية.
-أن تحترم قوانین الحرب وعادتھا فمن الضروري أن تحترم المقاومة المسلحة المنظمة قوانین وأعراف الحرب، باعتبار أن ذلك مطلب تدعو إلیھ الإنسانیة ویخفف من ویلات الحروب.
تلتزم المقاومة الاسلامية في لبنان ايضا بقواعد قانون النزاعات المسلحة الدولية في كل حروبها في مواجهة العدو المحتل. وبناء على ھذا الأساس فإن القانون الدولي الإنساني یعترف للمقاوم الفرد بالحق في الكفاح المسلح والمساھمة في الدفاع عن أوطانھم في حالة عدوان أو احتلال غیر مشروع. ویجب على ھذا المقاوم الفرد أن یمیز نفسه عن السكان المدنیین عند الاشتباك مع العدو المحتل . أما إذا تعذر أن یمیز نفسه عن السكان المدنیین لظروف لا دخل له بھا ، فانه یبقى رغم التشابه بینه وبین المدني یحتفظ بوضعه مقاوماً بشرط أن یحمل السلاح علنا في أثناء أي اشتباك عسكري أو طوال الوقت الذي یبقى خلالھا مرئیاً للخصم، الذي ینظم قواته استعداد للقتال مع ھذا المقاوم الفرد. وإن ابتعد ھذا الأخیر عن مرمى البصر في ھذا ا الوقت فیحق له إخفاء سلاحه . ولا یشترط أن یكون مقاوماً فرداً فقد یكونون مجموعة أفراد مقاومة مسلحة. وبذلك یمكن القول بان أفراد المقاومة المسلحة:
-يمارسون حقهم المشروع في الدفاع عن أرضهم واهلهم وبيوتهم وحياتهم.
-كما يحق لهم أيضا استباقيا الدفاع عن انفسهم اذا ما استشعروا ان العدو المحتل يحظر لعدوان او اعتداء ينتهك فيه كل المواثيق والقوانين الدولية.