انقطعت اللقاءات التفاوضية بين الوفد اليمني المفاوض والوفد السعودي في عمان، منذ شهر رمضان الفائت. وفي الوقت الذي يتوقع البعض عودة الوفد السعودي إلى صنعاء خلال الأسبوع القادم، ترجح مصادر مطلعة لموقع "الخنـادق"، ان لا جديد قد يدفع بجدية نحو نتائج جديدة قريبة مع عدم استطاعة الرياض اتخاذ موقف أكثر جرأة تتحرر خلاله جزئياً، من الهوامش الأميركية.
لم تتلقَ صنعاء جواباً شافياً من الرياض بعيد الزيارة الأخيرة للسفير السعودي محمد آل جابر. وعلى الرغم من التصريحات الإيجابية التي أغدقت بها وسائل الاعلام، فضحت السلوكيات نوايا المملكة في الحفاظ على الوضع الراهن والبقاء أطول وقت ممكن ضمن "دائرة الهدوء".
ترصد صنعاء بتأنٍ الحراك السعودي، الذي لم يخرج من دائرة المماطلة والمناورة. اذ ان الاشتباكات التي كانت تجري في جيزان والتي أدت إلى مقتل 4 جنود سعوديين تزامناً مع زيارة السفير إلى صنعاء، لم تكن عرضية، بل نهج تعتمده الرياض. اذ يأتي الحشد العسكري المستمر للميليشيات في المحافظات الجنوبية، كتزويد قوات "درع الوطن" بـ 80 آلية عسكرية، في إطار رغبة المملكة بالمضي بأجندتها القائمة على ترسيخ نفوذها في تلك المناطق من جهة، والوقوف بوجه الميليشيات المدعومة اماراتياً من جهة أخرى. وهذا، ما تقرأه صنعاء على انه احباط لجهود السلام.
تسعى الرياض إلى انقاذ نفسها من مستنقع الاستنزاف اليمني، لكن، على طريقتها. اذ ان ضمان تحييد جغرافيتها عن مسرح العمليات، واقصاء عمقها الاقتصادي من الضربات، إضافة لتثبيت نفوذها في الداخل اليمني، هو ما تتطلع المملكة إليه، أي السيطرة على ساحل البحر الأحمر، ركيزة استراتيجيتها البحرية.
ويعد تأمين هذا الممر البحري عنصراً حيوياً في طموح السعودية لترسيخ نفسها كمركز عالمي للسياحة والخدمات اللوجستية. كجزء من خطة رؤية البلاد 2030، بدأت المملكة في بناء مشروع سياحي كبير في البحر الأحمر في عام 2019. وأطلقت أوائل عام 2020، تحالف البحر الأحمر، وهو مجلس إقليمي يضم ثماني دول، والغرض منه وفق زعمها "دعم الاستقرار في المنطقة من خلال معالجة القضايا الأمنية مثل القرصنة والتهريب". وهو الدافع الذي أثار شكوك لاعبين رئيسيين آخرين في البحر الأحمر، مثل إيران وقطر وتركيا والامارات، لم يتم تضمينهم في الاتفاقية.
ولأن لكل داء دواء يستطب به، تدرك صنعاء مواجع السعودية جيداً ومواطن العلاج وكيفيته. اذ أكد قائد حركة أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي، على انه "في ظل المماطلة، فإن الشعب اليمني معني بالتصدي للعدوان والجاهزية لكلّ الاحتمالات في أي وقت... سنتخذ الإجراء العسكري أمام كل محاولة لنهب الثروات ولا أمان للسعودية دون استقرار اليمن... لا يمكن أن نستمر إلى مالا نهاية...".
أمران يحكمان الرد العسكري اليمني اذا ما اتخذ القرار بذلك. فقد تقدم صنعاء على الخيار العسكري بالتدرج. اذ انها قد لا تذهب لاستهداف الرياض في الضربة الأولى. لكنها ستستطيع تقدير الضربة الموجعة بما يضمن تحقيق الهدف منها. من جهة أخرى، تدرك صنعاء رغبة المملكة في حصر المعركة العسكرية ضمن الجغرافيا اليمنية. وعلى ضوء عدم قدرة الرياض ضمان عدم انتقال المعركة إلى مأرب تحديداً، فهذا بحد ذاته مأزق مزدوج لها.
فالتحالف يدرك ان التغطية النارية للطائرات هي ما أسهمت بصمود مديرية الوادي ومدينة مأرب، بعد سيطرة قوات صنعاء على 12 مديرية المتبقية. وبالتالي، فإن تدخل الرياض لتقديم الاسناد الناري للميليشيات على الأرض، سيعني دخول الرياض مجدداً ضمن دائرة الاستهداف. في حين ان عدم تدخلها سيعني سقوط المديريتين بوقت قياسي، وهو ما حشدت دول التحالف لمنعه.
ترتفع أسهم الخيار العسكري مع مرور الوقت. وعلى الرغم من مساعي عدد من الأطراف للتوصل إلى اتفاق يؤسس لوقف إطلاق نار شامل، يبقى الأمر مرهوناً بالجرأة السعودية وقدرتها على اتخاذ القرار الذي يجنبها مسرح العمليات مجدداً.