قد تكون هذه الحرب الدائرة على أراضي قطاع غزة من أكثر حروب جيش الاحتلال فشلاً مقارنة بحروبه السابقة، فيقف الجيش عاجزاً أمام عمليات المقاومة النوعية في كل مناطق توغله رغم الكثافة النارية. وتنفذ المقاومة الفلسطينية يومياً، عمليات تفجير وإطلاق نار ضد قوات الاحتلال المتوغلة بمناطق شمال وجنوب القطاع. لم يتمكن جيش الاحتلال طوال أيام حربه البرية من السيطرة كلياً على مناطق زعم أنها أصبحت تحت سيطرته خاصة فيما يتعلق بحي الشجاعية وبلدتي بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين.
إذا ما حاولنا تكثيف الوقائع العسكرية منذ بداية المناورة البرية، يمكننا الجزم أن الاحتلال يراكم عناصر فشل منها ما هو بنيوي منظوماتي يرتبط بالجيش والأفراد وكفاءاتهم، ومنها ما هو تشغيلي يرتبط بالخطط المعدة والمنفذة والتي باتت تتغير يومياً لترميمها وإعادة تكييفها مع الواقع والميدان.
الفشل البنيوي المنظوماتي
- افتقاد الجنود لعنصر الكفاءة: منذ بدء الغطاء الجوي بالانحسار لإفساح المجال للقوات البرية النخبوية للعمل الهجومي، برز بشكل واضح أن الجندي الإسرائيلي غير مُعدّ للقتال الفردي، بل يعتمد على القتال الجماعي الذي يستخدم طاقة نيران كبيرة والعمل ضمن قطيع الذي يقضي على مبادرة الفرد، ويكشف لياقاته الفردية كمقاتل. بالإضافة إلى ذلك، تميزت هذه الحرب منذ الأيام الأولى بارتفاع لافت لعدد الجنود الصهاينة القتلى بنيران صديقة.
- الحرص على الحماية المفرطة للذات: برزت في الأسبوع الخامس للحرب عدد من الأمراض التي يعاني منها العديد من الجنود الإسرائيليين بسبب بقائهم لفترات طويلة داخل الدبابة أو المدرعة، التي باتت تُعتبر مكان مبيتهم، وذلك لأسباب تتعلق بسلامتهم الشخصية وليس بالجهوزية، حيث إن معظم التقارير تفيد بأن الجندي لا يعمل أكثر من 4 إلى 6 ساعات يومياً. وفي إطار الحديث عن الدبابات دمرت المقاومة الفلسطينية عدداً لا يقل عن 20 دبابة يومياً، في بعض الأيام 37 وقد قارب مجموع الدبابات والآليات المدمرة الـ 740 حتى يوم السبت 22-12-2023.
الفشل التشغيلي
- تخطيط العمليات: يبدو من عدة عناصر ترتبط بأصل هذه المعركة، أن الإسرائيلي لا زال يكرّر نفس الخطأ منذ تموز 2006، وهو أنه لا زال مصراً على القتال كجيش نظامي بواسطة التكنولوجيا الفائقة لمجموعة متجانسة من أكفأ منظّمات حرب العصابات في العالم إذا أردنا أن نحدد نتائج الفشل والاختلال ميدانياً، يمكننا الإشارة إلى التالي:
أ- كمائن المقاومة المتتالية في الشجاعية والعدد الكبير من الضباط والجنود الذين قتلوا فيها.
ب- كمين شارع النصر- مستشفى الشفاء ومجزرة المدرعات والدبابات الذي نفذته المقاومة بالجيش الإسرائيلي.
ج- استدراج قوة من الوحدة 551 في بداية الحرب البرية إلى نفق معد للتفجير في بيت حانون، وإيقاع خسائر نوعية بهذه الوحدة السرية.
د- تفجير جحر الديك عندما قام المقاومون بزرع عبوات شديدة الانفجار بمخيم منامة للعدو وتفجيره بعد انسحاب المقاومين بسلام.
ه- فشل ثلاث محاولات إبرار بحري بظروف عسكرية ومناخية ملاءمة جداً للصهاينة.
و- التعديل المستمر بالخطط الحربية وخاصة في منطقتي العمليات الوسطى (الشجاعية حي الزيتون) والجنوبية (شرق خان يونس ودير البلح).
ز- فشل عملية تحرير جثث الجنديين المعتقلين في خان يونس، والتي دفع ثمنها جيش الاحتلال 4 قتلى من أجل تحريرهما.
ح- قتل جيش الاحتلال ثلاثة أسرى من الجنود الصهاينة الذين فروا من المقاومة واستنجدوا برفاقهم في الشجاعية، إلا أن ر فاقهم قتلوهم لقلة الخبرة، وعدم وجود بروتوكول للتعرف على الرفاق.
- الإدارة اللوجستية للمعركة: برز في هذه المعركة عدد من الاختلالات في إدارة العمليات اللوجستية العسكرية، حيث إن صِغر مساحة القطاع الجغرافية وقربه من مستعمرات الغلاف، جعل التموين العسكري والعمل اللوجستي والغذاء يعتمد على نظام يلبي الطلب بشكل يومي أي كل 24 ساعة، وهذا ما تنبّهت له المقاومة في الأيام الأولى للحرب ووضعته ضمن برنامجها اليومي الثابت، حيث ركّزت على طرق قوافل التموين وعلى مخازن الذخائر الميدانية التي كانت توضع في العراء داخل شاحنات.
يمكننا إعطاء سِمة "الفشل المتراكم" لهذا القتال الطويل الأمد، الذي أطلقته الآلة العسكرية الإسرائيلية منذ بداية العملية البرية، عندما بدأت أرتال الدبابات والمدرعات التقدم ببطء شديد، إلى حمى قطاع غزة تحت ستار الآلاف من الطلعات الجوية وعشرات الآلاف من الضربات المدفعية البرية.
الكاتب: غرفة التحرير