لم يخف الإسرائيليون عداءهم للجمهورية الاسلامية، فهم يرون في إيران تهديدا لوجودهم، ويرون بامتلاك ايران للأسلحة المتطورة يعني انها موجهة باتجاههم، ولا نرى ضبابية في هذا الامر، فايران تعلن عداءها لإسرائيل منذ انطلاق ثورتها عام 1979 وحتى يومنا هذا وترى في (اسرائيل) غدة سرطانية كما قال الامام الخميني الراحل من قبل، وان الصواريخ التي تحيط خارطة الصهاينة جميعها مصنوعة في ايران، وان قادة المقاومة يقرون بانها صواريخ اما ايرانية بالمباشر او صُنّعت بتعاون ايراني، وفوق ذلك يبشر القادة الإيرانيون بمواعيد "زوال إسرائيل" فالإمام الخامنئي وضع مدة (25) عاما لزوال اسرائيل كحد اعلى، والصهاينة من جهتهم يتفهمون هذه التصريحات ومدياتها.
فاذا كان الصهاينة يدركون بان الخطر الأكبر قادم من ايران، وهو خطر يتعدى الخصومة العامة بين الدول الى اعتبارهم كياناً مؤقتاً، ولابد له من الزوال، فلماذا لا يهجمون على ايران بما يمتلكون من اسلحة متطورة ونوعية، بالإضافة الى امتلاكهم مضادات جوية تتمثل بعنوانها الاكبر (القبة الحديدية)؟!
لم يقلق الإسرائيليون على السلاح النووي الذي امتلكته دولة اسلامية (الباكستان ) ولم نسمع يوما ان مسؤولاً صهيونياً صرح بانهم يخططون لهجوم على باكستان، ولا حتى باكستان قلقة من هذا الامر، رغم ان باكستان رفضت الاعتراف بإسرائيل.. لكن لا يعني هذا ان اسرائيل غير منزعجة من وجود سلاح نووي بيد دولة اسلامية، خاصة وان اسرائيل
تعتقد ان العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان وراء تطوير المفاعل النووي الإيراني.
اسرائيل وقعت في مشكلة اتفاق (5+1) بين ايران ودول اوروبا فهي ان شجعت على الاتفاق سينتهي الحصار على ايران وتصبح ايران قوة اقتصادية كبيرة بالمنطقة، وسوف تحول اموالاً طائلة الى فصائل المقاومة لتشكل خطراً على وجودها، وان وافقت على الانسحاب الاميركي من الاتفاق فهذا يعني ان ايران ستكون خارج الرقابة الدولية وستعمل على انتاج سلاح نووي ينهي التفرد الاسرائيلي بهذا النوع من السلاح وستتغير معادلات الردع .
الثورة الاسلامية في ايران عاصرت (44) عاما من عمر الكيان الصهيوني الذي يمتد من عام 1948 وحتى الان، والذي بات يقارب ال(75)عاما ،وهذه ال(44)عاما كانت ومازالت مسخّرة لتطويق اسرائيل ونصرة الشعب الفلسطيني بكل انواع المناصرة في القتال والسلاح والمال والدبلوماسية والخطاب.
خلال هذه الفترة تكون إيران قد دخلت ميدان المنازلة مع اسرائيل ومن يقف معها
دون ادنى (مرونة) او تراجع، واستطاعت ان تنتصر عليها وتطوق خارطتها بالصواريخ من جميع الجهات في وقت كان أحد دعامات اسرائيل الاول (اميركا )قد تفردت بالعالم من عام 1991 وحتى ايامنا هذه، فكيف وان اميركا واوروبا بدأت تصاب بالشيخوخة فيما ايران تدخل مرحلة (الفتوة)!
لم تخف اسرائيل نيتها في ضرب المفاعلات النووية الايرانية، وهذه النية تحولت لفترات عديد الى تهديد، والاعلان على انها وراء قتل العلماء الايرانيين، وكذلك بسلسلة الهجمات التي جاءت على شكل مسيرات ايضا.
جميع الخبراء العسكريين يقرون ان اسرائيل لا يمكن ان تهاجم ايران دون مشاركة اميركية مباشرة، وبذا فان الحصول على موافقة اميركا للقيام بهذه العملية تحتاج قرار اميركي يضع فيه مصلحة اميركا اولا، وهذا مخالف لتوجهات اميركا التي تؤكد ضرورة انسحابها من منطقة الشرق الاوسط وكما اكدها الرئيس الاميركي الاسبق "لسنا بحاجة الى الشرق الأوسط" وفعلا تأكد ذلك من خلال سلسلة انسحابات من المنطقة وترك المساحة للصين لكي تزحف إليها.
