شكّل استهداف المستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين من جنوب لبنان هاجسًا عند النخب العسكرية والإعلامية من إمكانية الذهاب لمواجهة متعددة الساحات مع الفصائل الفلسطينية وحزب الله. ويذهب البعض إلى وصف حادثة الصواريخ التي أُطلقت من جنوب لبنان بـ "الفخ الاستراتيجي" الذي يحاول محور المقاومة جر الكيان المؤقت إليه، مستغلين الانكشاف الأمني والعسكري لإسرائيلي بسبب التشرذم الداخلي، فيما يتحدث كبار المحللين عن توسّع حدود الحرم القدسي ليشمل سوريا ولبنان، معلنين أنّ "أعداء إسرائيل قد زادوا التنسيق فيما بينهم، وأعدوا الأرضية للتصعيد. ومعترفين أنه إذا تم استدراج جيش الكيان الى جولة قتالية محدودة، يشارك فيها الجميع، كل بحسب قدرته، من داخل وخارج فلسطين، يكون المحور قد حقق نقلة نوعية. وانجازًا على مستوى وحدة الساحات والجبهات.
التحذيرات من حرب شاملة والجدل حول طبيعة الردّ
اللافت أن الصحافة العبرية شددت على تجنّب اندلاع تصعيد واسع مع حزب الله على إثر صليه الصواريخ التي انطلقت من جنوب لبنان. "إسرائيل لا تبحث عن حرب مع إيران"، هكذا قال عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس، إلا أنه "واضحٌ أيضًاً أنه في التوقيت الحالي، في ذروة إجازة عيد الفصح وحيث أن خلافات سياسية شديدة تشق الجمهور في البلاد إلى قسمين، فإن حربًاً في الشمال، إذا لم نتحدث عن مواجهة متعددة الساحات، تبدو وكأنها الأمر الأخير في العالم الذي تحتاج إليه البلاد". وأضاف "الأزمة الداخلية في إسرائيل تضر بردعها الإستراتيجي وتثير لدى خصومها تفكير بأنه يمكن تحديها باستفزازات عسكرية، لأن مجال المناورة للحكومة تقلص".
الحرس الثوري الإيراني يُظهر يده
قال جوناثان سباير في جوريزاليم بوست "إن الاطلاع على تفاصيل هذه الأحداث (حادثة مجيدو، واستهداف القوات الأمريكية في سوريا) يوضح مدى ارتباط كل الجبهات، وعلى وجه التحديد مدى تشكّل المصلحة الإيرانية التي يمثلها الحرس الثوري الإيراني ومركّباته المختلفة مشروعًا واحدًا، ومكوناته المختلفة تساعد وتعمل على أساسه، نيابة عن بعضها البعض بطرق عملية مختلفة".
المعركة على قواعد اللعب الجديدة
على موقع إسرائيل ديفينس قال عمير ربابورت إن " كلّ اللاعبين الإقليميين موجودون في ذروة معركة على "قواعد لعب" جديدة قد يمتدّ تأثيرها سنوات. المعركة على قواعد اللعب قد تنزلق بسهولة إلى تصعيد إقليمي متعدّد الساحات. وهذا هو الخطر الأمني الهائل الذي تحدّث عنه رئيس الحكومة ووزير الأمن (مع وقف التنفيذ) خلال اجتماع في قاعدة سلاح الجو".
أربع سيناريوهات للمرحلة المقبلة
الضابطان في الاحتياط عاموس يادلين واودي افينتال على القناة 12 رسما 4 سيناريوهات للفترة المقبلة ستكون الأكثر تأثرًاً بقدرة الحكومة الإسرائيلية على احتواء الأحداث في الساحة الفلسطينية، ومنع استفزازات اليمين المتطرف:
- استقرار الوضع الأمني -تمكنت إسرائيل من السيطرة على الأحداث في القدس واحتوائها دون وقوع إصابات، وإحباط عمليات إرهابية خطيرة كان من شأنها أن تتطلب رداً متصاعداً.
- تصعيد في الساحة الفلسطينية -حادث ارهابي خطير يشعل الساحة، حماس في غزة تنجر الى المعركة، الاحداث تمتد الى مناطق الخط الاخضر. تتجنب إيران ولبنان يمتنعان عن تحويل التركيز إلى الشمال وتترك الساحة الفلسطينية تشتعل.
- تصعيد في الشمال -تنجح إيران وحزب الله في شن هجوم مميت بطائرات مسيرة في الأراضي الإسرائيلية، الأمر الذي يتطلب منها الرد بقوة من أجل وقف التآكل المستمر في الردع ضدهما.
