استفادت فرنسا كثيرا من الأحداث في ليبيا وسوريا والعراق وبروز داعش لتعزز حضورها البعيد المدى في غرب آسيا، فبعدما كانت قد أخرجت منتصف الثمانينيات من آخر قاعدة لها في لبنان ومن غرب آسيا، بقيت تعمل عسكريا تحت شعار الأمم المتحدة اليونيفيل وتمسكت بهذه المهمة حتى لا تصبح خارج نطاق مستعمراتها السابقة في المنطقة كليا، وبقيت حتى العام 2014 تقريبا تسعى لإقامة قواعد لها في غرب آسيا إلا أن الحضور الأمريكي الطاغي وتنازع السياسات الفرنسية الأمريكية وتذبذبها في عهد الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك جعل فرنسا مبعدة عن الترتيبات التي كانت تنظمها الولايات المتحدة في المنطقة. ورغم أن علاقاتها العسكرية بأغلب دول الخليج والتي شملت بيع طائرات وأنظمة سلاح بحري وإلكتروني كانت جيدة، إلا أنها بقيت دون حضور دائم إلا بعد العام 2014 عاما الإعلان عن التحالف الدولي ضد داعش، حيث استغلت فرنسا الوضع لتقيم قاعدتين مهمتين الأولى في الظفرة في دولة الإمارات والثانية في الأردن في قاعدة الملك فيصل بن عبد العزيز الجوية المعروفة بقاعدة الرويشد والتي تقع بلدة المفرق الأردنية شمال شرق الأردن، في منطقة لا تبعد كثيرا عن المثلث العراقي السوري الأردني وقاعدة التنف المشهورة الموجودة في سوريا.
القاعدة الفرنسية في الأردن
بقيت هذه القاعدة سرية حتى الاعلان عنها قبل أيام عندما زار الرئيس الفرنسي ماكرون القاعدة وتناول العشاء مع الطيارين والفنيين الفرنسيين الذين يعملون فيها. ويضم الجناح الفرنسي في القاعدة سربا من 6 طائرات ميراج 2000 و8 طائرات رافال المتطورة ومركز للتحكم والقيادة والسيطرة. ويضم المطار أيضا قسما أمريكيا يدير عملية طائرات الاستطلاع غير المأهولة في سماء الاردن وسوريا والعراق والتي تتجسس على إيران سوريا العراق لبنان. وكان أحد العسكريين الاردنيين السابقين المعارضين للنظام الاردني قد كشف في شباط 2023 عن وجود مطار قريب من قاعدة الرويشد الجوية يستخدم كمدرج وكمركز قيادة وسيطرة للطائرات المسيرة الاسرائيلية والامريكية كما يدير عمليات الاستطلاع الجوي واستهداف وسائط النقل التي تتحرك من إيران إلى سوريا ولبنان عبر العراق.
وتمتلك فرنسا أيضا تسهيلات بحرية بقاعدة تدريب القوات المسلحة الأردنية في الحميمة وهي قاعدة بحرية تقع على بعد 65 كيلومترا من قاعدة العقبة البحرية. وقاعدة الحميمة هذه جرى فيها في ربيع العام 2013 تمرين إرساء ثم إبرارا لسفينة القيادة الفرنسية وحاملة طائرات المروحية تونير مع كامل مجموعتها المرافقة بالإضافة إلى الجنود السبعمائة الذين كانوا على متنها، وزوارق الابرار والمروحيات. وكانت حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول قد زارت ميناء العقبة للمرة الأولى قبل عام بالتمام في 23-12-2022 بعد إنهائها المناورة الثانية مع حاملة الطائرات الامريكية جيرالد فورد المسماة بمناورة "أنتاريس" تضمنت تمرينا على نقل القيادة وإدارة عملية رصد ومكافحة المسيرات في البحر الاحمر.
كما جرى في 2 أبريل 2021، تنفيذ مناورة مشتركة بين حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول زارت ميناء العقبة وحاملة الطائرات الامريكية دوايت دي أيزنهاور، مع الجناح الجوي 3 للحاملة ومجموعة حاملة الطائرات الضاربة، قناة السويس إلى البحر الأحمر لدعم عملية الحل المتأصل والتي شملت مناورات لعدة أيام مع حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول وقطع بحرية مصرية وسعودية وأردنية على كيفية التصدي للطائرات المسيرة دون طيار في البحر الأحمر.
خلاصة واستنتاج:
يعتبر الكشف الآن عن وجود عسكري فرنسي دائم في الاردن وسيلة دعائية فرنسية لإظهار أنها لا زالت قوة عظمى تمتلك حضورا ونفوذا في غرب آسيا. أما المهمة الفعلية لهذا الوجود العسكري الفرنسي البحري والجوي الفرنسي في الاردن فترتبط باحتياجات عسكرية استراتيجية امريكية تتضمن:
- حماية أمن الكيان المؤقت.
- تثبيت أمن الملاحة الغربية والتابعة في الممرات البحرية في البحر الاحمر والخليج.
- مكافحة المسيرات التي تعمل في البحر الاحمر وفي منطقة المثلث الاردني السوري العراقي ضد التحالف الذي تقوده واشنطن وضد كيان الاحتلال.
- المساهمة في مراقبة العمليات اللوجستية البرية بين إيران ولبنان وبين إيران وسوريا.
يبقى الأخطر هو وجود المنشأة الجوية الاستطلاعية الامريكية الصهيونية في منطقة تواجد القاعدة الفرنسية التي تحتوي 14 طائرة فرنسية هجومية متطورة ومتعددة المهمات. فهل أن من مهمات السرب الفرنسي الجوي الموجود في قاعدة الرويشد الحفاظ على تنسيق وعلاقة عملية بالمنشأة الامريكية الصهيونية الموجودة في محيط القاعدة؟
الكاتب: غرفة التحرير