يشكل العدوان الإسرائيلي على غزة تحديًا للنظام الأردني بسبب مخاطر الخطط الإسرائيلية القاضية بتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الأردن ومصر، وهو خطر يهدد الأمن القومي الأردني والعربي ككل حكومات وشعوبًا ويتمثل بنجاح الإسرائيليين في القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية والاستفراد بالمدنيين وبالتالي إزالة حائط الصد الأول من أمام الصهاينة.
ويتقاطع موقف الشعب الأردني المندد بقوة بالعدوان الإسرائيلي على غزة ورفض أي خطط لتهجير الفلسطينيين مع الموقف السياسي للملك عبد الله بن الحسين وحكومته، ويتفاوت موقفه بالنسبة لـ "السلام مع إسرائيل" و "نهج المقاومة"، فيما يمضي الموقف الرسمي الأردني بالخيارات الأمريكية المتمثلة بـ "حل الدولتين" لتسوية القضية الفلسطينية، وبربط الأردن بعلاقات وثيقة أمنية وسياسية واقتصادية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومع المنظومة الغربية عامّة وبالولايات المتحدة الامريكية خاصّة بقيادة "العائلة الهاشمية" التي كان لها دور إيجابي في قيام "إسرائيل"، ومن ثمّ إخراج هذه العلاقة إلى العلن عبر توقيع الملك حسين بن طلال اتفاقية وادي عربة 1994 مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين التي تنظّم شكل علاقة الدولتين، وتنص على أن الهدف هو "تحقيق سلام عادل وشامل بين البلدين استناداً إلى قراري مجلس الأمن 242 و338 ضمن حدود آمنة ومعترف بها"، فيما حقيقة الأمر تتلخص في تسهيل الاتفاقية لدور الأردن كضامن أمني لكيان الاحتلال بفضل موقعه الجغرافي، حيث تمتد الحدود بينهما بطول 360 كيلومترًا، وتحاذي الضفة الغربية والمستوطنات والمدن الإسرائيلية، المحافظات الأردنية إربد والبلقاء ومادبا والكرك والطفيلة و العقبة، ولذلك يحتاج كيان الاحتلال إلى أنّ يأمن ظهره بسبب العمق الجغرافي الأردني للفلسطينيين، ويوجد ترتيب سياسي مناسب مع النظام الأردني يحول دون ظهور مكونات سياسية "ثورية" مناهضة له، ويمنع "الجهود المتصاعدة من جانب إيران وحلفائها لضعضعة الاستقرار الداخلي في المملكة واستغلال الوسط الأردني لتهريب وسائل قتالية إلى الضفة. وعمليًا أهمية الأردن الجغرافية الإستراتيجية يرى فيها المحور الراديكالي البطن الطرية للمعسكر المؤيد لأمريكا في المنطقة، بسبب حقيقة أنّ أكثر من خمسين بالمئة من سكانه هم من أصل فلسطيني. وفي ضوء الازمات الاقتصادية والتوترات الاجتماعية في المملكة، فإن ضعضعة النظام الأردني تخدم مصالح استراتيجية واسعة في المعركة على طبيعية المنطقة وفي المواجهة مع إسرائيل".
سنضيئ في هذه المقالة المرفقة أدناه، على الموقف الأردني من الصراع القائم ما بين محور المقاومة وخاصّة الجمهورية الإسلامية والعدوان الإسرائيلي على غزة، وتسخير عمان لموقعها الجغرافي في التصدي للهجمات الصاروخية التي تستهدف "إسرائيل" حاليًا، ومحاولتها الموازنة بين التماهي مع الشعور القومي العربي تجاه الفلسطينيين للسيطرة على الشارع الداخلي والحفاظ على صورة النظام لدى الأردنيين، وبين الدور الوظيفي المطلوب منه بالحفاظ على أمن كيان الاحتلال انسجامًا مع مقتضى تحالفه مع الولايات المتحدة ومتطلبات اتفاقية السلام.
