أطل رئيس الوزراء الإسرائيلي بمقطع فيديو هاجم فيه الرئيس الأميركي لإيقافه شحنات الأسلحة في خضم الحرب التي تخوضها إسرائيل "من أجل وجودها". هذا الهجوم الذي لم يكن متوقعاً من البيت الأبيض، كان مفهوم الدوافع والأهداف، بعد أشهر من الخلاف المستمر بين الطرفين، نتيجة أجندة متضاربة. وفي الوقت الذي تكثر فيه الأسئلة حول الرد المحتمل للإدارة على ما وصفه مسؤول الاتصالات في مجلس الأمن، جون كيربي بأنه "مخيب للآمال"، تجيب الأحداث التي أعقبت انتشار المقطع المصور ما يمكن أن يحدث، من زيارة لوفد إسرائيلي إلى واشنطن وزيارة متوقعة لأنتوني بلينكن إلى الأراضي المحتلة.
موجة التصريحات التي أعقبت هجوم بنيامين نتنياهو على شخص جو بايدن، تعكس عمق الفجوة بين رأسي السلطة في كل من إسرائيل والولايات المتحدة. وانتقال نتنياهو إلى مرحلة متقدمة في معركته السياسية الخاصة، التي ترتكز على التأثير بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وخفض أسهم بايدن أمام الرئيس السابق دونالد ترامب. وقد تأتي هذه الخطوة كتمهيد للخطاب الذي يخطط لإلقائه أمام الكونغرس، بعد التنسيق مع الجمهوريين، الذين يصطفون ضد بايدن.
ينظر نتنياهو -رئيس الوزراء الأطول خدمة في إسرائيل، لأكثر من 16 عاماً، بما في ذلك فترات متعددة، بدءا من عام 1996- إلى "اليوم التالي" بعين القلق. ليس فقط لناحية خسارة الحرب أو القبول بحماس كشريك في إدارة القطاع وقدرته على إعادة الأسرى من عدمها، لكن بما يتعلق بمستقبله السياسي كهدف أساسي. اذ أن انتهاء الحرب، يعني انتخابات مبكرة، وتحقيقات عدة لتحديد إخفاقات الحكومة على غير صعيد، ليس فقط الاستخباراتية والأمنية التي أدت بشكل مباشر لعملية 7 أكتوبر، بل أيضاً على صعيد إدارة الحرب والسياسة الخارجية التي أنتجت اعتراف عدد من الدول بدولة فلسطين من جهة، وزادت عزلة إسرائيل في المجتمع الدولي من جهة أخرى، على ضوء قرار محكمة العدل الدولية. وعليه قد يخسر حزب الليكود أي انتخابات مقبلة.
أحرج نتنياهو بايدن في مواقف عدة، دون أن تتخذ واشنطن تدابير جدية في معالجة الأمور. واذا ما كانت خطة الأول واضحة المعالم، يمشي الأخير في حقل من الألغام على وقع ما أنتجته استطلاعات الرأي والتي ساهمت في تقلبها الاحتجاجات المطالبة بوقف الحرب على قطاع غزة، التي شهدتها كبرى الجامعات الأميركية. وهذا ما جعل عدد من المحيطين به يتساءلون عن السبب الذي يعرض بايدن مستقبله السياسي للخطر نتيجة دعم نتنياهو دون قيد أو شرط لفترة طويلة.
على مدى أشهر، أغرق بايدن ومستشاروه وسائل الاعلام بالبيانات والتصريحات المناهضة لعملية عسكرية واسعة في رفح، ثم سلوك نتنياهو "غير المسؤول" في إدارة الحرب، وعدم الاستجابة للتوجيهات الأميركية في وضع الخطط، وعدم الموافقة الإسرائيلية على طرح بايدن بشأن التوصل لوقف إطلاق النار. لكنهم استمروا في توفير الغطاء الدبلوماسي والدعم العسكري.
يحاول نتنياهو إقناع الجمهور الإسرائيلي - وبقية العالم - بالأسطورة القائلة بأنه إذا دمر الجيش الإسرائيلي 4 كتائب تابعة لحماس يعتقد أنها متحصنة في رفح، فإنه بذلك يحقق النصر الكامل في غزة. وبالتوازي مع المضي في عملياته العسكرية هناك، يحاول نتنياهو من خلال مقطع الفيديو الأخير، أن يبرهن لمؤيديه، بأنه "الزعيم الإسرائيلي القادر على تقدير مصلحة الدولة والوقوف بوجه الولايات المتحدة".
على المقلب الآخر، يعالج بايدن هذا "التجاوز" بحسب ما وصفته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، بإبداء الغضب دون اتخاذ خطوات جادة لوقف التسليح أو وقف الحرب. بل انه -وعلى الرغم من "تحدي" نتنياهو للرغبة الأميركية-، يمارس بايدن ضغوطاً على الأعضاء الديموقراطيين لإثارتهم أي معارضة علنية، تماماً كتلك التي تعرض لها غريغوري ميكس، وهو أكبر ديمقراطي في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، -هو واحد من أربعة مشرعين فقط يتمتعون بحق النقض (الفيتو) على المبيعات العسكرية الأجنبية-.
خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، أبدى ميكس رغبته في توقيف شحنة طائرات F-15 إلى إسرائيل إلى حين حصوله على "تأكيدات حول كيفية استخدامها". ونتيجة لضغوطات متزايدة من بايدن، انتهى الأمر بالتوقيع على الصفقة قبل أيام. إذا تمت الموافقة، ستكون الصفقة واحدة من أكبر مبيعات الأسلحة إلى تل أبيب منذ بدء الحرب.
جاء "توبيخ" بايدن لنتنياهو على شريط الفيديو بإلغاء اجتماع لمناقشة المواجهة مع إيران. فيما نفى البيت الأبيض تلك "المزاعم" وقال أن ذلك مرده "لإعادة جدولة الاجتماع" ليس إلا. وفي الوقت الذي وصل فيه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، إلى واشنطن، من المتوقع أن يصل أنتوني بلينكن إلى إسرائيل بعد أيام.