المتحدث الرسمي لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، أبو عبيدة، الملثّم الذي لا تخفي جرأته وصلابته الكوفيّة الفلسطينية التي اعتاد على ارتدائها منذ أول ظهور إعلامي له عام 2006، عندما أعلن عن تمكن كتائب القسام من أسر الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط، وهو من أوائل المدرجين على لائحة الاغتيال الإسرائيلي، والتي عملت "إسرائيل" على استهدافه لعشرات السنوات، وظّفت بها جهودها الاستخباراتية والعسكرية وفشلت.
لُقّب أبو عبيدة بهذا الاسم تيمُنًا بالصحابي أبو عبيدة بن الجراح "فاتح القدس".
وقد عجز كيان الاحتلال عن اغتيال "أبو عبيدة" لسببين: أولهما عدم قدرته للوصول إلى معلوماته الشخصية (الاسم والشهرة، صورته، تاريخ الميلاد..)، والثاني عدم معرفة تفاصيل تحركاته نتيجة الغموض الأمني الكبير الذي يُحاط به، حتى باتت "إسرائيل" تبحث عنه في وجوه الفلسطينيين، إذ من الممكن ان يمر أمام ناظري أي جندي او ضابط إسرائيلي دون ان يتعرّف عليه.
وكانت بعض وسائل الاعلام الإسرائيلية قد نشرت تفاصيل حول مكان ولادة "أبو عبيدة" ونسبته إلى بلدة نعليا في غزة، وقَدّرت ان عائلته تستقر في جباليا شمال شرقي غزة، وقد قصف منزلها أكثر منزلها في عامي 2008 و2012.
أبو عبيدة قائد الحرب النفسية
"يُرفع حظر التجول عن تل أبيب ومحيطها لمدة ساعتين من الساعة العاشرة وحتى الساعة الثانية عشرة ليلاً، وبعد ذلك يعودوا للوقوف على رجلٍ واحدة" ربما لن ينسى المستوطنون القابعون في الملاجئ هذا الصوت الذي أنذرهم ببدء الحملة الصواريخ التالية بعد ساعتين، وهو الخطاب الذي اعتُبر بمثابة رأس الحربة في "الحرب النفسية".
شكّل خطاب أبو عبيدة ورقة ضغط استعملتها حماس بكل حرفية في معركة "سيف القدس"، وهو ما يُعد تطورًا كبيرًا في الخطاب الإعلامي لكتائب القسام، وقد استطاع أبو عبيدة توظيف العناصر الاعلامية للخطاب من خلال:
- استعمال المصطلحات المحددة والمناسبة لكل حدث، والتي كانت بمثابة ضربة أخرى موازية للضربات الصاروخية، ويأتي في الطليعة استعماله لعبارة "قصفكم أسهل علينا من شربة الماء"، وهي دلالة على قدرة المقاومة تنفيذ ما تهدد به، بسهولة جرأة، دون خوف من إمكانيات الجيش الإسرائيلي، وهي علم بقدراتها وطريقة استغلالها على أكمل وجه.
- الظهور الإعلامي الذي اتسم بالصلابة والثبات بالموقف: قيادة المقاومة تمهل العدو حتى السادسة مساء وقد أعذر من أنذر، والتي ترجمت فعليًا مع بدء الضربة الصاروخية الأولى كدلالة على حزم موقف المقاومة منذ اليوم الأول للمعركة.
- خاتمة الخطاب التي لم تكن اقل حديّة من بدايته، وهذا ما ينم على التناسق الكبير في متن الخطاب، فعادة ما كان يختم كلامه بعبارة "وإنه لجهاد نصر أو استشهاد"، وهي جملة الشهيد عز الدين القسام حين حاصره البريطانيون وطلبوا منه الاستسلام في أحراش "يعبد" قرب جنين، فبقي صامداً لـ6 ساعات قبل استشهاده مع رفاقه عام 1935.
- لغة الجسد: تميّز أبو عبيدة برصانته وشخصيته الثابتة الغامضة، المستترة خلف اللثام الفلسطيني الذي غطى به وجهه كتطبيق لمبدأ "احمي فلسطين وتحميني"، إضافة لنبرة الصوت القوية والحازمة التي خلقت توقيتًا خاصًا به "بتوقيت أبو عبيدة"، فكانت كل فلسطين من شمالها إلى عمق الكيان المحتل تستمع إليه في وقت واحد.
- ترجمة الخطاب فعليًا على الأرض حيث شكّل ارباكًا للقيادة الإسرائيلية بعدما فقدت مصداقيتها، حيث بات المستوطنون يصدّقون "أبو عبيدة" أكثر مما يصدقون القادة والمسؤولين الإسرائيليين، فعندما يقول سنضرب تكون الصواريخ قد استهدفت العمق المحتل، فيما قضى رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو طيلة 11 يومًا يهدد بشل قدرة حركة حماس على إطلاق الصواريخ ولم يفعل.
الكاتب: غرفة التحرير