جاء القرار في الدستور الجديد للدولة الواقعة في غرب إفريقيا خطوة متطورة لدولة إفريقية فقيرة لطالما سيطر عليها المستعمر الفرنسي. إذ صادقت المحكمة الدستورية في باماكو على النتائج النهائية للاستفتاء الذي أجري الشهر الماضي حزيران يونيو، على مسودة الدستور. وكانت الحصيلة النهائية موافقة 96.91% من الناخبين. من الآن وصاعدًا لن تكون اللغة الرسمية لمالي هي الفرنسية. وتمّ الاعتراف رسميًا بـ 13 لغة مستخدمة داخل البلاد.
منذ آب أغسطس 2020 وأيار مايو 2021، حدث انقلابان حكم على إثرهما قادة عسكريون بعد حوالي عقد من عدم الاستقرار السياسي والأمني برعاية الفرنسيين، الذين قاموا بغطاء من البنك الدولي عام 2007 بمصادرة حق حكومة مالي بالتصرف بثرواتها من الذهب بحجة عدم امتلاك البلاد لوسائل التنقيب. وفي عام 2017، بلغت نسبة صادرات الذهب 70%، لكن حكومة باماكو لم تحصل إلا على 8% من الناتج المحلي.
واليوم، يعتبر إقرار الدستور الجديد بمثابة إعلان عن قطع العلاقات مع فرنسا. ويصرّ المجلس العسكري على أن الدستور الجديد ضروري لإعادة بناء البلاد، ووعد بالعودة إلى الحكم المدني مع إجراء انتخابات في فبراير شباط 2024 بعد فشل خطة سابقة. إذ أعلن رئيس المؤقت عاصمي غويتا يوم السبت أن تنفيذ الإطار الدستوري يشير إلى بداية الجمهورية الرابعة في المستعمرة الفرنسية السابقة.
بحسب المعلن، كانت العلاقات بين باريس وباماكو قد تدهورت في السنوات الأخيرة مع تنامي المشاعر المعادية للفرنسيين في مستعمرات فرنسا السابقة في غرب أفريقيا نتيجة لمزاعم الإخفاقات العسكرية ضد الجهاديين والتدخل السياسي. إذ وسحبت فرنسا آخر قواتها من مالي في أغسطس آب 2022 منهية بذلك عملية عسكرية استمرت تسع سنوات في البلاد لمحاربة جماعات مسلحة. وفي أواخر ذلك العام أي بعد عدة أشهر، أمرت الحكومة العسكرية جميع المنظمات غير الحكومية سيئة السمعة في إفريقيا، بما في ذلك جماعات الإغاثة التي تمولها فرنسا، بوقف عملياتها في البلاد. خاصة وقد باتت هذه المنظمات وأصبحت أوكار تجسس لصالح الدول الأخرى. أما السبب المباشر الذي تم الإعلان عنه، فقد جاء هذا الإجراء ردًا على قرار باريس وقف مساعدات التنمية لباماكو بسبب مخاوف مزعومة بشأن تعاون مالي مع شركة فاغنر العسكرية.
وكانت مالي قد أعلنت رسميًا إنهاء العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية مع فرنسا وقطع اتفاقيات التعاون اعتبارًا من يناير كانون الثاني 2022 العام الماضي. كما أعلنت مالي انهاء مشاركتها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وانسحبت من استخدام الفرنك الإفريقي ودعت إلى الإغلاق الفوري للسفارة الفرنسية خلال 72 ساعة. وطردت محطات الإعلام الفرنسية RFI و France 2. ووفقًا لبيان صادر عن المتحدث باسم الحكومة بقيادة العقيد عاصمي غويتا، اتخذت قرار تأميم الأصول من الذهب وغيرها التي تعود ملكيتها إلى فرنسا والدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ويأتي الانسحاب من المجموعة بسبب العقوبات المفروضة على مالي. وجاء في البيان: "لن تكون فرنسا بعد الآن أسيادنا الاستعماريين". وهكذا أصبحت مالي أول دول إفريقية تقطع علاقاتها رسميًا مع فرنسا في إفريقيا.
الكاتب: غرفة التحرير