الخلاصة
لدى النظام الأردني أسلوبه الخاص لتبرير العلاقة مع "إسرائيل" ودوره الوظيفي الواضح في الدفاع عن "إسرائيل" خاصّة بعد طوفان الأقصى، فهو يأتي في "سبيل تخفيف مغالاة الصهاينة واقناعهم بالسلام مع العرب"، و"في ظل المنهجية العدوانية الإسرائيلية في غزة ومنهجية قتل فكرة السلام أصبح يرى (الأردن) في العلاقة مع إسرائيل وسيلة لحفظ مصالحه وخدمة الأشقاء الفلسطينيين، وهو موقف صنعته سياسة حكومات إسرائيل خلال أكثر من عقدين من الزمن، وهذا الرأي قابل للتغير أردنيا للتعامل الإستراتيجي مع فكرة السلام إذا ما تغيرت أولويات من يحكم كيان الاحتلال". وبالمحصلة يعود الأمر إلى المعتقدات التي يؤمن بها صناع القرار الأردني، ودور الملك وحاشيته المحسوبين على النظام الحالي الموالي للغرب والولايات المتحدة، وهم يفضلون الحماية الأمريكية والعلاقة السياسية والاقتصادية مع "إسرائيل" التي تعود عليهم بالمصالح، ويعملون داخليّا على استدامة هذا الوضع بمنع التحديث السياسي والاتكال على الخارج لمعالجة الأزمات الاقتصادية وإبقاء الطبقات المتوسطة والنخب الشعبية والفكرية خارج إطار المشاركة الفعلية في بناء الدولة، وإطلاق يد المكون الأمني في التعامل معها بدلًا من أن تفتح لها أبواب المسؤولين وتبادل الحوار ومشاركة القرار.
لذلك يحسب النظام الأردني وضعه السياسي بدقة كيما يحافظ على وضعيته الحالية إلى جانب التحالف الأمريكي "الإسرائيلي" في المنطقة العربية، ويتجنب الألغام ويتفادى أي خطوة ناقصة مثل قيامه منفردًا بالتصدي عسكريّا لإيران أو لحركات المقاومة في فلسطين، أو التورط بأدوار تؤثر على مكانته الحالية وتغيّر من الموقف السياسي الحالي لأطراف محور المقاومة بتجنيب الأردن الاستهداف المباشر، لمعرفته بأنّ أسلحة المحور من الصواريخ والطائرات يمكن أنّ تستهدف عمان كما تستهدف كيان الاحتلال والقواعد الأمريكية في المنطقة. وهو يتجنب أيضًا كسر الشارع الأردني المؤيد للمقاومة، ويتعامل بمزيج من دغدغة الشعور القومي عبر استنكار الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ويبعث بالرسائل التي تفيد التزامه بالسلام مع "تل أبيب" "و "يسوّق إلى أن الحراك تدعمه أيادٍ خارجية، وتحاول الزج بالشارع الأردني إلى الانحراف عن الوقفات الاحتجاجية السلمية إلى مظاهرات تدعو إلى الفوضى والاعتداء على الأمن الأردني، الذي يحاول مساعدة المحتجين"، في سعي منه لضبط هذا الحراك لكي لا يفرز خلايا "ثورية" تعمل على دعم فصائل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وقد أَلْفَتَ إلى ذلك كثير من المسؤولين الإسرائيليين محذرين من تشكّل جبهة في الأردن تعمل على تغذية المقاومة في الضفة وإمدادها بالدعم اللوجستي على أنواعه.
والنظام الأردني ممثلًا بالملك وحاشيته وحكومته ليسوا مضطرين إلى المجاهرة بدعمهم لكيان الاحتلال، طالما أنّ التنسيق الأمني والاقتصادي يفي بالغرض، وآخر أمثلته تأمين طريق الإمدادات التجارية لكيان الاحتلال عبر أراضيه انطلاقًا من الإمارات والسعودية. وهو في اعتراض دفاعاته الجوية للهجمات الإيرانية وهجمات محور المقاومة ضدّ "إسرائيل" يبرّرها بحجة انتهاك السيادة على الأجواء الأردنية وحماية السكان من الأجسام الطائرة، وأّنّ موقفه منها هو نفسه إذا ما كانت هذه الصواريخ والمسيرات تأتي من الجانب الإسرائيلي، في موقف مضلل ومخادع لأنّ الاتفاقات الأمنية والعسكرية بين الطرفين (الأردني والغربي عامّة) تجعله في انحياز للطرف الإسرائيلي ضدّ إيران ومحور المقاومة، تجسيدّا للدور الوظيفي الذي ارتضاه لنفسه.
لتحميل المقال
الكاتب: ناصر الحسيني