منذ أيام أعلنت نائبة وزير الدفاع البريطاني أنابيل غولدي، أن بلادها ستسلم أوكرانيا ذخيرة مدفعية خارقة للدروع، تحتوي على يورانيوم منضب. وهو ما علّقت عليه روسيا سريعاً، بأنها ستضطر للرد بشكل مناسب، على "بدء الغرب الجماعي في استخدام أسلحة ذات مكون نووي في أزمة أوكرانيا".
قرار بريطانيا هذا، علّق عليه منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، بأن هذه القذائف هي سلاح تقليدي مستخدم منذ زمن! زاعماً بأنه لا يمثل تهديدا من جانب الانتشار الإشعاعي، وبأنه لا يقارن بالأسلحة النووية.
قرار السلطات البريطانية هذا، يشير إلى وجود خشية كبيرة لدى المعسكر الغربي، من الهجوم الروسي الكبير المتوقع خلال الفترة المقبلة، وهو ما يدفعهم الى تزويد القوات الأوكرانية بهذا النوع من الذخائر، بالرغم من مخاطر استخدامها الكارثية.
كما تذكّر هذه الأنباء، بتحذيرات موسكو السابقة، عن استعداد كييف لاستخدام قنبلة قذرة، وكان لافتاً حينها حصول اتصالات روسية عالية المستوى مع لندن وواشنطن بخصوص هذا الشأن.
فما هو هذا النوع من القذائف المدفعية؟ وما هي مخاطرها؟
_ يستخدم في بعض أنواع القذائف المدفعية، اليورانيوم المستنفد من عمليات تخصيب اليورانيوم (بمعنى آخر فضلات عملية التخصيب)، الذي تم استخدامه لعقود في التطبيقات الطبية والصناعية والدرع الإشعاعي وأوزان الموازنة في الطائرات ومؤخراً في الدروع والذخيرة العسكرية، بسبب كلفتها المادية المنخفضة.
_ لديها القدرة على اختراق طبقات سميكة من الدروع، بحيث تتمتع بقوة اختراق أكبر بنسبة 20 ٪ مقارنة بنظيراتها العادية. فهي تتميز بأنها كثيفة جداً، وأثقل بحوالي 1.7 مرة من الرصاص، بل ولديها قدرة على صدّ القذائف المعادية في حال كانت دروع الدبابات مصنوعة منها.
_عند إطلاق النار، يتقدم الرأس المخترق المكون من اليورانيوم فقط نحو الهدف، فيما يتم التخلص من الأجزاء الأخرى في الهواء. عندها يخترق الرأس دبابة العدو، وينثر الشظايا الساخنة للدروع بقصد قتل من بداخلها.
مخاطرها:
_يمكن أن يؤدي استخدام هذه المادة في ساحة المعركة إلى تناولها من قبل الكائنات البشرية بطرق مختلفة. فعندما يضرب مخترق اليورانيوم المستنفد هدفًا صعبًا، مثل درع دبابة، فإنه يمكن أن ينتج سحابة كثيفة من الغبار الناعم. يمكن استنشاق هذا الغبار من قبل الأفراد الموجودين في الجوار أو في اتجاه الريح، وبعد ذلك من قبل الأشخاص الذين يعملون على المركبات المصابة أو المصابين الملوثين بالغبار.
_يستغل المعسكر الغربي كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأيضاً الكيان المؤقت (هناك شكوك حول استخدام الكيان لهذا النوع في حرب تموز للعام 2006)، عدم وجود وثيقة دولية تقيده أو تحظر استخدامه، بالرغم من عشرات الدراسات العلمية الموثوقة التي أثبتت مخاطره.
