بدأ العمل على رسم الصورة الجديدة لحزب الله في الليلة نفسها التي استشهد فيها أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله. أي بدءً من مساء الجمعة 27 أيلول سبتمبر 2024، وقبل الإعلان الرسمي عن استشهاده. في تلك الليلة أظهر الإعلام المعادي للمقاومة نواياه الخفية، وكشف عن آماله التي يتمنّاها، حيث بدا واضحاً أن وجود سماحة السيد نصر الله، بمواقفه وآرائه وخطاباته، كان عائقاً منيعاً أمام تنفيذ السيناريوهات الأميركية والإسرائيلية المتعددة.
بعد أقلّ من ثلاث ساعات على استهداف المقرّ القيادي للحزب وإعلان الكيان أنه استهدف سماحة السيد نصر الله، بدأ الإعلام العربي المعادي يسأل: هل يكون غدًا السبت يوم الإعلان عن جلسة الانتخاب لرئيس الجمهورية؟ وهل سيكون يوم الغد يوم الإعلان الرسمي عن هزيمة حزب الله وانتهائه التاريخي؟
منذ 27 أيلول سبتمبر 2024، امتلأ خيال الإعلام العالمي بصورٍ كثيرة عن واقع المقاومة في لبنان، والمقاومة في فلسطين وسوريا والعراق واليمن وإيران، استُعملت توصيفاتٌ متعددة للحديث عن حزب الله الذي صار موضوعاً وحيدًا في الإعلام، بحيث أصبحت المجازر اليومية في غزة موضوعاً ثانوياً، إلى أن تغيّر الواقع الإقليمي فجأة، من دون الكثير من المقدّمات، مع وصول زعيم جبهة النصرة/ هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، إلى دمشق قالباً كل الوقائع، التي كان على رأسها هروب الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا وانتهاء حكمٍ تاريخي دام 57 عاماً من الإمساك بالدولة السورية.
العالم الذي كان منشغلاً بكل ثقلِه وجهدِه بالواقع الذي آل إليه حزب الله بعد خريف 2024، وجد نفسه مضطراً لترك الحزب قليلاً للانتقال إلى سورية الجديدة. يعني هذا الأمر من خلال هذه الورقة البحثية، أن صورة حزب الله في الإعلام العالمي والعربي، هي الصورة التي سادت منذ 27 أيلول سبتمبر 2024 لغاية 8 كانون الأول ديسمبر 2027.
التوصيف الأول والأبرز هو حزب الله المهزوم والمثقل بالهزيمة أيضاً، لأن حجم الضربات المتتالية التي تلقّاها، جاءت بخلاف كل التوقّعات التي صدرت عن الحزب نفسه، بمعزل عن توقّعات أعدائه.
عمل الإعلام العربي والغربي على الترويج المتكرر لمصطلح الهزيمة، على اعتبار أن الضربات التي تلقّاها الحزب (منذ اغتيال شكر وهنية وعقيل وقيادة الرضوان وتفجيرات البايجر واللاسلكي) كفيلة بحدوث الهزيمة بالضربة القاضية.
استخدمت هذه الجملة بحرفيتها في توصيفٍ شامتٍ، بالوقائع التي حدثت حتى نهاية أيلول 2024، بمعنى أن خسائر الحرب العسكرية والبرية والغارات اليومية طيلة 70 يوماً لم تكن قد استفحلت بعد. بدا استخدام مصطلح "الحزب الذي قلّمت أظافره" استخداماً مخفّفاً، بالمقارنة مع ما حصل في تشرين الأول والثاني من تصاعدٍ للعمليات الحربية التي أدّت إلى خسائر بشرية وعمرانية واقتصادية متعددة، فتوقّف استعمال هذه الجملة ليحلّ بديلاً عنها استعمال تعبير "القضاء التام على حزب الله وانتهاء المقاومة".
إن الفئة التي استخدمت هذا التعبير اللغوي/ المجازي، هي الفئة التي كانت تنسب كل الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية في لبنان للمقاومة، منذ حادثة اغتيال الحريري مروراً بالأزمة السورية والأزمات الاقتصادية، وإفلاس الدولة وسرقة أموال المودعين ومشاكل التهريب على الحدود، وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت، كانت التهمة الجاهزة دائماً أن حزب الله هو السبب والمسبّب لكل ما يحصل في لبنان والعالم العربي، لذلك استُخدم هذا التعبير كنوعٍ من الشماتة بما آلت إليه الأمور.
