ترفض "إسرائيل" إلى الآن كل المساعي الأممية لوقف إطلاق النار، ليس فقط الوساطات العربية التي تأتي من جانب مصر والأردن وقطر، بل المساعي الأوروبية والأميركية أيضًا، مستمرة في تصعيد وتيرة القصف والغارات في استهداف الأحياء السكنية، فعلى الرغم من المحاولات المصرية لوقف إطلاق النار التي بدأت منذ اليوم الثاني لبدء المواجهات بين الجانبين، إلا أنها أصرت على المضي في التصعيد والدخول في المعركة دون ان تحدد بنك الأهداف التي ستعمل وفقه، وهذا ما لم تعهده خلال معارك وحملات عسكرية سابقة.
في ظل المعادلة الجديدة التي فرضتها الفصائل الفلسطينية، والتي اعتبرتها "إسرائيل" خرق لقواعد الاشتباك وتجاوزًا لمبدأ عزل القطاع عن القدس والضفة، بات جليًا ان رئيس وزراء حكومة الكيان بنيامين نتنياهو يسعى من خلال تأجيل وترحيل وقف إطلاق النار إلى تأطير وتحديد "صورة انتصار حركة حماس"، ومحاولة إحباط أي إنجازات استراتيجية لها.
لماذا لا تستجيب "إسرائيل" لوساطات وقف إطلاق النار؟
خاض نتنياهو هذه المواجهة على امل تحقيق هدف استراتيجي يتمثل بالسيطرة على "مسرح الحرب"، ومنع وصول التصعيد والمواجهات إلى داخل الكيان والضفة الغربية من جهة، واضعاف قدرات الفصائل العسكرية ووضع قواعد جديدة للعبة السياسية والميدانية على ساحة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من جهة أخرى.
ولان أي من هذه الأهداف لم يتحقق، وخيار التوغل البري والحسم العسكري غير وارد إطلاقًا، يرفض نتنياهو الاستجابة لمطالب وقف إطلاق النار التي ترعاها العديد من الدول، خاصة مع عجزه إلى الان عن تحقيق إنجاز واحد يمكنه استغلاله لمواجهة الرأي العام الإسرائيلي على اقل تقدير.
يستمر نتنياهو بترحيل اتفاق وقف إطلاق النار، على الرغم من الضغوط الأوروبية-الأميركية والتي قالها الرئيس الأميركي جو بايدن صراحة بانه "لن يصد الضغط العالمي طويلًا".
وذلك في محاولة منه لكسب الوقت والتخفيف من حدة انتصار حماس عبر اغتيال بعض قياداتها والتي أعلن انه قد فشل بذلك عدة مرات.
وفقا لتطلع نتنياهو وتوجيهات المستوى الأمني والعسكري في إسرائيل، فإن العدوان على غزة سينتهي في غضون أيام، وذلك من خلال وقف لإطلاق النار بشكل أحادي الجانب دون أي اتفاق ودون أي تفاهم بشأن تهدئة طويلة الأمد، على أن تقوم بمصر بتحديد والإعلان عن ساعة وقف إطلاق النار ودخولها حيز التنفيذ.
آلية وقف إطلاق النار
يسعى كيان الاحتلال إلى فرض شروط وساعة انتهاء المواجهات من جانب واحد، ليقدم نفسه على أنه صاحب القول الفصل، ولمنع حماس من السيطرة على عملية وقف إطلاق النار، وكدرس اكتسبه من الجولات السابقة، يسعى كيان الاحتلال إلى تجنب صياغة وثيقة بمبادئ التسوية قبل وقف إطلاق النار، ومن الواضح انه ليس من المريح لنتنياهو إنهاء الحرب على غزة بهذا الوضع دون تسجيل بعض النقاط وتحقيق جزء من الأهداف، وهو الذي خاض هذه المواجهة بدوافع شخصية للهروب من تهم الفساد، وإفشال حكومة يترأسها حزب "هناك مستقبل".
تستعد "إسرائيل" مرغمة لخفض العمليات العسكرية في القطاع غزة، في الساعات القادمة، بمحاولة لإنهاء الحملة نهاية هذا الأسبوع، حسب المحلل العسكري ألون بن دافيد، حيث يتجه الكيان إلى وقف لإطلاق النار بوساطة مصرية، على أن يتم الإعلان عنه والترويج له بشكل متدرج خلال الـ24 ساعة المقبلة، ليكون اليوم الخميس بمثابة تجربة واختبار للنوايا.
المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينيت)، والذي يقع على عاتقه اتخاذ قرار وقف العملية العسكرية، أجّل جلسته التي كانت مقررة مساء أمس الأربعاء، وهذا يشير إلى أنه لم يتخذ القرار بعد، وعلى الرغم من ذلك فإن تقديرات إسرائيلية قالت أن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ منتصف نهار الجمعة المقبل، على ان تشهد الليلة تكثيفًا للهجمات على القطاع بناء على الأوامر التي أعطاها وزير الدفاع بيني غانتس، بهدف إيصال رسالة إلى حركة حماس والفصائل بأن "إسرائيل" ليست مترددة في التعامل بقوة على الرغم من الضغط الدولي عليها.
أدركت "إسرائيل" متأخرة أنها عاجزة على فرض معادلات جديدة تغيّر ما ثبتته الفصائل بالقوة خلال المواجهات، فما لم تنجح على تحقيقه وإحرازه طيلة 10 أيام، لن يكن بمقدورها ان تنجزه في ساعات قليلة قبل وقف إطلاق النار، مع عدم قدراتها على إطلاق عملية عسكرية برية، بل اقتصار الحملة على الهجمات الجوية.
الكاتب: غرفة التحرير