أثارت التصريحات المصرية الأخيرة جدلاً واسعاً بعد ما اعتُبرت "تصعيداً دبلوماسياً" بوجه كيان الاحتلال. حيث اعتبر مسؤولون مصريون منهم مساعد وزير الخارجية السابق، السفير حسين الهريدي، أن "حديث نتنياهو عن تهريب الأسلحة عبر الحدود المصرية واحتماء مقاتلي حماس في سيناء، يعكس سعيه للتنصل من مسؤوليته عن مقتل الأسرى الستة الذين انتشلت جثامينهم مؤخراً". وعزز هذه المواقف مصدر مصري رفيع المستوى، تناقلته وسائل الاعلام الدولية بشكل واسع، والذي اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي "بالفشل في ضبط الحدود ومحاولة تحميل مصر هذا الإخفاق". وتأتي هذه التصريحات بعدما عجز الوسطاء عن اقناع نتنياهو بالتخلي عن شروطه المُستحدَثة لعقد الصفقة، فيما تكثر التحليلات عن مدى تأثير هذا "التصعيد" على المرحلة المقبلة وسط ترقب لمقترح أميركي خلال أيام.
في تصعيد لافت في اللهجة، صرّح مصدر رفيع المستوى لم يذكر اسمه، أن "إسرائيل فشلت في السيطرة على تهريب السلاح من داخلها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة". وقال المصدر بأن القاهرة "أكدت دخول أسلحة إلى قطاع غزة تهريباً عبر معبر كرم أبو سالم، بالإضافة إلى الأسلحة التي يجري تهريبها إلى الضفة"، فيما اعتبر أن تصريحات نتنياهو الأخيرة هي "محاولة استباقية لإجهاض أي مقترح جديد لوقف إطلاق النار وعرقلة الجهود المبذولة للتهدئة والإفراج عن المحتجزين".
عن تأثير هذه التصريحات على مسار المفاوضات، ثمة من يقول أن لا تأثير جدي فاعل، خاصة وأن مصر لم تتخذ إجراءات فعلية في أي حروب سابقة، أو منذ بداية "طوفان الأقصى" كفتح معبر رفح لإدخال المساعدات -وهذا أضعف الايمان- ووصفت ردة الفعل هذه على أنها خدمة لمصالحها أولاً، وما يتماشى مع أمنها القومي ودورها "الاستراتيجي" في القضية الفلسطينية على مر العقود. وتقول مصادر مطلعة أن القاهرة تعتبر وجودها في معبر رفح وجوداً استراتيجياً لها، فهو من جهة يعطيها وزناً اقليمياً، وتجني من خلاله أرباحاً مادياً وسياسية من جهة أخرى. وبالتالي، فإن الضغط لضمان بقائها في معبر رفح، والحؤول دون استبدالها بقوات أخرى عربية أو دولية، -بحسب أحد الاقتراحات التي قدمت سابقاً ولاقت ترحيباً من بعض الأطراف- يجب أن يأخذ منحى متقدماً.
من ناحية أخرى، فإن بقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا وهو ما أصر عليه نتنياهو في خطابه الأخير، يسبب احراجاً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وعبّر عن هذا الأمر السفير هريدي الذي صرح بأن الوجود الإسرائيلي في محور فيلادلفيا ينتهك روح معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل وخصوصاً الملحق الأمني الخاص بها".
وتعليقاً على تباينات الموقف الإسرائيلي بما يتعلق بجولات التفاوض وفشلها في كل مرة، على الرغم من ادعاء نتنياهو بأنه يبدي مرونة لاستعادة الأسرى، يقول مسؤول إسرائيلي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لصحيفة واشنطن بوست الأميركية أنها "ليست هذه هي المرة الأولى التي تكون فيها الرسالة الداخلية والرسالة الخارجية شيئين مختلفين". وأشار إلى أن "هناك بعض المسؤولين الذين لا يعتقدون أن الاتفاق سيتجاوز المرحلة الأولى إذا حدث".
من جهتها، انتقدت تركيا تصريحات نتنياهو. وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان "يواصل نتنياهو أكاذيبه للتلاعب بالرأي العام للتغطية على جرائمه في غزة ومنع محادثات وقف إطلاق النار من التوصل إلى نتيجة". واعتبرت أن "مزاعم نتنياهو الأخيرة ضد مصر للحفاظ على الوجود العسكري الإسرائيلي في ممر فيلادلفيا غير مقبولة". داعماً "جهود الوساطة التي تبذلها جمهورية مصر العربية لإنهاء الحرب في غزة ومد يد العون للملايين من إخواننا وأخواتنا الفلسطينيين".
وتأتي هذه التصريحات بالتزامن مع زيارة السيسي لأنقرة للقاء نظيره التركي، بعد انقطاع دام لأكثر من عقد من الزمن. وهو ما طرح تساؤلات عدة حول القضايا التي نوقشت، خاصة وأن أنقرة تبذل جهوداً متواصلة للعب دوراً أكثر فاعلية على الساحة الإقليمية والدولية، وترى من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فرصة لتعزيز حضورها.
الكاتب: غرفة التحرير