تفنيد: الحرب جولات ومعارك، لم يخسر الحزب الحرب المستمرة في الصراع مع العدو الإسرائيلي، ويكفيه فخراً ثباتُه واستمراره في مواجهة المشروع الصهيوني المستمر منذ قرنٍ من الزمان. إنّ مسار التاريخ ليس تصاعدياً على الدوام بل يحدث له ارتجاعات وارتدادات، والتجارب الصعبة تصقل القدرات والثقة والاستفادة من دروسها تعيد بناء القوة والتماسك وتطور السياسات والتكتيكات.
ليس هناك تاريخ محدّد للتوقيت الذي بدأ فيه شيوع هاتين الكلمتين واستعمالهما كإدانة وشتيمة. ربما بعد أحداث 7 أيار من العام 2008 حين ثار حزب الله بوجه المتآمرين عليه في حرب 2006 وما تبعها من أزمات حكومية وسياسية، ونشوء 8 و14 آذار، واعتصام ساحة رياض الصلح، وظهور حزب الله كطرفٍ سياسي قوي في الداخل اللبناني. صار تعبير "فائض القوة" شعاراً مرحلياً يستخدمه الإعلام المعادي للمقاومة، ويستخدمه بعض الأشخاص والمذيعين والسياسيين، ويمرّ في نشرات الأخبار والتحليلات السياسية، كاتّهام شنيع يهدف لتشويه سمعة المقاومة. ودخلت هاتان الكلمتان في قائمة المصطلحات الخاصة التي كانت تستخدم للنيل من سمعة المقاومة والتصويب عليها. بعد أيلول 2024 كانت الفرصة ذهبية ومناسبة جداً للانتقام والثأر من هذا المصطلح، الذي طالما أوجع مطلقيه وحرمهم من أمنيات كثيرة. استبدُلت صورة حزب الله بتعبيرات أخرى: حزب الله الذي فقد قوّته وسلاحه وقيادته وعناصره/ حزب الله بلا قوة/ حزب الله بلا أمينه العام/ الضاحية المدمّرة مع معظم قرى وبلدات الجنوب والبقاع/ حزب الله يتوسّل الهدنة/ حزب الله الأسد الجريح/ الضعيف/ المكابر/ العاجز أمام سطوة التقنيات الإسرائيلية الهائلة/ ... استُعملت هذه الجمل والتعابير مراراً على القنوات المحلية والعربية وفي الصحف والمواقع الإخبارية لتصف الصورة الجديدة لحزب الله.
ثمة إشارة هنا، إلى الفترة التي أعقبت ظهور الشيخ نعيم قاسم كأمين عام جديد للحزب، مقدّما خطاباً خالياً من مصطلحات الهزيمة أو الانكسار، ومصراً على استكمال النهج المقاوم. ماذا فعل الإعلام المعادي؟ بدا كأنه لم يستوعب موقف الحزب، ولا يريد أصلاً سماع هذا الخطاب المصرّ على نهجِه، فروّج مصطلح "المكابرة" وعاد إلى ترويج صورة الحزب المهزوم والمكسور والسائر في طريق الانتهاء.
تفنيد: بالاستناد إلى الخطاب الرسمي للقيادة الجديدة للمقاومة، فإن الحزب استطاع ترميم قدراته وخسائره وهيكليته، وما زال يحتفظ بالقوة التي كانت لديه سواءً على مستوى القدرات السياسية، بما يمثّله من وزن ومن حجم في البرلمان وفي الحكومة، أم على صعيد القدرات العسكرية التي فرض تفعيلها، في الأسبوع الأخير من المواجهة، على العدو وقف العدوان.
