لا يمرّ يوم على لبنان منذ أشهر، دون أن يُطلق فيه مسؤولو الكيان المؤقت السياسيون والعسكريون التهديدات ضده، ومتوعّدين مقاومته بحملة هجومية جوية واسعة، بل حتى بعملية بريّة بغية إبعادها لمسافة كيلومترات عن الحدود اللبنانية الفلسطينية.
لكن من يتأمّل المعطيات الميدانية بدقّة، انطلاقاً مما حققه محور المقاومة من إنجازات ومعادلات ردع جديدة على امتداد المنطقة، ضد إسرائيل ومن خلفها كل المعسكر الداعم لها بقيادة أمريكا، خلال أكثر من 200 يوم منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى. سيُدرك بسهولة أن كل هذه التهديدات الإسرائيلية فارغة وجوفاء، يُطلقها من يعرف جيداً بأن ما أظهره محور المقاومة وتحديداً حزب الله، ليس سوى النُزر اليسير مما يمتلكه من قدرات وإمكانات ومفاجئات، يمكنه من خلال استخدامها، تحويل الحماقة الإسرائيلية الى فرصة كبيرة طال انتظارها، لقلب موازين الصراع رأساً على عقب، وإيقاع خسائر كبيرة ومهولة لدى إسرائيل، لم تشهدها منذ تاريخ إنشائها.
وعلى الرغم من ذلك، لا بد الإشارة هنا إلى أن الحزب منذ اندلاع المواجهة، لم يُخرج من تقديراته لمستقبل هذه الجبهة، إمكانية لجوء كيان الاحتلال الى ارتكاب حماقة تصعيدية، قد تجرّ الى حرب واسعة. لذلك عمد منذ الأيام الأولى، الى تنفيذ عمليات من مسارين يتيحان عرقلة خيار الاحتلال بالتوسعة الى حرب، من خلال شلّ القدرة الإسرائيلية على الرصد والتجسس. وفي الوقت عينه، تأمين منظومة رصد دقيق مكانياً وزمانياً، لما يجري داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، من تحركات لجيش الاحتلال. وهو ما تسبب باستغراب القادة العسكريين الإسرائيليين، لمدى تطور قدرات حزب الله الاستخبارية.
شلّ منظومات الرصد والتجسس الإسرائيلية
فعلى صعيد المسار الأول، باشر حزب الله منذ اليوم الأول لفتح الجبهة الجنوبية المساندة للمقاومة في غزة، الى استهداف أبراج المراقبة والتجسس على طول الحدود، بموازاة الخط الأزرق، بهدف إعماء "عيون إسرائيل" التي لا يمكن للجيش الإسرائيلي الاستغناء عنها في جمع المعلومات قبل شن الهجمات، من كاميرات ورادارات وأجهزة استشعار وحرب الكترونية. واستطاع ضرب القدرات الإسرائيلية على المراقبة ورصد المقاومين وتحركاتهم، وصولا الى ضرب القواعد والمواقع المهمّة، ذات قدرة الإشراف الكلّي على المنطقة الحدودية (بالنظر والنيران)، كما حصل مع قاعدة ميرون التي تشكل عينا للكيان على كامل منطقة البحر المتوسط.
ومما يؤكّد على مدى تأثير هذه العمليات على إعماء الاحتلال، هو ما ذكرته قناة 12 الإسرائيلية مؤخراً، من أنه "على الرغم من الهجمات العديدة، فإن القوات الجوية الإسرائيلية والوحدات الأخرى تواجه صعوبة في ضرب مجموعات حزب الله المتخصصة في إطلاق الصواريخ المضادة للدروع".
قادة إسرائيليون: نتنياهو سحق الشمال وسلمه لرحمة حزب الله
هذه المعطيات الميدانية التي لا تشكّل سوى جزء من كامل المشهد، دفعت بقادة عسكريين في الكيان، الى التعبير عن سخطهم مما آلت اليه الحال أمام حزب الله، مع إدراكهم لعجز الكيان عن القيام بأي إجراء مضاد.
فقد استهجن النائب السابق لرئيس الأركان الجنرال احتياط "يائير جولان" هذا الوضع قائلاً: "بينما يفكر نتنياهو في عملية خالية من أي أهمية استراتيجية في رفح، تتلقى المطلة نيراناً من حزب الله، المدن مهملة والفشل الذريع مستمر بشكل أسوأ، نتنياهو سحق الشمال وسلمه لرحمة حزب الله".
أما العقيد في الاحتياط "كوبي ماروم" فقد أكّد حالة العجز الإسرائيلي عن القيام بأي إجراء ضد حزب الله حينما قال: "المستوى السياسي تجنب اتخاذ القرارات الصعبة بالشمال في ظل عدم اليقين خوفا من التصعيد، واختار الذعر وأظهر الضعف". مشيراً إلى "حقيقة أن حزب الله يمتلك اليوم مجموعة من الصواريخ والقذائف التي تغطي كامل أراضي دولة إسرائيل، بما في ذلك القدرة على ضرب مواقع وقواعد استراتيجية مختلفة، تهديد لا يعرّض الجيش الإسرائيلي للخطر فحسب، بل يعرّض الجبهة الداخلية الإسرائيلية بشكل رئيسي". مستنتجاً بأن إسرائيل على ما يبدو "تفشل في تحقيق الهدف الأهم و هو خلق واقع أمني يسمح بعودة المهجرين إلى منازلهم، والعمليات العسكرية لا تلغي الإنجاز الاستراتيجي لحزب الله، وهو إجلاء سكان الحدود الشمالية الذين نزحوا من منازلهم منذ أكثر من ستة أشهر".
الكاتب: غرفة التحرير