في بداية الحرب أرسل الجيش الأمريكي مجموعتين من حاملات الطائرات، وعدداً من القطع البحرية الإضافية إلى شرق المتوسط، وأتبعها بإرسال ألفين من المستشارين العسكريين والخبراء في مجال حروب المدن إلى غرف العمليات العسكرية في دولة الكيان المؤقت، في نفس الوقت، نشطت دبلوماسية وزارة الخارجية الأمريكية في معظم دول المنطقة، لتعطي انطباعاً بأن الإدارة الأمريكية ستعمل على ضبط الرد الإسرائيلي على قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى، وستعمل على منع ارتكاب كيان العدو للمجازر بحق الفلسطينيين أو تدمير البنية التحتية المدنية في قطاع غزة، وأن واشنطن لن تسمح لتل أبيب بتوسيع النطاق الجغرافي للحرب، كما طالبت الإدارة الأمريكية إيران بالعمل على إيجاد حلول دبلوماسية لحل النزاع، وضبط حلفائها في محور المقاومة ومنعهم من مهاجمة الكيان المؤقت.
وقف إطلاق النار انتصار لحماس
عمل وزير الخارجية بلينكن، ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان على توجيه دفة قرارات الإدارة نحو دعم وتغطية خطة حكومة نتنياهو بتدمير قطاع غزة، فيما تقلصت تصريحات وزير الدفاع إلى الاهتمام بالتهديد بالرد على الهجمات التي تطال قواعد الجيش الأمريكي في سوريا والعراق، بينما سلكت تصريحات بايدن مسلك بلينكن وسوليفان، فكتب مقالاً في الواشنطن بوست في 18 تشرين الثاني / نوفمبر 2023، أكد فيه على رفضه وقف إطلاق النار على غزة، وأكد عمله للوصول إلى مستقبل خالٍ من حركة حماس "لا ينبغي أن يكون هدفنا مجرد وقف الحرب لهذا اليوم، بل يجب أن يكون إنهاء الحرب إلى الأبد، وكسر دائرة العنف المتواصل، وبناء شيء أقوى في غزة وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط"، بينما تولى جون كيربي منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي للاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض في إحاطات إعلامية شرح موقف الإدارة الأمريكية تجاه الحرب الدائرة ضد غزة، مبرراً المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين، وداعماً للقضاء على المقاومة الفلسطينية في القطاع، وعلى رأسها حركة حماس، ومؤكداً بشكل متكرر على رفض وقف اطلاق النار باعتباره انتصاراً لحماس.
تضخيم الرسائل الايجابية وأمنيات في غد أفضل
عمل الساسة الأمريكيون في تصريحاتهم على تشكيل خطاب من قسمين، قسم يدعي الحرص على حياة المدنيين، وإدخال المساعدات الانسانية إلى القطاع، وضرورة إلتزام الكيان المؤقت بقوانين الحرب، ومناشدة إيران وباقي دول الإقليم بعدم توسع الحرب، وضرورة البحث عن مخرج سلمي للأزمة، والقسم الآخر ينادي بضرورة دعم إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وسحق حماس، وتغيير طبيعة الحكم في غزة، وغيرها مما تبيته نوايا أركان الإدارة الأمريكية. وكانت دعوات الساسة الأمريكيين من الصف الثاني التي تنتقد الغارات الإسرائيلية على الأحياء الآهلة بالسكان، وضرورة الحفاظ على حياة المدنيين والأبرياء تصدح بها الأخبار المصنفة عاجلة على شاشات التلفزة العربية.
وقعت المؤسسات الإعلامية العربية في فخ النقل عن الإعلام الأمريكي والغربي، فضللت الرأي العام الشعبي وتحليلات خبراء السياسة والباحثين، وبالتالي النسق السياسي في بعض الدول العربية والاسلامية، بأن الحرب شارفت على الانتهاء بسبب الادانات العلنية غير المسبوقة للسياسيين الغربيين والأمريكيين من النسق الثاني للهجمات الإسرائيلية على المدنيين، وأعداد الشهداء الكبير بسبب العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي، بينما غفلت عن عدم وجود إدانة رسمية من قِبل حكومة الولايات المتحدة لمجازر الكيان المؤقت بحق أهالي غزة.
العدو يستفيد
مكّنت آلية التضليل الأمريكية من تثبيط ردّات الفعل الاقليمية سواء السياسية أو العسكرية، واكتساب الوقت لمصلحة الكيان المؤقت في استكمال الجيش الإسرائيلي استعداداته:
- استدعاء الاحتياط داخل وخارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.
- التزود بالذخيرة اللازمة لشن الحرب على القطاع، عبر الجسر الجوي الأمريكي والأوروبي.
- رفع جاهزية الدفاعات الجوية، ومنظومة القبة الحديدية.
- إعادة الانتشار العسكري، ونشر الوحدات القتالية لا سيما شمال الكيان المؤقت في مواجهة حزب الله.
- شن هجوم بري على قطاع غزة.
- استعداد الكيان المؤقت لاستمرار القتال لشهور طويلة.
- استكمال الاستعدادات العسكرية لاحتمال شن هجوم عسكري إسرائيلي ضد لبنان في الشهور القليلة المقبلة.
كذلك في الاستمرار في شن الحرب وارتكاب المجازر لشهور طويلة، في حين كان الجميع ينتظر توقف القتال بناءً على التصريحات الأمريكية وطروحات التفاوض المختلفة، التي تحولت إلى آلية لإدارة التوقعات، وتخفيف الضغط على كيان الاحتلال ليتمكن من الاستمرار في محاولاته للإنجاز لأطول مدة ممكنة.
الكاتب: منير نصولي