ترويج شعار الحزب الذي دمّر لبنان
في الأسابيع التي تلت بدء العملية العسكرية ضد لبنان، ومع الهمجية الصهيونية غير الموصوفة وكثرة المجازر والجرائم، وهدم المباني وتجريف المناطق وتفخيخ الأحياء، كثر الحديث عن توصيف حزب الله بأنه "الحزب الذي دمّر لبنان". إن مطلقي هذا التوصيف لم يشاهدوا حجم التوحّش الإسرائيلي ولم يجرؤوا على إدانة الإجرام الإسرائيلي، بل استعاضوا عن ذلك باتهام المقاومة بأنها سبب تدمير لبنان. لم تستحِ قنوات وفضائيات متعددة من تكرار أسئلة معيّنة على بعض الشخصيات، من قبيل: ألا ينبغي أن يثور المجتمع اللبناني بكل أطيافه للوقوف بوجه حزب الله الذي دمّر لبنان بشعاراته الزائفة وأفعاله غير الموزونة؟
كان الإعلام الإسرائيلي أول من أطلق هذا الشعار الذي صار يروّج له يومياً عشرات المرات، من خلال القول المباشر إن حزب الله هو المسؤول عن الدمار والحرب والجرائم وهو المتسبب بها. تكفي مراجعة بسيطة للسلوك الإعلامي الذي انتهجَهُ القادة الصهاينة في خطاباتهم قبل الحرب وخلالها وبعدها، ليدرك المرء أن الشعارات والتوصيفات كانت تصدر عن الإعلام الإسرائيلي، ثم يتلقّفها الإعلام المؤيّد لطروحاته مثل قنوات العربية وإم تي في وغيرهما.
تفنيد: هذا الشعار ليس بحاجة إلى تفنيد. الكل يعرف أن حزب الله هو من حرر الوطن وحارب العدو نيابة عن الأمة العربية والإسلامية جمعاء. حزب الله هو الذي قدم المساعدات خلال الأزمة الاقتصادية وبعدها. حزب الله هو الذي حارب داعش عندما هدّدت لبنان، وهو الذي فرض استرجاع السيطرة على الثروات النفطية والغازية في البحر، المشكلة في هذا الشعار هي عند من يتبنّاه لأنه يدل على شريحة لبنانية محدودة تؤيّد المشروع الصهيوني ولا ترى في إسرائيل عدواً، لكنها تملك آلة إعلامية ودعماً اعلامياً خارجياً.
شكّلت كلمتا "النصر" و"الانتصار" عقدة نفسية كبيرة للأطراف المعادية للمقاومة منذ العام 2000. ترسّخت هذه العقدة بعد حرب 2006 وما نتج عنها من أدبيات عالمية معجبة جداً بالنصر الذي جعل "زمن الهزائم يولّي" كما قال الشعار الأبرز للمقاومة. ثم كالعادة، كما أشرنا، سَرَت الحساسية العالية تجاه كلمة "النصر/الانتصار" من المجتمع الإسرائيلي إلى المجتمع العربي والمحلي الكاره للمقاومة ولرموزها وأدبياتها.
في 7 أيار 2008 جرى الحديث عن نصرٍ للمقاومة في بيروت. في حرب سورية التي استمرت حوالي سبع سنوات جرى الحديث عن "نصر". في معركة فجر الجرود في لبنان حُكي كثيرا عن "نصر" لحزب الله. ومع كل حكومة جديدة كان يُحكى أيضاً عن انتصار حزب الله. حتى إبّان الأزمة الاقتصادية الصعبة التي عصفت بالمجتمع اللبناني في 2019 و2020 وما تلا ذلك، حُكي كثيرا عن انتصارات الحزب الذي حفظ أمواله في (القرض الحسن)، وحافظ على مجتمعه خلال أزمة الكورونا. وصل الأمر بالبعض إلى كراهيةِ الكلمة بحدّ ذاتها بعد أن باتت لصيقة بالمقاومة ومجتمعها. لذلك جاءت الفرصة للمرة الأولى، كي يثأر كل الكارهين من مصطلح النصر والانتصارات كمفردةٍ لغوية.
صار الإعلام المعادي يستعمل الكلمة للسخرية والشماتة. وهناك إعلاميون كثيرون صاروا يلفظون الكلمة وهم يضحكون بتشفِ وشماتة وفرحة! لذلك كان الحرص كبيراً على إعادة التموضع لهذه الكلمة/العقدة في عقول الكثيرين. شدّد الإعلام الكاره للمقاومة على أن زمن النصر قد ولّى، وأنه جاء زمن الهزيمة القاضية وانتهى الحزب! وصل الأمر ببعض المذيعين والمذيعات إلى القول بصراحة: "على الحزب وأتباعه أن يكفّوا عن استخدام مصطلحات النصر والانتصار".
الطريف في الأمر هو خروج التعبير وردّات الفعل من إطار الكلام إلى إطار السلوك، فلن ينسى أحد مشهد النائب غياث يزبك من القوات اللبنانية، وهو يضرب على وجهه أثناء استماعه إلى كلام النائب حسن فضل الله عن انتصار المقاومة على الرغم من كل الجراح.