- الربط بين الساحات. إسرائيل تفشل في احتواء الساحة الفلسطينية، والمحور الراديكالي -إيران وحزب الله- يستغلان الأزمة الداخلية في إسرائيل والخلاف مع الولايات المتحدة لمهاجمتنا، معتقدين أنهم سيمكنهم السير حتى النهاية إلى ما دون عتبة الحرب الشاملة.
سيناريو يوم القيامة
نشر موقع "ماكور ريشون" مقالاً تحت عنوان: هجوم مشترك من سوريا والعراق ولبنان واليمن وغزة وداخل "إسرائيل": سيناريو "يوم القيامة"، للمستشرق الإسرائيلي الدكتور مُردخاي كيدار، الذي حذّر من أنّ إيران تخطط في المدى الزمني المنظور لشن هجومٍ مشترك على إسرائيل يشمل كل القوات المتاحة في (محور المقاومة)، أي حزب الله في لبنان، سورية، العراق، اليمن، غزة، الضفة الغربية". وأضاف كيدار "تحت ذريعة العالم الإسلامي بإنقاذ المسجد الأقصى من الاحتلال والقمع الإسرائيلي، ستُقوم إيران بهجومٍ متدرجٍ، شاملٍ، ومشتركٍ ومنسقٍ على إسرائيل. المرحلة الأولى ستكون وابلًا من الصواريخ والطائرات المسيَّرة من كل الساحات المذكورة، وسيرافقها هجوم سايبر على أجهزة بنى تحتية إسرائيلية. وبعد يومٍ كامل من هجوم سايبر ووابلٍ من الصواريخ والطائرات المسيرة التي ستصيب قواعد سلاح الجو، المخازن، قواعد الجيش، بنى تحتية للكهرباء، الحوسبة، الاتصالات، الطرق والمياه، ستبدأ المرحلة الثانية: هجوم بري منسّق من لبنان وسوريا وغزة، من قبل قوات مشاة، وراكبي دراجات ميدانية ورباعية، مسلّحين بأسلحة مضادة للدروع ويعبرون العوائق ويهاجمون القوات البرية الإسرائيلية بهدف الوصول بأسرع ما يمكن إلى مستوطنات يهودية".
وتابع المستشرق الإسرائيلي: "حساب الإيرانيين هو أن تجنيد الاحتياط سيستمر لأيام وكأقصى حد سيكون جزئياً بسبب الفوضى التي ستنتج في كل إسرائيل، وتعزيزات وحدات مخازن الطوارئ لن تصل في الوقت إلى الجبهات المختلفة، ولذلك ستنهار القوات النظامية خلال ساعات أمام الهجوم البري مثلما حدث في قناة السويس، وفي الجولان في حرب يوم الغفران. غزو قوات برية من سورية، ولبنان ومن غزة، سيتركز على مستوطنات إسرائيلية بهدف ضرب معنويات الجمهور الإسرائيلي وفرض استسلامٍ على الحكومة من أجل إنقاذ حياة الإسرائيليين الذين سيسقطون في أسر الميليشيات العربية والإيرانية... كما يتوقع الإيرانيون أن يقوم عرب الجليل والنقب بعمليات ضد الجيش الإسرائيلي والدولة". وختم بالقول إن "هذا السيناريو الخيالي يمكن أن يكون واقعيًاً... لكن حتى لو كان احتمال تحققه في المستقبل المنظور هو واحد في المائة فقط، يجب أن تعمل دولة إسرائيل كجسدٍ واحد، ومن المهم جدًاً أن يعمل الائتلاف مع المعارضة، من أجل إعداد الدولة لهذا السيناريو".
حرب الاستنزاف باستخدام استراتيجية "توحيد الجبهات"
قال الكاتب والصحفي الإسرائيلي، يوني بن مناحيم إن مهاجمة إسرائيل بالصواريخ خلال عيد الفصح من قطاع غزة وجنوب لبنان ليست سوى المرحلة الأولى في حرب الاستنزاف من قبل "محور المقاومة" بقيادة إيران ضد إسرائيل باستخدام استراتيجية "توحيد الجبهات". ويرى أن جولة القتال الحالية ليست سوى المرحلة الأولى في المخطط التدريجي لتدمير إسرائيل، وستأتي المراحل التالية لاحقًا. كما يعتبر أنّ محوّر المقاومة قد قام بتقييم وضع إسرائيل التي ضعفت بسبب موجة الاحتجاجات، وأن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع القتال على عدة جبهات في نفس الوقت والتعامل بنجاح مع هجوم بعشرات الآلاف من الصواريخ والصواريخ بعيدة المدى من عدة جبهات مصحوبة بموجة عمليات في الضفة الغربية.
الكاتب: غرفة التحرير