قدّمت حركة حماس التي وضعت قضية الأسرى وتحريرهم على رأس أولوياتها في ذكرى انطلاقتها الـ 35، "هديّة" لرئيس أركان جيش الاحتلال الجديد هرتسي هاليفي لمناسبة تعيينه في المنصب يوم 16 كانون الثاني / يناير الجاري. لأوّل مرّة منذ حوالي التسع سنوات، كشفت كتائب القسّام عن حالة الجندي الأسير أفراها منغستو عبر مقطع فيديو توجّه به الى كيان الاحتلال قائلاً: "الى متى سأظل هنا في الأسر أنا ورفاقي؟ أين الدولة وشعب إسرائيل من مصيرنا"؟
العنصرية الإسرائيلية.. إهمال الأسير الإثيوبي
لكنّ جولات المفاوضات غير المباشرة بين الاحتلال وحماس تظهر أن الكيان وزعمائه غير مكترثين بمصير الجنود الأسرى ولا سيما "منغستو"، إثيوبي الجنسية، وصاحب البشرة السمراء، ففي تموز / يوليو من العام 2019، صرّحت كتائب القسّام أن "إسرائيل لم تطالب بإعادة منغستو من خلال الوسطاء الذين تحدّثوا معها بشأن المحتجزين. وبعد نشر هذا الفيديو علّق مقدم برامج في "القناة 14" العبرية، شاي غولدين، "دعونا نكون صريحين مع أنفسنا، لو أن أفراها منغستو كان اسمه آفي مناخيم أو أفري غولدنبيرغ لأصبح ابننا كلنا؛ تجاهل مصير أفراها هو دليل على عنصرية المجتمع الإسرائيلي".
يتعامل الاحتلال أيضاً مع ملف الأسير هشام السيد بإهمال، لأنه أيضاً ليس من جذور أوروبية أو غربية، فهو من عائلة بدوية من الأراضي المحتلّة عام 1948. وكانت كتائب القسّام قد نشرت منتصف العام الماضي مقطع فيديو يظهر الحالة الصحية المتدهورة لـ "السيد" لكنّ حكومة الاحتلال لم تحرّك ساكناً.
عائلة الجندي الأسير
تحدّث الاعلام العبري مع عائلة "منغستو" والتي قالت لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إن "الفيديو دليل جديد على أنه حي، إعادته إلينا أكثر إلحاحاً من رؤيته. يجب على الدولة أن تتحرك بسرعة لإعادته؛ يبدو أنه بصحة جيدة ويتم الاعتناء به، ولا يوجد سبب لبقائه في الأسر يوماً آخر". وبدوره اعتبر شقيق الجندي الأسير شقيق أنه "فرح ممزوج بالحزن، بعد 8 سنوات ونصف من عدم معرفة مصيره شاهدنا الفيديو، أرغب في مناشدة رئيس الوزراء وأعضاء "الكابينت"، هذه فرصتكم لإعادة أخي سالماً وبصحة جيدة".
تضغط ايضاً مجموعة يهودية تعرف باسم "أصدقاء أفراها" والتي ناشدت حكومة نتنياهو بالتفاوض مع حركة حماس لإبرام صفقة تبادل، قائلةً "لا تضيعوا الفرصة مثل قضية رون أراد، القرار الصحيح هو عدم إضاعة الفرصة لإعادة الأسرى". كما اعتبرت قناة "كان" العبرية أنه "سيتعيّن على نتنياهو قريباً تعيين منسّق جديد لشؤون الأسرى والمفقودين، وستكون هويته مؤشراً على جدّية رئيس وزراء بشأن الصفقة".
الاحتلال لا يزال غير مستعد للتنازل
قرأ المستوى السياسي للاحتلال رسائل حركة حماس التي حملها مقطع الفيديو، فقد رأت "يديعوت أحرنوت" أن هذا "سيجعل رئيس الأركان الجديد يعيد التفكير في قضية جنوده الأسرى" بعد أن اعترف الرئيس السابق افيف كوخافي في حديثه الأخير خلال المنصب أنه "لم يتمكن من إنجاز الملف" خلال فترة ولايته.
وفي هذا السياق اعتبر موقع "مكور ريشون" العبري أن "حماس استغلت توقيت تنصيب رئيس الأركان الجديد لإثبات فشل جيش الاحتلال في عدم تحقيقه أي صفقة تبادل أسرى وفشل القيادة العسكرية". فيما وصّفت "القناة 13" العبرية أن "حماس تحاول ليّ ذراع إسرائيل بعرضها فيديو أفراها منغستو". منسق "شؤون الأسرى والمفقودين الإسرائيليين" السابق ديفيد ميدان، اعتبر أن "حماس نشرت الفيديو لخلق رأي عام في إسرائيل، حتى تنفّذ العائلة ضغوطاً. فالفيديو أعاد القضية إلى الطاولة"، لكن الطريق إلى المفاوضات طويل".
اذ من ناحية ثانية، تعترف أوساط الاحتلال، بعد الثمن الكبير الذي دفعه الكيان في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، بأن "إسرائيل غير مستعدة لتكرار صفقة شاليط"، حسب "القناة 13" العبرية التي زعمت أن "إسرائيل لن تطلق سراح فلسطينيين قاموا بقتل إسرائيليين بسبب أسيرين عبرا الحدود باتجاه غزة بمحض إرادتهما، ومقابل جثتَي جنديين، والفجوة واسعة مع حماس للتوصل لصفقة تبادل".