تفنيد: تدلّ السخرية من كلمة النصر والانتصار على حالة نفسية متغلغلة في أذهان البعض من الذين لا يرون في التجربة العربية إلّا تكدّس الهزائم والانكسارات. هؤلاء الساخرين اعتادوا على الإحباط والهزيمة والذل والتبعية وهذا ما جعلهم لا يشاهدون الانتصار ولا يعترفون بوجوده أصلاً. حتى هزيمة إسرائيل في لبنان في العام 2000 وفي 2006 أوجعتهم ومارسوا أمامها حالة من الإنكار والمكابرة. نستذكر هنا الرد النموذجي عليهم "من أراد أن يعيش الهزيمة فليعشها، هو حر، ولكن اتركوا المنتصرين لأفراحهم وسعادتهم بما أنجزوه". هنا أيضاً تكمن المشكلة في الآخر لأنه عاجز عن فهم عقيدة المقاوم الذي يرى في الشهادة انتصاراً، وهذا هو الفارق. تعلمنا من الثورة الحسينية أن الفوز يكمن بإحدى الحسنيين: (الانتصار على العدو أو الشهادة) وأحياناً بكليهما معاً عندما يكون الإنجاز معمداً بالدم.
السلاح الذي لم يجدِ ولم يحقق أهدافه
مفردة "السلاح" كانت أيضاً ضحية معركة كلامية لم تنتهِ. بعد ربع قرن من الجدال والاتهامات السخيفة بشأن سلاح المقاومة وعدم جدواه وتصويبه نحو الداخل اللبناني، جاءت همجية الحرب الإسرائيلية الأخيرة بنتائجها العسكرية، لتزيد شعاراً توصيفياً جديداً إلى الواقع الإعلامي المعادي. صارت الجمل والعبارات المعتمدة بدءً من أيلول 2024: السلاح الذي لم ينفع المقاومة/ السلاح الذي دمّر الجنوب وبيروت والضاحية والبقاع/ السلاح الذي أثبت عدم جدواه/ السلاح الذي لم يؤتِ ثماره/ السلاح غير الموجود...الخ. (لا يمكن التغافل هنا عن بعض التأثيرات الجانبية التي حصلت لدى بعض الشرائح في المجتمع المقاوم، من الذين تأثّروا بهذا الكلام اقتناعاً ولو بسيطاً). وجاءت نهايات الحرب بالشكل الذي انتهت إليه، من وقف العمليات العسكرية وإطلاق اليد الإسرائيلية للتفخيخ والنسف والتهديم، لتدعّم الصورة التشكيكية بقدرة السلاح الحقيقية. وصل الأمر إلى استحضار الشعار الانتخابي والنيابي "نحمي ونبني" للقول بأنه انقلب إلى عكسه تماماً. فالحزب لم يحمِ ولن يحمي ولن يبني! والحق كله على فشل السلاح في تأدية الدور الذي كان مؤمّلا منه.
تفنيد: لقد حقق السلاح أهدافه من خلال منع العدو من الاستمرار في الحرب والتوسع في الاحتلال، وبدليل الرعب الذي عاشه المجتمع الصهيوني على مدى شهرين متواصلين بسبب استهدافات المقاومة للعمق الصهيوني. صحيح أنه لم يحق أهدافه المرجوّة بسبب بعض الضربات، ولكن يكفي تأمّل ما حصل يوم الأحد السابق لوقف الحرب، حين انهمرت الصواريخ على تل أبيب.
هذا توصيف جديد ولد في خريف 2024 ولم يكن موجوداً من قبل. كرّر الإعلام غير المقاوم شعاراً توصيفياً جديداً هو "حزب الله تُرك وحيدًا" وتخلّى عنه كل الذين كانوا يتقرّبون منه أو يوالونه ويدعمونه وبعض الذين دعمهم أيضاً. كانت الإشارة المباشرة تتجه نحو سورية وإيران كقوّتين إقليميتين. سوّق الإعلام العربي والمحلي هذا الشعار التوصيفي الذي استخدم لأكثر من هدف. استخدمه البعض للنيل من الموقف السوري، فيما استخدمه آخرون للسخرية من إيران واتهامها باتهامات كثيرة، منها عدم المناصرة الفعّالة في وقت الشدّة، والاكتفاء بالدعم الكلامي.