المعادلة السياسية بالمنطقة تغيرت بعد عودة العلاقة بين ايران والسعودية وكذلك تفاعل دول الخليج الاخرى مع ذات التوجه، والمعادلة العسكرية ايضا بعد ان كانت اسرائيل تطمح الى دفاع مشترك مع دول الخليج فقد الغي هذا المشروع وانتهى تماما فيما يتآكل التطبيع بالتقادم.
وعلى افتراض ان اسرائيل وجدت نفسها في حال ليس لها الا القيام بعملية جوية ومهاجمة المفاعلات النووية الايرانية واحراج اميركا واوروبا والعالم فهل ذلك ممكن؟
يرى خبراء عسكريون أن كشف طهران عن منشآت لتخصيب اليورانيوم من شأنه أن يجعل إسرائيل تتجاوز مجرد التفكير في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية إلى دراسة كيفية تنفيذ ذلك عمليا، فما هو السيناريو المرجح؟
اولاً، أن طهران وزعت منشآتها النووية بين عدد كبير من المدن والمناطق المتباعدة، مما يجعل نجاح أي هجوم إسرائيلي في وقف عمل تلك المنشآت أو تدميرها بعيدا، خاصة وان إيران اتخذت تدابيرها خلال السنوات الماضية فقّوت تحصيناتها وبنت منشآت سرية، وأعدت خططها للتغلب على تداعيات أي هجوم قد يشن على منشآتها النووية،
ثم ان اهم عائق يواجه الإسرائيليين وهم يدرسون مهاجمة إيران هو قضية المسافة, فأهداف إيران المحتملة تبعد ما بين 1500 كيلومتر و2200 عن إسرائيل، وهذا هو أقصى ما يمكن للمقاتلات الإسرائيلية أن تصله حتى في حالة إعادة تزويدها بالوقود في الجو.
صحيح لدى إسرائيل مقاتلات ومزودات بالوقود في الجو وأسلحة جو أرض يمكن توجيهها بدقة لقصف أهداف بعينها، وقد تخترق أجواء بعض الدول العربية للقيام بمهامها في إيران، خاصة أن الدفاعات السورية لم تحاول صد المقاتلات الإسرائيلية عندما قصفت ما اشتبه في أنه مفاعل نووي داخل سوريا نفسها قبل فترة. لكن هنا ستواجه إسرائيل معضلتين أساسيتين، الأولى أنها ربما لا تتمكن من تدمير منشأة نطنز المدفونة تحت الأرض والمحصنة بشكل قوي، أما المعضلة الثانية فهي أن الهجوم الإسرائيلي إن أريد له النجاح يجب أن يشمل أهدافا كثيرة أخرى وأن لا يقتصر على المنشآت النووية الثلاث المعروفة.
ومن بين تلك الأهداف مصدر التهديد الإيراني الثاني لإسرائيل الذي يتمثل في صواريخ طهران الطويلة المدى.
.ثم ماذا بعد ذلك؟
وكيف سيأتي الرد الايراني؟
ان اي مقارنة بين السلاح والمعدات العسكرية والجيوش لدى إيران وإسرائيل سيجد ان الامر محصور في قضيتين الأولى، سلاح الطيران الاسرائيلي والصواريخ.
اما سلاح الجو فهذا محسوم لان اسرائيل جميع مساحتها (20) الف كم بمعنى مساحة مدينة واحدة في ايران التي مساحتها الكلية (1,648,000 كم²)، وان مجرد مهاجمة ايران لإسرائيل فلن تستطيع الطائرات الاسرائيلية العودة لأوكارها خاصة وان ارض فلسطين طولية وهناك مساحة تضيق لتصل (50) كم وان الطيارين الصهاينة يتدربون في دول اخرى.
بمعنى ان اسرائيل اذا ارادت ان تهاجم ايران ان تكتب على نفسها الزوال لان ايران جريئة بالرد وتمتلك قرارها السياسي والعسكري، ونتيجة طول أمد الصراع مع اسرائيل باتت تمتلك معلومات دقيقة وتفصيلية عن الداخل الاسرائيلي.
كما ان عمقها الاستراتيجي للمقاومة التي تحيط خارطة اسرائيل جاهز للردع، فحسب التقديرات ان حزب الله في لبنان يمتلك 150 الف صاروخ، وان حماس تمتلك 30 الف صاروخ، ناهيك ان الداخل الإسرائيلي الذي بات متشظياً وغير منسجم وقابل لالحرب الاهلية، فيما القضية الفلسطينية باتت تتسع لتشمل مساحة اكبر، في اميركا نفسها وفي امريكا اللاتينية ودول اخرى في العالم.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع