يثير العدوان الإسرائيلي على غزة مخاطر على مستويات عدّة تؤثر على المكانة الدوليّة للولايات المتّحدة، وهو ما يجعلها تمتنع عن الذهاب إلى حرب كبرى تهدّد مصالحها الداخلية والخارجية. وتتمثّل التهديدات في القدرات العسكرية والتنافس العالمي والأثمان البشرية والمادية المحتملة والخسائر الاقتصادية وتهشّم الدبلوماسية التي تعد يد أميركا الطولة في دول المنطقة. سنعدد ونشرح في هذا المقال المخاطر المحدقة بالولايات المتحدة إن أقدمت على توسّيع رقعة الحرب في منطقة غرب آسيا.
- خسارة التنافس العالمي: تأخذ الولايات المتّحدة في حساباتها الاستراتيجيّة التنافس مع الخصوم، ومن هنا تنظر إلى مكاسب وأثمان أي صراع قائم أو محتمل توازيًا مع السباق الدولي في الاقتصاد والعسكر والدبلوماسية.
- تحدّيات استراتيجية مع الصين: تعدّ الصين إحدى أهم التحدّيات الاستراتيجية للولايات المتحدة، نظرًا لقدراتها الاقتصادية والعسكرية المتصاعدة، ودبلوماسيتها العالية مع دول العالم، وتحديدًا الجنوب العالمي حيث تجد الشعوب نفسها أكثر انحيازًا لبكين من واشنطن كونها لم تتورط في حرب ضدها حتى الآن، ولا تشكل عليهم أي تهديد عليها، ولا تتدخل سياسيًا في حكوماتها ومجتمعاتها.
- الاقتصاد الأميركي: تؤثر الأحداث الجيوسياسيّة على الأوضاع الاقتصادية، وبطبيعة الحال، سيكون سيناريو الحرب الإقليمية عاملًا سلبيًا على الاقتصاد الأميركي. وبالنظر إلى أن قوّة أميركا العالمية تكمن بالدرجة الأولى في اقتصادها وهيمنتها المالية على جميع دول العالم، فإن هذا الملف يثير حفيظة الخبراء الاقتصاديين في الولايات المتحدة للحديث عن المخاطر المحتملة لاشتعال حرب كبرى.
الخسائر البشرية: ستتكبّد الولايات المتحدة خسائر بشرية عالية في أي صراع عالمي، فمن المرجّح أن يُقتل عدد كبير من جنود وضباط الجيش الأمريكي، وهو ما سيحرج الإدارة الأميركية أمام شعبها الذي لا يرى جدوى بالدخول في المزيد من الصراعات والحروب وتقديم تضحيات، فما يبحث عنه هو الأمن والسلام والضمانات الاقتصادية والمعيشية.
أخطاء الماضي: نبّه العديد من المحلّلين الأميركيين من أن تدخل الولايات المتحدة في مواجهات عسكرية مباشرة تقود إلى نتائج كارثية، على غرار ما حصل في العراق، من عام 2003 إلى عام 2011، ثم في سوريا من عام 2014 إلى عام 2017، وفي أفغانستان من عام 2001 إلى عام 2021. فربما تمتلك الولايات المتحدة "أقوى جيش في العالم، ولكن كما أثبتت الهزائم الأمريكية في فيتنام وأفغانستان، فإن هذا لا يضمن النصر على عدو مصمم وواسع الحيلة، كما في حالة الأعداء في الشرق الأوسط اليوم".
- فشل سياسة الاحتواء: تعمل واشنطن منذ عملية طوفان الأقصى على ردع محور المقاومة وتحجيم دوره في الحرب على غزة، بدءًا من إيران إلى العراق وصولًا إلى لبنان وسوريا واليمن.
ففي الوقت الذي كانت الإدارة الأميركية تظن أنها احتوت محور المقاومة تفاجأت بالنتائج مع تصاعد العمليات العسكرية التي نفّذها خلال العدوان الإسرائيلي، و"مما يزيد من صعوبة هذه المهام حقيقة أن هذه الجماعات تنسق فيما بينها وتتلقى المساعدات المالية والاستخباراتية والأسلحة الإيرانية، لكن أفعالها مستقلة إلى حد كبير عن طهران".
- تهديد الدبلوماسية: إن التوجّه الأميركي الحالي هو إبرام اتفاقيّات تطبيع مع دول المنطقة، وهذا ما تسوّق له واشنطن كإنجاز دبلوماسي عظيم يحقّق السلام العالمي، وهو خطاب فعّال ومثمر داخليًا وخارجيًا.
ولذلك يمكن للحرب الإقليمية أن تنهي مسار الدبلوماسيّة في غرب آسيا والذي كان قد بدأ مع اتفاقيات أبراهام، كما أنها ستجعل الولايات المتحدة شريكةً في القتال لا وصيةً على السلام كما تقول دائمًا.
- الرأي العام العالمي: منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، تشهد الدول الغربية والولايات المتحدة على وجه الخصوص مظاهرات مؤيدة للقضية الفلسطينية، ومؤخرًا وصلت الاحتجاجات إلى الجامعات الأميركية والأوروبية، وقد ظهر التأييد العلني لفلسطين في صفوف الطلاب والأساتذة على حد سواء. هذه النقمة العالمية لم تقتصر فقط على الكيان الإسرائيلي إنما طالت أيضًا المسؤولين الأميركيين.
- الرأي العام المحلي: يشكّل الرأي العام المحلي في الولايات المتحدة عامل ضغط منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، فقد شهدت الولايات الأميركية آلاف الاحتجاجات المناصرة لفلسطين وصولًا إلى الحراك الطلابي في الجامعات، وهو ما يشكّل ورقة ضغط مهمة قد تحول من تقدّم بايدن في الانتخابات الأميركيّة.
وفي استطلاع رأي أجري في شهر شباط/ فبراير، يطرح عدة أسئلة حول دور أمريكا في الحرب بين "إسرائيل" وحماس، قال أغلبية الأمريكيين (55%) إن الولايات المتحدة يجب أن تلعب دورًا في الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب، فيما رأى آخرون أنه على الولايات المتحدة أن تلعب دورًا ثانويًا (35%) بدلاً من دور رئيسي.