وبموازاة تعميم الشعار "تُرك وحيدًا" جرى ترويج مفردات أخرى كالخذلان والخيانة والعمالة والضعف. ولئن كانت الوقائع والظروف على الأرض وفي الميدان تختلف عن التوصيفات، إلّا أن بعض هذه التوصيفات سلكت طريقها نحو المجتمع المقاوم، المثقل بهمومه وفجائعه، فتلقّفهاً البعض مصدّقاً ومتأثّراً.
ولكن: مع انتهاء الحرب وسقوط النظام السوري، ومع تداعي تركيا وقطر والسعودية والإمارات وأميركا وإسرائيل وأوكرانيا والشيشان وغيرهم للحصول على حصّة لهم في سورية، ومع الإبادة الإسرائيلية المستمرة في غزة والضفة، والتهديد المستمر للعراق وإيران، بدا واضحاً أن المقاومة ستغدو وحيدة إلى حدٍ ما، وسط محيطٍ لم يعد كالسابق أبداً.
تفنيد: من يطرح هذا الشعار لا يملك معلومات ميدانية بقدر ما يكرر عبارات مستهلكة. فحزب الله لم تتخلّ عنه سورية في بداية حرب الإسناد لأنها كانت تتكفل بتأمين المدّ المادي واللوجستي. إيران بقيت حاضرة تماماً وما زالت، شارك العراق بقدر ما يستطيع، واليمن لم يقصّر. إذا كان لهذا الشعار أن يطرح، فينبغي الإشارة إلى أن المقاومة تُركت وحيدة من قبل الأنظمة السياسية العربية وغير العربية، التي تتمنى زوال المقاومة وخذلانها وانفكاك الشعوب من حولها. ومن باب التذكير، فإن المقاومة كانت ولا زالت مطلب حقٍ شرعي وقانوني لا يختلف عليه عاقلان، ومهما حصل فإنها لن تترك وحيدة كخيارٍ وكنهجٍ مستمر ودائم، فهي تمثل خيارات الشعوب المستضعفة والتي ترفض وجود الاحتلال على ارض فلسطين.
الحزب الذي خرج على الدولة أثناء قوته وعاد إليها متوسلا بعد ضعفه
سلك هذا التوصيف مسلكاً تصاعدياً زمنياً، بمعنى أنه أصبح أكثر رواجاً واستخداماً مع مرور الوقت. في الأسابيع الأولى للحرب لم يكن موجوداً بقوة، ومع بدء الحديث عن ضرورة إيقاف الإجرام الإسرائيلي ووضع حدّ له، وتحرّك الجهود الوسيطة في الساحة المحلية والدولية، استثمر الإعلام المعادي هذا التوصيف للنيل من حزب الله والثأر من كل تاريخه وشعاراته حول القوة والنصر والتمكين والقدرات. كان بعض المذيعين والمذيعات يقرؤون الكلام أو يسألون السؤال وملامح وجوههم ونبرات أصواتهم وكيفية أدائهم تفضحهم. وهذه تفاصيل لا تظهر من خلال نصٍ مكتوب إذ ينبغي مشاهدتها عياناً. كأن تمطّ المذيعة كلماتها وتضغط على بعض الكلمات وتطلق ضحكة شماتة وتقول ساخرة إن حزب الله "يتوسّل المساعدة من الدولة اللبنانية التي لم يعترف بها من قبل" "الحزب الذي كان دولة بداخل الدولة يستجدي اليوم وقفًا لإطلاق النار". إن مفردتي التوسل والاستجداء وردتا بحرفيتهما في السياق الإعلامي الخاص بهذه المسالة.
تفنيد: لم يتوسّل الحزب أحداً ولن يتوسّل، العدو الإسرائيلي عانى من الضغوط الاجتماعية والمعنوية والسياسية مثلما عانى المجتمع اللبناني، مع الفارق بين الاحتضان الجماهيري والمجتمعي للمقاومة، بين مجتمع المقاومة ومجتمع العدو الصهيوني. المقاومة تعطي الدولة اللبنانية فرصة تلو الأخرى للتأكد من نوايا العدو، ولإقامة الحجّة على المجتمع الدولي الذي لا يستطيع أن يضمن العدو ولا وعوده وأن المقاومة جاهزة للرد حينما تشاء وتقرر.