عند البحث في العلاقات الصينية – الإيرانية يتعرض الباحث بشكل سريع لما يشبه الطوفان من الكلام حول الحضارات القديمة، ومؤلفات هذا التفاعل الودي، والقمع المشترك على أيدي الغرب بين البلدين. كما يواجه أيضاً تعبيرات الاعجاب بنفوذ الآخر. يخرج الباحث من هذا كله، متسائلاً هل الممكن الخوض وشرح العلاقات الإيرانية – الصينية وفق المصالح الواقعية دون الخوض في التفاعل الحضاري بين البلدين؟
يبدو واضحاً وجود نوع من المصالح التي شكّلت الأساس في التعاون الصيني الإيراني في فترات عدة منها: احتواء الاتحاد السوفياتي في السبعينيات من القرن الماضي، مكافحة هيمنة الولايات المتحدة الأميركية، وتطوير الاقتصادات والقوى العسكرية في كلا الدولتين، وإمدادات الطاقة واستهلاكها. لكن يبدو أن هذه المصالح ليست المحرك الرئيسي للعلاقات الإيرانية الصينية، بل هو التضامن الحضاري الحر، وخاصة أن بين الدولتين فعلاً حضارياً يعكس أساساً عقلياً مشتركاً بينهما يشبه صلة قرابة عميقة.
يقدم المحللون الصينيون عدة طروحات متميزة، وينصحون القادة بتأطير إيران كجزء من سردية تغذي العقل الصيني، التي عاشت الإذلال القومي. ومن هذه الطروحات:
بناء عليه فإن النظام العالمي الذي قام على أنقاض انهيار الاتحاد السوفياتي، والذي أصبحت تهيمن عليه الولايات المتحدة الأميركية، هذا النظام الذي يتصف بالظلم، لا بد أن بديله هو النظام الأكثر عدالة، وهذه الفكرة يتقاسمها بأشكال مختلفة قادة صينيون وإيرانيون.
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وعلى سبيل المثال، أثناء زيارة الشيخ الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني الى الصين، قال رئيس اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي الصيني (البرلمان الصيني) شن بنج Zhen Peng أن الصين وإيران "قد عاشا تجارب متشابهة كضحايا للإمبريالية والاستعمار، وقد أخضعتا لخطر الهيمنة اليوم".
كذلك قال رئيس الوزراء الصيني زهو زيانج Zohao Ziyang "إن الصين وإيران دولتان من العالم الثالث لهما تاريخ متشابه". وعندما زار الإمام السيد علي خامنئي يوم كان رئيساً للجمهورية الصين عام 1989، شدد نظيره الصيني يانج شانج كون Yang Sang Kum على أنه بسبب اقتسام البلدين "لتاريخ مشترك" فإن عليهما واجبات مشتركة في العالم اليوم، وقال يانج للسيد الخامنئي: " إن كلاً من الدولتين اشتركت في نضال مستمر ضد الامبريالية، وقد نجحت بذلك".
إضافة لهذا التضامن الحضاري المشترك بين الصين وإيران، كان هناك حقيقة واضحة تتمثل بأن الدولتين تمتلكان وتعترفان بأن كلاهما يمتلك، قدرات أرفع من قدرات معظم الدول الأخرى في المنطقة الخاصة بكل منهما. ومثال على إدراك الصين لدور إيران ما أوضحته نشرة أخبار إذاعة بكين وهي تعلن قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في آذار من العام 1979 "الوضع الاستراتيجي المهم" لإيران، مع تركيا وباكستان، تشكل إيران التي تتحكم ب 1740 كيلومتراً مع الحدود السوفياتية "درعاً ضد توسع الهيمنة باتجاه الجنوب"، تهيمن إيران أيضاً على "عنق الزجاجة في مضيق هرمز...وهكذا تسيطر على الممر البترولي الرئيسي للغرب".
لا شك ان العلاقات بين الدول التي تمتلك قدرات متشابهة، يعطي القدرة الأكبر على تحقيق الأهداف التي يتم السعي لها بشكل متبادل. ولقد شكل التضامن الحضاري العميق روح العلاقات الصينية – الإيرانية، لذلك كان الإقدام الصيني على اختيار الجمهورية الإسلامية في إيران للتعاون كرفيق حضاري، والذي هو أيضاً قوة كبرى في قلب منطقة مركزية من العالم.
الكاتب: نسيب شمس