الواقع أن مصير الوجود العسكري للولايات المتحدة في النيجر بات مهدّدًا، في ظل التجارب السابقة لمالي وبوركينا فاسو، عندما طردت القوات الأجنبية من أراضيها. واللافت أن لهجة الولايات المتحدة تجاه انقلاب النيجر، تختلف تمامًا عن لهجة الفرنسيين العدائية. في حين تعمل الولايات المتحدة على استخدام أصدقائها الذين درّبتهم في الجيش النيجري، والذين أيدوا الانقلاب، لتقريب وجهات النظر بهدف الحفاظ على وجودها العسكري في النيجر وخاصة قاعدة الطائرات المسيرة.
من الصعب معرفة ما إذا كانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا الإيكواس ستنفذ تهديداتها بعدما عزمت التدخل لإعادة الرئيس المخلوع بازوم ورجل فرنسا الأول في النيجر. تقول المؤشرات بأن هذه الدول تملك جيوشًا ضعيفة وعلى رأسهم نيجيريا التي تتزعم المجموعة، والتي يجري فيها انقسام داخلي كبير حول قرار التدخل في حرب إقليمية على النيجر. خاصة أن بوركينا فاسو ومالي هددتا بالقتال إلى جانب الانقلابيين الذين يدعمهم الشعب النيجري بشكل كامل تقريبًا، إذ يمكن أن تشاهد التظاهرات المؤيدة للانقلاب على فرنسا يوميًا في النيجر. كما يمكن أن تشم رائحة أصدقاء النيجر الجدد من الأطراف الدولية.
هذه الحرب الإقليمية التي يُحشد لها، تثير تساؤلات في الأروقة السياسة الأمريكية عما إذا كان على الولايات المتحدة مغادرة قاعدتها الاستراتيجية، والتي تدعي أنها حاسمة لعمليات مكافحة الإرهاب الإقليمية. علمًا أنه كان لافتًا تسجيل انخفاض العمليات الإرهابية وأعمال العنف لدى خروج القوات الفرنسية والأمريكية من مالي وبوركينا فاسو. حيث كانت تغذي الجماعات التكفيرية لوجستيًا بهدف عدم تحقيق الاستقرار للإبقاء على قواتها هناك، ولمزيد من الإنهاك لهذه الدول التي تنهب ثرواتها.
تقع القاعدة الأمريكية بالقرب من مدينة أغاديز الشمالية الصغيرة. وهي نقطة الانطلاق الرئيسية لجميع عمليات الاستخبارات والمراقبة التي تقوم بها واشنطن تقريبًا في غرب إفريقيا، وقد تم إيقاف أسطول الطائرات الأمريكية بدون طيار في المنطقة الإفريقية منذ الانقلاب، وذلك بعد قرار المجلس العسكري بإغلاق المجال الجوي في النيجر. ويعود الوجود الأمريكي في النيجر إلى العام 2002، عندما كانت إدارة بوش الابن تختتم ما يسمى "الحرب العالمية على الإرهاب". وكانت الفكرة أن الولايات المتحدة ستشنّ حربًا وقائية وتحصل على مصدر الهجمات الإرهابية المحتملة، لكن منذ ذلك الوقت بدأت الجماعات المتطرفة تزداد حجمًا وزخمًا في العمق الإفريقي. وقد وصلت ذروتها عام 2011 بعد تدخل الناتو في ليبيا، الجارة الشمالية للنيجر.
وبحسب التقارير، أنفقت واشنطن 110 ملايين دولار لبناء هذه القاعدة، وقد أوضح المسؤولون الأمريكيون أن البنتاغون لن يغادر النيجر بمحض إرادته. حيث قال مسؤول أمريكي لرويترز بأن "الطريقة الوحيدة التي تنتهي بها هذه المهمة هي إذا طلبت منا حكومة النيجر المغادرة". وحتى الآن يبدو أن المجلس العسكري قد اختار عدم الدخول في معركة مع واشنطن، خاصة أن ثمة جنرالات في الجيش النيجري يبدو أنها تلعب دور التهدئة بين واشنطن وأصحاب القرار السياسي للانقلاب. ويتم حاليًا التركيز على تمزيق أوصال الاتفاقيات مع فرنسا وخاصة العسكرية منها، وقد طالب قائد الانقلاب عبد الرحمن التياني القوات الفرنسية بالمغادرة، لكنها رفضت سحب 1500 جندي بحجة أن أي قرارات يتخذها المجلس العسكري غير شرعية.
إلى ذلك، يرى العديد من المحللين في مراكز الفكر الأمريكية بأن الولايات المتحدة ستضطرّ "على الأرجح" إلى مغادرة النيجر في حال قررت دول الإيكواس غزو النيجر. عندئذٍ ستشهد البلاد حربًا إقليمية "ستضع وزارة الدفاع الأمريكية في موقف صعب" كما أشارت سارة هاريسون من مجموعة الأزمات الدولية في لجنة عقدت مؤخرًا برعاية منتدى تجارة الأسلحة. وقالت هاريسون إنه في حالة حدوث غزو، من المرجح أن تضطر واشنطن إلى الانسحاب فقط من أجل قضية حماية القوة على الأقل. وترجع بالذاكرة إلى سقوط "بلاك هوك" في العراق بنيران صديقة عام 1994 وما ترتّب عليها من تكاليف سياسية و"أخلاقية". كما أنه في حال لم يتمّ عكس الانقلاب، سيُجبّر الأمريكيون على المغادرة بسبب صعوبة تحقيق الدعم السياسي على المستوى الداخلي الأمريكي خاصة في ظلّ تعدّد الجبهات التي تشعلها الولايات المتحدة في وجه روسيا والصين.