تدفع معظم المؤشرات التي تعكسها تطوُّرات الأزمة في النيجر إلى سيناريو محتمل؛ مفاده اتخاذ إيكواس إجراءً تصعيدياً بالتدخل العسكري الإقليمي في البلاد، وهو الإجراء المدعوم من قبل الغرب، بما في ذلك باريس وواشنطن، وذلك في ضوء تمسُّك قادة الحراك العسكري في النيجر بالانطلاق نحو مرحلة جديدة تتجاوز الرئيس “بازوم” الذي يصر هو الآخر على تمسُّكه بمنصبه، وسط سياق إقليمي مضطرب ومنقسم – ولو بشكل نسبي – ومرشَّح للمزيد من الاضطراب في حالة تعرُّض نيامي لعملية عسكرية.فقد تتطوَّر هذه الأحداث إلى حرب إقليمية تُعزِّز السياق المأزوم في المنطقة، كما قد تُهدِّد بتفكك إيكواس وانهيارها عقب احتمال انسحاب بعض دولها الأعضاء، مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري؛ وذلك بجانب توتر العلاقات الإقليمية البينية في منطقة الساحل التي ربما تكون عرضةً لمزيد من العسكرة، وهو ما يُعمِّق أزماتها على جميع المستويات، بما في ذلك تصاعد نشاط الإرهاب الذي ربما يُهدِّد مستقبل الدولة الوطنية في الساحل التي تعاني في الأساس من اختلالات جوهرية عميقة ربما تدفع نحو اختفائها خلال العقود المقبلة.
في هذه الدراسة ثمة متابعة لحالة التحرر في النيجر تخلص إلى أنّ:
- صعود حركات التمرد العسكرية في افريقيا عموما والغرب والساحل خصوصا، بداية بمالي وبوركينافاسو، وغينيا كونكري، وصولا الى النيجر، ووصولها الى السلطة، يستهدف القضاء على النفوذ الاستعماري الغربي (الفرنسي والامريكي والاوروبي) والسعي لفرض أسس جديدة لبناء جبهة دفاع مستقلة عن الهيمنة الغربية.
- حركات التمرد العسكرية التي نجحت في الوصول الى السلطة في مالي وبوركينافاسو وغينيا والنيجر، نجحت في خلق نموذج جديد في المواجهة مع النفوذ الغربي الذي سيطر لسنوات طويلة على موارد وثروات هذه الدول ودمر بناها التحتية، وحاصرها في سلة الفقر والتخلف والانهيار الاقتصادي، على الرغم من امتلاكها لمقومات كثيرة للثروة، والموارد الطبيعية.
- يقدم قادة النيجر الجدد كما دول الجوار المؤيدة للحراك العسكري نموذجا جديدا في التحدي والمواجهة للنفوذ الغربي وقيوده المفروضة منذ سنوات طويلة، وهذا دليل على ان الرغبة في التغيير والتطور لتحقيق السيادة والاستقلال بعيدا عن سطوة الغرب المستكبر، لم يعد مجرد حلم او طموح سياسي بل أصبح رغبة حقيقية لدى أجيال من الشباب الافريقي الذي لم يعد يتقبل العيش تحت وطأة الهيمنة والاستعمار الغربي المستمرة.
- يُتوقع قيام العسكريين الجدد في النيجر بإعادة تشكيل علاقات بلادهم بالقوى الفاعلة الإقليمية والدولية المعادية للهيمنة الغربية، من خلال التقارب مع موسكو، والصين، وإيران وغيرها من القوى الصاعدة - المعادية لسياسة الاستكبار الغربية -على حساب استبعاد النفوذ الغربي الاستعماري من البلاد.
-تأييد الحراك العسكري في النيجر من قبل العديد من دول الجوار (مالي، بوركينافاسو، غينيا)، إضافة الى رفضها لاي محاولة للتدخل العسكري في النيجر تشير الى بناء معادلة جديدة قوامها الدفاع المشترك بين مجموعة من الدول التي نجحت في تغيير أنظمتها السياسية السابقة التي كانت تعتبر "أنظمة عميلة للغرب" وفرنسا بالدرجة الأولى.
- اعلان مالي وبوركينافاسو وغينيا استعدادهم لمواجهة ايكواس المدعومة فرنسيا في حال تدخلت عسكريا في النيجر قد تعصف بهذه المجموعة نهائيا، وقد تكون دافعا أكبر لتمتين الترابط والشراكة العسكرية والأمنية مع روسيا وغيرها من القوى الصاعدة (الصين، إيران وغيرها...) وبالتالي بداية لتأسيس " استراتيجية دفاع مشترك" ولما يشبه " نظام دفاعي جديد" في مواجهة الغطرسة والهيمنة الغربية، وبالتالي سيكون هزيمة حقيقية ونهاية للنفوذ الفرنسي والغربي في غرب افريقيا والساحل.
الكاتب: غرفة التحرير