لطالما حلُم الكيان المؤقت وسعى إلى تطبيع العلاقات مع العراق بشكل خاص. إلا أنّ المجتمع العراقي الذي ينتمي بأغلبيته إلى المرجعيات الدينية والتيارات القومية، لم يسمح لأي رئيس، قبل صدام وبعده، وعلى الرغم من نفوذ الولايات المتحدة بعد احتلال العراق، لم يسمح لهم من فرض التطبيع. منذ عهد الشهيد آية الله السيد محمد صادق الصدر الذي رفع الثلاثية المشهورة: كلا كلا أمريكا.. كلا كلا إسرائيل.. كلا كلا للشيطان..، لم يكن رفض إسرائيل باعتبارها جبهة باطل هي مجرد شعار وفتوى دينية، بل كان شعارًا سياسيًا تمّ تحويله إلى قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل عام 2022، وقم تم التصويت على هذا القانون المقدم من اللجنة القانونية بدفع من كتلة التيار الصدري بإجماع الحاضرين. وكان السيد علي السيستاني وهو صاحب المرجعية الأكبر الآن في العراق، قد طرح القضية الفلسطينية خلال لقاء بابا الفاتيكان عام 2021. أما على خط الأحزاب القومية، فلطالما كان لها موقفًا صريحًا وواضحًا، بعدما هدد باستهداف الولايات المتحدة في العراق في حال تدخلت في فلسطين. وهو ما حصل.
القانون الذي جاء في الفترة التي نشطت فيها اتفاقات أبراهام، يهدف إلى "الحفاظ على المبادئ الوطنية والإسلامية والإنسانية في العراق، نظرًا للخطورة الكبيرة التي تترتب على التطبيع مع "الكيان الصهيوني" المحتل أو الترويج له أو التخابر أو إقامة أي علاقة معه. ويستهدف قطع الطريق أمام كل من يريد إقامة أي نوع من أنواع العلاقات مع "الكيان الصهيوني" المحتل، ووضع عقاب رادع بحقه، والحفاظ على وحدة الصف بين أبناء الشعب وهويته الوطنية والإسلامية". وبعد التصويت، كانت لافتة الأجواء الاحتفالية من قبل النواب العراقيين داخل البرلمان، كما خرج العراقيون إلى الشوارع احتفالًا بالتصويت على قانون "تجريم التطبيع"، وهكذا، حسم هذا القانون حالة الجدل في المشهد العراقي بشأن قضية التطبيع، وأوصد الباب أمام أي ضغوط خارجية، كما أكد أن العراق عصيّ على أي محاولات اختراق وضغوط غير مسبوقة، من أي جهة كانت، سواء محلية أو إقليمية أو دولية.
الواقع أن الموقف العراقي المعادي لإسرائيل بدأ منذ العهد الملكي في ثلاثينيات القرن الماضي حيث تواصل الجهد السياسي الحكومي للعمل من أجل منع صدور أي قرار يسعى إلى تقسيم فلسطين أو النيل من حقوقها، فضلًا عن احتضان قيادات العمل الوطني المقاوم في فلسطين في العراق، ومشاركة الجيش العراقي في معارك سنتي (1947-1948م)، واستبساله في الدفاع عن المدن والقرى الفلسطينية، وتشكيل لجان عراقية داعمة للقضية الفلسطينية على المستوين الإعلامي التعبوي، والمادي. واستمر هذا الدعم إلى اليوم حيث يشهد العراق موجات احتجاجية يسميها العراقيون "فزعات"، على خلفيات المجازر التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في غزة بعد عملية طوفان الأقصى التاريخية وعبور حماس إلى الأراضي المحتلة. ليستكمل الموقف العراقي كصفعة قوية للولايات المتحدة التي طالما ارادت الوصول بالعراق إلى مرحلة التطبيع والانتهاء من أزمة عدوّ عقائدي جديد لإسرائيل، من شأنه أن يشكّل على الكيان خطرًا أمنيًا أيضًا، وهو ما حصل بالفعل لدى إعلان العراق جزءً من محور القدس، وجزءً من المعادلة الإقليمية في معركة زوال إسرائيل.
ميدانيًا، في أول استجابة لمجزرة مستشفى المعمدانية، أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق عن مهاجمتها للقاعدة الأميركية في عين الاسد في الانبار بطائرات دون طيار. وقد اعترفت القيادة الوسطى الأمريكية بوقوع إصابات بين افرادها في هجوم بمسيّرتين غرب العراق، زاعمةً بأن قواتها دمرت مسيّرة ثالثة شمال العراق دون وقوع إصابات.
وليس آخرًا، يؤكّد العراقيون في المواقف السياسية والميدانية أن "القضية الفلسطينية هي قضية لكل فصائل المقاومة". وقد أكدوا أنهم في موقع واضح من دعم هذه القضية. "رايات تحرير فلسطين ستنطلق من العراق إن شاء الله". يقول رئيس تحالف الفتح هادي العامري.
الكاتب: غرفة التحرير