بدوره، رأى المراسل العسكري لقناة "كان" العبرية، روعي شارون، أن الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو وتركيبتها، سيكون من الصعب عليها عقد صفقة تبادل أسرى، بسبب عدم استعدادها لإطلاق سراح أسرى مُلطخة أيديهم بالدم"، في إشارة الى الأسرى الفلسطينيين والقيادات التي قتلت جنوداً ومستوطنين. مدعيةً أن حماس تطالب مقابل "منغستو" بالإفراج عن الاسرى "حسن سلامة، إبراهيم حامد، عبد الله البرغوثي وعباس السيد، وجميعهم قادة في حركة حماس خططوا ونفذوا عمليات دامية أدت لعشرات القتلى"، ما يجعل "احتمال إبرام مثل هذه الصفقة هو صفر" على حدّ قول القناة العبرية.
استراتيجية الالتفاف.. التضييق على الأسرى الفلسطينيين
هرباً من ثمن التنازل في صفقة التبادل، زعم عضو "الكنيست" السابق، أورن حزان، أنه "طالما أن ظروف الأسرى الفلسطينيين ستستمر في كونها فندق 7 نجوم مع زيارات منتظمة من غزة، فهذا الواقع لن يتغير"، في إشارة الى تضييق الظروف غير الإنسانية التي يقاسيها الأسرى الفلسطينيون في السجون، والتي تخترق بها مصلحة سجون الاحتلال كلّ القوانين والمواثيق الدولية التي ترعى حقوق الأسير والانسان. وأضاف "حزان" أن "طريقة إعادة أسرانا، لا تنحصر فقط في عملية تبادل، بل يمكن إعادتهم بالإضرار بظروف الأسرى الفلسطينيين".
في المقابل، أوجدت الحركة الأسيرة طرقاً بديلة لانتزاع مطالب الاسرى من داخل السجون، فقد شهدت الحركة في الفترة الأخيرة، منذ هجمة مصلحة السجون الوحشية بعد عملية "نفق الحرية" في أيلول / سبتمبر 2021، سلسلة من الإضرابات الجماعية بهدف انتزاع الحد الأدنى من الحقوق ووقف التنكيل بحقهم. والحركة الأسيرة مستمرة عبر البرامج التصعيدية المناسبة لصدّ أي نوع من هجمات الاحتلال.
وقد وقفت الحركة الأسيرة الى جانب خيارات المقاومة في هذا الملف، فبعد نشر الفيديو صرّحت الهيئة القيادية العليا لأسرى حركة حماس، "نُحيّي المقاومة ومجاهديها على الجهود المباركة المبذولة في سبيل حريتنا المسلوبة ووقف نزف أعمارنا المستمر". وقال مدير مكتب إعلام الأسرى، أحمد القدرة، "نشدّ على يد كتائب القسام وعمل وحدة الظل في السر والعلن من أجل حرية أسرانا، وندعو جميع الساحات للتحرك من أجل إسناد ودعم انتزاع حرية أسرانا من سجون الاحتلال. مضيفاً "نؤكد على أن الاحتلال لا مناص له إلا الخضوع والخنوع لشروط كتائب القسام بالإفراج عن أسرانا، عاجلاً أم آجلاً".
زيادة الغلّة.. قلق جديّ للاحتلال
منذ مطلع العام 2022 الماضي، أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية أنه "إذا لم يقتنع الاحتلال بالتوصّل لصفقة، فإن حماس ستجبره عليها، وتزيد الغلة عبر أذرعها الممتدة في كل مكان". وفي مهرجان انطلاقة الحركة الـ35 شدّد رئيس حماس في قطاع غزّة يحيى السنوار أن الحركة "ستمهل الاحتلال وقتا محدودا لإتمام هذه الصفقة، وإلا سنغلق ملف الجنود الأربعة إلى الأبد، وسنجد طريقة أخرى لتحرير الأسرى". ومع بثّ هذا المقطع أكّد عضو المكتب السياسي لحركة حماس، غازي حمد، أن "فيديو القسّام رسالة إلى حكومة الاحتلال بأن الحركة لن تتخلى عن قضية الأسرى".
في هذا السياق، ادعت قناة "كان" العبرية أن حركة حماس " تخطط لتنفيذ عملية أسر جندي من الجيش على الحدود مع قطاع غزة، للترويج لصفقة تبادل أسرى"، زاعمةً أيضًا أن " من أمر بوضع خطة لاختطاف جنود على حدود غزة هما صالح العاروري وإسماعيل هنية". واعتبر الصحفي في القناة ومحرر شؤونها الفلسطينية، إليؤور ليفي أن "الذراع العسكري لحركة حماس ضاعف جهوده، من أجل بلورة خطة عملياتية لخطف جنود من حدود غزة، ستقض مضاجع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية".
إليؤور ليفي: القيام بعملية خطف مفاجئة خلال يوم عادي، بحيث لا تتوفر فيه الاستعدادات الكافية لدى المؤسسة العسكرية للاحتلال، حركة حماس مستعدة لتحمل كافة التداعيات المترتبة على عملية الخطف في غزة، بشرط أن تكون لديها ورقة مساومة قوية لإنجاز صفقة تبادل.
في نهاية المطاف، فإن المفاوضات غير المباشرة لا تزال طويلة بالاستناد الى تعنّت الاحتلال لكنّ الأبواب مشرّعة أمام مفاجأة من المقاومة قد تقلب الطاولة وتجبر الاحتلال على التنازل مهما كان الثمن بالنسبة له خاصة مع وجود ضغط من الرأي العام اليهودي وعائلات الجنود الأسرى. فيما ستبقى معركة السجون مفتوحة في ظل حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة والتي كانت أولى جولات رئيس الأمن فيها ايتمار بن غفير الى مصلحة السجون محرضًا على مزيد من التضييق على الأسرى الفلسطينيين.
الكاتب: مروة ناصر