لم تغفل الفصائل الفلسطينية يومًا عن نوايا كيان الاحتلال بشن الحروب على قطاع غزة، فعملت خلال السنوات السبع التي تلت الحرب الأخيرة على غزة عام 2014 على تطوير قدراتها العسكرية لمواجهة الاعتداءات القادمة.
فقطاع غزة والذي شهد على مدى 14 سنة ثلاثة حروب فعلية بدءًا من حرب 2008 مرورًا بحرب 2012 ووصولًا إلى حرب 2014، هو اليوم يخوض حربا أخرى قلبت في معادلاتها موازين القوى في فلسطين، فبعد أن كان جيش الاحتلال رابع أقوى جيش في العالم، يمتلك من الآلات والعتاد العسكري ما يؤمّن له التفوق العسكري في المنطقة، بات اليوم أشبه بعجوز لم تعد قادرة على حمل عكازاتها لتعود من حيث أتت.
فصائل المقاومة في فلسطين، دأبت منذ بداية المواجهات - من الانتفاضة الأولى وصولًا إلى أحداث اليوم- على استعمال وسائل قتالية عديدة في مواجهة جيش الاحتلال، بدءاً من الحجر والزجاجات الحارقة (المولوتوف)، وصولاً إلى الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة والمفخخة والتي عملت على تطوير وصناعة العديد منها محلياً لمواجهة الحصار المفروض عليها.
وعلى الرغم من التطور العسكري الذي يتمتع به جيش الاحتلال، إلا أنه حتى اليوم ما زال عاجزاً عن إيجاد حلٍ لأسلحة المقاومة الفلسطينية، حيث فوجئت قواته بنوعية وكمية الأسلحة التي استخدمتها حركة حماس في الحرب الأخيرة على غزّة، رغم من الحصار الخانق الذي تفرضه "إسرائيل" على قطاع غزة.
فكيف تطورت قدرات المقاومة وحركة حماس العسكرية منذ حرب 2008 إلى اليوم؟
2008 "حرب الفرقان"
في السابع والعشرين من العام 2008 أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن بدء حملة عسكرية واسعة على قطاع غزة وأطلق عليها اسم "الرصاص المصبوب"، وذلك بعد تنفيذه لغارة جوية نتج عنها استشهاد ستة أعضاء من حركة حماس، في خطوة خرقت فيها قوات الاحتلال تهدئة دامت ستة أشهر بين حماس وكيان الاحتلال. وردًا على ذلك قامت المقاومة الفلسطينية بضرب أكثر من 130 صاروخًا في اليوم الأول على مناطق في المدن الجنوبية المحتلة.
هذه الحرب والتي دامت لـ 22 يومًا والتي أسمتها حماس "حرب الفرقان"، أطلقت فيها 980 صاروخًا بحسب التقديرات الإسرائيلية، تنوعت بين 340 صاروخ قسام المحلي الصنع، و422 قذيفة هاون من العيار الثقيل (120مم) إضافة إلى 98 قذيفة وصاروخ مضاد للدبابات، إلا أن أيًا من هذه الصواريخ لم يصل إلى العمق الإسرائيلي.
وقد أسفر عنها بحسب اعتراف الكيان الإسرائيلي مقتل 13 جندي وإصابة أكثر من 100، فضلًا عن تدمير نحو 47 مركبة قتالية من دبابة، عربة، مدرعة وجرافة.
حرب 2012 "حجارة السجيل"
بعد ثلاثة أعوام على وقف إطلاق النار وبعد مفاوضات جرت بين كل من حماس والكيان الاسرائيلي بوساطة دولية، لم تتوقف "إسرائيل" عن ممارسة الاعتداءات بحق الفلسطينيين العُزّل، إلا أن اغتيالها لرئيس حركة حماس في غزة "أحمد الجعبري" عبر استهداف سيارة كان يستقلها في الرابع عشر من تشرين الثاني في العام 2012 أشعل فتيل الحرب من جديد.
وعقب عملية الاغتيال، أعلنت حركات المقاومة في فلسطين وخصوصًا حركة حماس اندلاع الحرب والتي أطلقت عليها تسمية "حجارة السجيل"، فقصفت خلال سبعة أيام -مدة الحرب- أكثر من 1456 صاروخ وقذيفة طالت العمق الإسرائيلي ووصلت إلى مدينتي تل أبيب والخضيرة والتي تبعد حوالي 70 كلم عن قطاع غزة، وذلك بصاروخ G-180 التي كشفت عنه حركة حماس آنذاك.
إضافة إلى ذلك، فقد استخدمت الحركة صواريخ فجر 5 الإيرانية الصنع وغراد الروسية فضلًا عن كل من صاروخ قسام المتطور وقذائف الهاون. وكانت السلطات الإسرائيلية قد اعترفت بمقتل ستة من جنودها وجرح ما يزيد عن 240 آخرين في العملية التي أطلقت عليها "عامود السحاب".
حرب 2014 "العصف المأكول"
لم تصمد قوات الاحتلال في العام 2012 بوجه ضربات المقاومة، وعملت بعد وقف إطلاق النار على تشديد الخناق على حركة حماس بهدف منعها من الحصول على الصواريخ البعيدة المدى، خاصة وأن الحركة استطاعت آنذاك بالوصول إلى مدن إسرائيلية في العمق "الآمن".
في هذه الأثناء، أقدمت فصائل المقاومة على خطوة جديدة تمثلت بحفر الأنفاق، الامر الذي تفاجأت به قوات الاحتلال في الحرب التي شنتها في العام 2014 على قطاع غزة تحت اسم "الجرف الصامد".
لكن جيش الاحتلال لم يصمد، فبعد أسبوعين من بدأ الحرب أعلن رئيس وزراء الاحتلال آنذاك بنيامين نتنياهو بدء عملية التوغل البري بهدف السيطرة على النقاط التي تتمركز فيها المقاومة، إلا أنه مُني بخسائر كبيرة أجبرته بعد واحد وخمسين يومًا على التراجع إلى خارج القطاع والقبول بشروط المقاومة لوقف إطلاق النار.
وإضافة إلى الأنفاق والتي تعتبر النقلة النوعية العسكرية للمقاومة، إلا أن خلال هذه الحرب التي أسمتها حماس بـ "العصف المأكول" أُطلق أكثر من 8000 صاروخ، وصل العديد منها إلى ما يبعد 150 كلم عن قطاع غزة أي مدينة يافا المحتلة، كما استطاعت هذه الصواريخ أن تُكبد الاحتلال خسائر فادحة كان أبرزها توقف الرحلات من وإلى مطار تل أبيب.
ولم تكتفِ المقاومة عند هذا الحد، فقد كشفت عن عدد من الطائرات المسيرة من طراز أبابيل لم تتمكن منظومات الدفاع الإسرائيلية من اكتشافها إلا بعد أن اخترقت العمق الإسرائيلي بأكثر من 30 كلم، وهي على ثلاثة أنواع:
A1A: طائرة استطلاع مسيّرة
A1B: طائرة هجوم وإلقاء مسيّرة
A1C: طائرة هجوم وانتحار مسيّرة
كيان الاحتلال يخطئ من جديد
وعلى الرغم من الخسائر التي لحقت بجيش الاحتلال الإسرائيلي على الأقل منذ العام 2008، إلا أن هذا الكيان لم يتعلم الدرس، فعاود الكرة مراتٍ ومرات وكانت النتيجة الأحداث الأخيرة التي تشهدها فلسطين اليوم. فمنذ شهر تقريبًا، والتوتر يعم مدن فلسطين المحتلة، قطاع غزة، الضفة الغربية، اللد، الخليل وأراضي 48 وغيرها، إلا أن المفارقة هذه المرة كانت بالطريقة التي بدأت بها الحرب.
فبعد أن كانت "إسرائيل" هي التي تحدد نقطة البداية والنهاية، بات قائد أركان كتائب القسام محمد الضيف الآمر الناهي، و "إسرائيل" كلها في قبضة يده.
ومع وصول الحرب -التي أسمتها حماس "سيف القدس" في حين أطلق عليها "كيان الاحتلال "حارس الأسوار"- إلى يومها السابع، فقد تجاوز عدد الصواريخ التي ضربت بها المدن المحتلة أكثر من 3000 صاروخ من بينها صواريخ جديدة تُستخدم للمرة الأولى، إضافة إلى طائرة "شهاب" المحلية الصنع والتي استهدفت منشآت ومواقع عسكرية إسرائيلية دقيقة.
اليوم، ومع ما تشهده الساحة المشتعلة في فلسطين يقف كيان الاحتلال في موقف صعب فهو عاجز عن التراجع من أجل حفظ ما بقي من هيبة في الوقت الذي يعجز فيه عن التصدي لصواريخ المقاومة، ما دفعه إلى استهداف المدنيين والوحدات السكنية وزعمه أنها مواقع عسكرية لفصائل المقاومة.
الكاتب: غرفة التحرير