شهدت منطقة القوقاز عام 2020 حربًا، ربما لم يكن أحد يتخيّل ما يمكن أن تكون عليه نهايتها، وهي ما يسمى بحرب ناغورنو كراباخ، التي وقعت بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا، لكن في الواقع، شاركت فيها العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية. وعلى الرغم من أن الحرب أقفلت على ضم جزء من كاراباخ إلى أذربيجان، إلا أن الزحف الأذربيجاني مستمر حتى اليوم ووصل إلى مقاطعة سيونيك. وتطالب أذربيجان اليوم بممرات لاتشين وزانغروز بالإضافة إلى سيونيك، وإذا ما تمّ نقل الحدود إلى السيادة الأذربيجانية، فإن مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية في منطقة القوقاز، ستخضع لتغيّرات جوهرية. وعليه وجّهت إيران تحذيرًا شديد اللهجة عبر بلد ثالث لرئيس باكو، مفادها أن القوات المسلحة الإيرانية مستعدة لمقاومة تعدي باكو على منطقة سيونيك الأرمينية وتعتبر سيونيك خطا أحمر لها.
أهمية محافظة سيونيك
المقاطعة المتاخمة لإيران في أرمينيا، أي محافظة سيونيك، تعتبر العمود الفقري لأرمينيا على الصعيدين الأمني والاقتصادي. من حيث المساحة، فهي أكبر مقاطعة في أرمينيا، ويتركز الجزء الأكبر من الصناعة والتعدين في أرمينيا في هذه المقاطعة. بحيث قامت سيونيك بتوريد 75٪ من المنتجات المعدنية المنتجة في عام 2020. هذه المقاطعة لها حدود 45 كيلومترًا مع إيران من الجنوب، وهذه الحدود هي إحدى طريقتين رئيسيتين لربط أرمينيا بالعالم. في الواقع، نظرًا لأن جمهورية أذربيجان وتركيا أبقتا أرمينيا تحت الحصار لمدة 3 عقود تقريبًا، فإن جورجيا وإيران هما قناتا الاتصال الوحيدة بين أرمينيا والعالم.
ونتيجة حرب 2020 التي بدأتها جمهورية أذربيجان، تغيرت البيئة الأمنية في سيونيك. اليوم، تتمركز القوات المسلحة لجمهورية أذربيجان في شورنوخ، وبالقرب من مطار مدينة قبان، وعلى بعد حوالي 21 كم من طرق غوريس-قابان وكابان، وتقع جاكاتان بشكل غير قانوني تحت سيطرة جمهورية أذربيجان. واليوم أصبحت حوالي 20 قرية حدودية معرضة للخطر. فقد سكان عدد من قرى سيونيك الأراضي التي استخدموها للزراعة وتربية الحيوانات، والتي تم نقلها إلى أذربيجان نتيجة للحرب التي استمرت 44 يومًا.
الدور الروسي قوات حفظ السلام الروسية في منطقة الصراع
بحسب إعلان 9 نوفمبر، دخلت قوات حفظ السلام الروسية منطقة الصراع لمدة خمس سنوات، وأعلنت جمهورية أذربيجان بوضوح أنها لن تمدد فترة الوجود الروسي وتعتقد أذربيجان أن بإمكانها كتابة وثيقة تجعل روسيا وأرمينيا تعترفان بناغورنو كراباخ كجزء من حمهورية أذربيجان. إلا أن ممثلة المعارضة الأمينية آنا غريغريان، قدمت تقريرًا ميدانيًا ضمن ندوة متخصصة بعنوان "المعادلات الجيوسياسية القوقازية: الفاعلون الإقليميون والخارجيون"، أشارت فيه إلى ما يمكن أن يحصل هناك، ففي حال اعترفت أرمينيا، فإن هذا يعني عملية تطهير عرقي لـ 120 ألف من الأمينيين، وإغلاق ممر لاتشين، ولن تتوقف عند هذا بل سيكون ثمة مطالب أخرى.
تلعب روسيا دور الضامن لمنع انتهاك وقف إطلاق النار بين الطرفين، إلا أنها في هجوم سبتمبر/ تشرين الأول 2022، عندما حاولت أذربيجان الاستيلاء على الممر أو تهيئة الظروف لأرمينيا لمنح الممر طواعية بعمليات عسكرية وغزو عسكري. لم تمنع القوات الروسية عمليًا عدوان جمهورية أذربيجان بسبب الأحداث في أوكرانيا وعدم القدرة على فتح جبهة ثانية لها.
الدور التركي في الصراع
تقدم تركيا دعمًا صريحًا لأذربيجان في هذا الصراع يصل إلى حدّ الدعم العسكري المباشر، من خلال المناورات العسكرية المشتركة والمعدات العسكرية الجاهزة في أذربيجان لأي مواجهة، بالإضافة إلى إمداد باكو بأسلحة تركية من بينها طائرات مسيرة ومقاتلات حربية، وإرسال مرتزقة سوريين، كل ذلك بهدف العداء التاريخي مع أرمينيا فيما ترتبط تركيا أيضًا بعلاقة عداوة مع أرمينيا، بسبب اتهام الأخيرة للدولة العثمانية بتنفيذ إبادة جماعية بحق الأرمن في عام 1915 راح ضحيتها نحو 1.5 مليون من شخص، وهو ما ترفضه أنقرة بشدة، ولا ترتبط الدولتان بعلاقات دبلوماسية. وعلى خلفية هذه العداوة المشتركة، تقدم تركيا دعمًا سياسيًّا وعسكريًّا لأذربيجان في صراعها مع أرمينيا على إقليم "قره باغ"، وترفض تركيا تطبيع علاقاتها مع أرمينيا وفتح الحدود معها لحين حل مشكلة الإقليم.
كما ترى تركيا أن المحور الإقليمي المنافس لها في سوريا وليبيا ومنطقة شرق البحر المتوسط يسعى لفتح جبهة جديدة ضدها في منطقة القوقاز عبر توظيف أرمينيا لاستهداف مصالحها في أذربيجان، وذلك بهدف إرباك تركيا وتشتيت قواها.
معارضة إيران لإغلاق الحدود
أعلنت طهران رسميًا في أكثر من مناسبة، أنها تعارض تغيير الحدود في القوقاز ولن تتسامح مع قطع الاتصال البري بين إيران وأرمينيا: يشير المسؤولون الإيرانيون إلى أن استقرار منطقة القوقاز مهم جدا لطهران وأن هذه المنطقة جزء من ماضي إيران التاريخي والحضاري. وكان السيد علي خامنئي، في 19 يوليو/ تموز 2022، في محادثة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في طهران، أعلن أن إيران ستعارض سياسة إغلاق الحدود الإيرانية الأرمنية من قبل تركيا وجمهورية أذربيجان و " إذا كانت سياسة إغلاق الحدود مع إيران و "إذا وجدت أرمينيا، فإن الجمهورية الإسلامية ستعارضها، لأن تلك الحدود هي طريق اتصال يعمل منذ آلاف السنين".
وفي لقاء السيد إبراهيم رئيسي مع رئيس وزراء أرمينيا في نيويورك نيكول باشينيان في 22 سبتمبر 2022 أن تغيير الحدود في المنطقة أمر غير مقبول والعلاقة بين إيران وأرمينيا لا يجب تعريضها للخطر، وبعد هذا الاجتماع سافر وزير الخارجية الإيراني إلى أرمينيا وشارك في حفل افتتاح القنصلية الإيرانية العامة في مدينة قبان عاصمة إقليم سيونيك. وبهذه الطريقة، أثبتت طهران وجودها في سيونيك.
التطورات الأمنية
أفادت مصادر إخبارية بتقدم الجيش الأذربيجاني واحتلال الطرق شمال لاتشين وممر سيتار. وتحدثت مصادر أرمينية عن انتهاك واضح لوقف إطلاق النار من قبل قوات جمهورية أذربيجان وطالبت روسيا بصفتها الضامن لوقف إطلاق النار بمنع انتهاك وقف إطلاق النار وعدوان باكو.
بتأكيده احتلال الطرق الواقعة شمال ممر لاتشين، ادعى جيش جمهورية أذربيجان أنه سيطر على هذه الطرق لأن أرمينيا تحاول استخدامها بشكل غير قانوني لنقل الأسلحة إلى كاراباخ. وزعمت وسائل الإعلام الأذرية أن قوات الجيش ستقيم نقطة تفتيش على طريق ستيبانكرت - غوريس السريع (ممر لاتشين).
تأتي هذه التحركات على الرغم من حقيقة أن نيكول باشينيان، رئيس وزراء أرمينيا، قال في رسالة على تويتر قبل أيام إنه سيتم توقيع معاهدة سلام بين هذا البلد وجمهورية أذربيجان.
الكاتب: زينب عقيل