يعتبر غرب آسيا منطقة جغرافية مجاورة للحدود الجنوبية لروسيا، وهو منطقة حيوية لمصالحها القومية. كما في الأمن القومي الروسي، وكذلك في اقتصادياته.
وتنظر روسيا الاتحادية إلى منطقة الشرق الأوسط بعين الاعتبار كبقعة أرضية متصلة مع المساحة الأوراسية المترامية. ولهذه الأوراسيا بعد عقائدي في العقل الروسي، جعلها تتطلع باستمرار إلى الجنوب والغرب، أكثر من التطلع الى الشرق والشمال.
قبل تطور الأحداث الأخيرة في أوكرانيا. وبُعيد سقوط الآحادية القطبية، أي سقوط الهيمنة الأميركية، كانت ولم تزل الصراعات في الشرق الأوسط وأوراسيا. وظلت المعطيات والعوامل تتفاعل وتظهر بشكل يؤجج الخلافات، وقد وصل التوتر الى حد العودة الى ما كان عليه الوضع في مرحلة الحرب الباردة، حيث تخوض الولايات المتحدة وحلفاؤها حرباً بالوكالة ضد روسيا الاتحادية في أوكرانيا.
وبالعودة الى الشرق الأوسط (غرب آسيا)، الذي ما فتئ يشكل موقعاً مميزاً للصراع البارد ماضيا، ومكاناً أساسياً لارتدادات التجاذب أو تبادل المنافع، علماً أنه يشكل بؤرة توتر دائم أيضاً، كما أنه موقع استراتيجي في غاية الأهمية لكل اللاعبين على الساحة الدولية.
يشكل العامل الجغرافي أحد العوامل المهمة التي تدفع الروس نحو غرب آسيا، لا سيما في ظل وجود شكل من أشكال التواصل الذي تشكله مجموعة من العوامل المؤثرة في التحرك السياسي الروسي، عبر مسار تاريخي طويل، ومن هذه العوامل: الممرات المائية، والمعابر البرية، والعامل الديني إلى جانب العامل الاقتصادي، حيث تُعتبر أوراسيا في علم الجيوبوليتيك قلب العالم كما العقل الاستراتيجي ألكسندر دوغين.
كل هذا من شأنه أن يدفع الاهتمام الروسي بالتوجه نحو الجنوب المتنوع حضارياً وثقافياً ودينياً. هذا عدا احتواءه على تضاريس جغرافية أي أراضٍ وهضاب وبحار وممرات مائية لها أهميتها، وفيها عناصر جذب للاهتمام السياسي. كما أن الشمال الروسي يبقى معظم أيام السنة متجمداً. والشرق منطقة بعيدة عن المركز، والغرب مصدر للتهديد. وفي الجنوب الغربي هناك تنافس وتلاقي مع ثلاثة من الكيانات السياسية ذات ثلاث توجهات تتطلع نحو آسيا الوسطى وجنوب روسيا حيث تتنافس على النفوذ بين صفوف السكان ذوي الأصول الإسلامية. وهذه التوجهات هي: التوجه التركي، والتوجه الإيراني والتوجه الوهابي.
وكون عدة ملايين من أبناء روسيا الاتحادية يدينون بالإسلام، ولأسباب داخلية روسية تندفع روسيا نحو تعزيز تواصلها مع غرب آسيا.
بداية، كان التطلع الروسي نحو إيران كامتداد جغرافي، حيث تشكل أحد المعابر البرية باتجاه المياه الدافئة في الخليج الفارسي والمحيط الهندي، كما أنه لإيران مخارج على نقاط أوراسيا الاستراتيجية، حيث توجد "بلقان أوراسيا" أي دول آسيا الوسطى، وفيها مكامن للنزاع.
هذا الاتصال الجغرافي، فرض تواصلاً جيوسياسياً بين روسيا البلدين، حيث شكل الموقع الإيراني نقط تجاذب مع الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، ولا يغيب عن بالنا العداء المستحكم بين إيران وأميركا. حيث أن الجمهورية الإسلامية هي الدولة الوحيدة التي تحدّت علناً نظام الأحادية القطبية والهيمنة الأميركية، وذلك بما تملك من مقدرات اقتصادية ومالية، أضف الى أن إيران هي ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي بعد روسيا الاتحادية.
ولقد استفادت روسيا من الموقع الجيوبوليتيكي الإيراني لوقف التغلغل التركي، ومنع اختراق التمويل الوهابي – العربي في أواسط الجمعيات الإسلامية، والأحزاب الحاكمة في دولة آسيا الوسطى. وسعت روسيا وإيران لمنع أميركا وحلف الأطلسي من دغدغة حلم "تركيا الكبرى" التفكير التركي.
على مدى التواصل الإيراني – الروسي، حمت روسيا لسنوات إيران في مجلس الامن الدولي، أضف الى ذلك، الاستفادة المتبادلة في التحكم بأسعار الغاز الطبيعي، كما استفادت إيران من روسيا في تطوير ترسانتها العسكرية.
وقّعت روسيا وإيران لأول مرة في 12 آذار 2001 في موسكو، اتفاقية تحت عنوان "قانون الاتفاقية الأساسية للعلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين جمهورية إيران الإسلامية والاتحاد الروسي"، وصادق مجلس الشورى الإيراني والدوما الروسي عليها. وأكدت بنود في الاتفاقية أو المعاهدة على التعاون بين البلدين في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية، وهذه البنود التي لم يتم الكشف عن فحواها تهم الأوساط الإقليمية والدولية.
عشية مرور سنة على الحرب الأوكرانية، بدا أن التعاون العسكري قائم بين روسيا وإيران، في مجال الطائرات المسيّرة كما يدّعي الغرب.
ولكن الامر الذي لا شك فيه أن الجمهورية الإسلامية ونظراً لموقعها الاستراتيجي قد تكون " نواة المعسكر الأوراسي الكبير".
الكاتب: نسيب شمس