_ توجد حالتان معروفتان لاستخدام قذائف اليورانيوم المنضب. الأولى جرت خلال الحرب على العراق عام 1991 (وهناك تقارير تتحدث عن استخدامها أيضاً في غزو العام 2003)، والثانية خلال الحرب في يوغوسلافيا عام 1999. هذه القذائف لوثت بشكل خاص الأراضي العراقية باليورانيوم. كما زادت نتيجة مضاعفاتها، الولادات المبكرة، والإجهاض التلقائي، والعيوب الخلقية عند الأطفال حديثي الولادة، وسرطان الدم وأنواع أخرى من السرطان بمعدل 3 الى 4 مرات. ومن التشوهات الخلقية الناجمة عنها والمسجلة، غياب العيون والأذنين وانصهار الأصابع والأوعية الدموية، وما شابه. كل ذلك ظهر في أكثر من 60٪ من الأطفال المولودين في عائلات قدامى المحاربين الأمريكيين في حرب الخليج.
دفاع أمريكي مستميت عنها
بالرغم من ذلك، أجهضت الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل أساسي عبر وزارة الدفاع الأمريكية - البنتاغون، أي محاولة دولية لتحريم هذا النوع من الذخائر، معتبرةً هذه الجهود بأنها "محاولة من قبل أعداء أمريكا لإضعاف قوتها العسكرية". كما أن وزارة الدفاع البريطانية أيضاً، اعتبرت بأن هذا اليورانيوم المستنفد "مكون قياسي ولا علاقة له بالأسلحة النووية". مضيفةً بأن الجيش البريطاني استخدم اليورانيوم المنضب في قذائف خارقة للدروع على مدى عقود.
وفي هذا السياق أدانت مجموعات متخصصة في هذه القضايا، مثل حملة نزع السلاح النووي (CND) استخدام قذائف دبابات اليورانيوم المنضب. وقالت المجموعة بأن استخدام هذه القذائف سيؤدي الى حصول كارثة بيئية وصحية إضافية، خاصةً لأولئك الذين يعيشون بالقرب من مكان إطلاق اليورانيوم المستنفد بسبب احتمال استنشاق الغبار المشع بعد تأثير القذيفة.
ولطالما دعت CND الحكومات التي تستخدم اليورانيوم المستنفد في الأسلحة إلى الوقف الفوري لذلك، وبدلاً من ذلك تمويل دراسات طويلة الأجل حول آثارها الصحية والبيئية.
وفي تعليق للأمم المتحدة يدحض المزاعم الغربية حول هذه الذخائر، ذكّر نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة "فرحان حق" في مؤتمر صحفي عن "المخاوف التي عبرنا عنها على مر السنين بشأن أي استخدام لليورانيوم المستنفد، بالنظر إلى عواقب مثل هذا الاستخدام، والتي ستنطبق على أي شخص يقدم مثل هذه الأسلحة". مضيفاً "لقد أوضحنا، بما في ذلك من خلال مكتب شؤون نزع السلاح لدينا، عن المخاوف بشأن أي استخدام لليورانيوم المستنفد في أي مكان".
كما خلص تقرير سري للأمم المتحدة تم تسريبه في أيار / مايو للعام 1999 إلى نتيجة مماثلة بشأن هذه الأسلحة: "هذا النوع من الذخيرة هو نفايات نووية، واستخدامه خطير للغاية وضار".
في غزو العراق 2003، تعرضت مدينة الفلوجة للقصف الشديد بشكل خاص بأسلحة اليورانيوم المنضب من قبل القوات الأمريكية، حيث كتب البروفيسور كريس بوسبي، أحد المشاركين في استطلاع شمل 4800 من سكان الفلوجة، حول العلاقة بين هذه الهجمات والزيادة السريعة في السرطانات والعيوب الخلقية التي تلت هناك، بأن نوعاً ما من أسلحة اليورانيوم هو الذي تسبب بذلك. وقد خلص مسح الفلوجة، الذي أجراه 11 خبيراً غطوا أكثر من 700 أسرة، إلى أن التأثيرات على السكان كانت "مماثلة لتلك التي تعرض لها الناجون من هيروشيما الذين تعرضوا للإشعاع المؤين من القنبلة واليورانيوم.
الكاتب: غرفة التحرير