بعد خسارته للانتخابات النيابية التي جرت في لبنان العام الماضي، ورغم عدم تسديده كامل المستحقات المالية على حركة سوا التي تبناها، يعود بهاء الحريري الى الساحة السياسية، لكن هذه المرة ليس عبر سكايب او الزووم وغيرها من الوسائل، بل من جزيرة قبرص.
فخلال أيام عدة، يعقد الحريري في فندق راديسون في لارنكا القبرصية، العديد من اللقاءات مع وفد لبناني مكوّن من 200 شخص، ينتمون الى الطائفة السنية حصراً ومن مناطق لبنانية مختلفة. ولا يقتصر أعضاء هذا الوفد على مفتي المناطق، بل يحضر أيضاً رؤساء بلديات كخالد الدهيبي (رئيس بلدية ديرعمار)، وفادي الخير (من فعاليات المنية)، وغيرهم من الأطباء والمهندسين والمحامين ومحاضرين جامعيين ورجال الأعمال، بإجمالي 200 شخص، 15 منهم من مدينة طرابلس.
وقد علم موقع الخنادق، بأن الحريري تكفل بمصاريف سفر وإقامة أعضاء هذا الوفد في الفندق، بحيث بلغت تكلفة الغرفة الواحدة 239 يورو لليلة.
أما مضمون اللقاءات، فهو تحت شعار مساعدة اللبنانيين والمؤسسات واستكمال مسيرة الرئيس رفيق الحريري، لكن بخطة جديدة سيتم العمل عليها خلال الفترة المقبلة، كشف بعض ملامحها أحد المشاركين في اللقاء الطبيب نزار قاضي، حينما قال بأن الخطة ستكون "بالتعاون مع الطرف الثاني في هذا البلد اللي هم المسيحيين"، ومع من وصفهم بـ"الطيبين المعتدلين، لأن رمز عمل الشيخ بهاء هو الاعتدال".
وعليه يمكننا الاستنتاج بأنه يعمل على تشكيل تيار سياسي بهدف تزعم الساحة السنية، بعد الإبعاد القسري لشقيقه سعد الى الإمارات، وبسياسة وأسلوب مغاير لشقيقه، تحت عنوان مناهضة حزب الله (رمز التطرف من وجهة نظر أمريكا والمعسكر الغربي والحكّام العرب التابعين لها).
أكثرية الطائفة السنية ما زالت ترفض بهاء
توجه بهاء هذا ليس بالجديد، فهو منذ العام 2017 يعمل على ذلك، وهو ما رفضه وما يزال يرفضه الكثير من أبناء الطائفة السنية في لبنان. وهذا ما يمكن استطلاعه بسهولة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر تصريحات الشخصيات البارزة، ومنهم الشيخ القاضي خلدون عريمط الذي رفض مبدأ الدعوة القبرصية، لناحية مكان الدعوة أولاً، ولأن ما يقوم به بهاء الحريري بنظره في الماضي والحاضر لا يعدو كونه "ولدنة بالعمل السياسي". مؤكداً عريمط أن بهاء الحريري في هذا الإطار بحاجة الى تأهيل، لأن قيمته تكمن فقط أنه "ابن الرئيس رفيق الحريري". مضيفاً بأن بهاء لم يرث سوى 5% من صفات والده.
أم من التعليقات الشعبية، فكان الرفض والسخرية يرتكز أيضاً على مكان اللقاءات، ومن يحضر من شخصيات لا ينتمون الى الفقراء وأغلبية الشعب اللبناني الذين يعانون من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
بهية الحريري ترفض تحركات بهاء الجديدة كما رفضتها سابقاً
وقد أثار تحرك بهاء القبرصي الاستياء لدى عمته بهية الحريري، التي وصفت هذا التحرك بانه "سيزيد الانقسام بين افراد عائلة رفيق الحريري". وفي خطوة احترازية لمنع وصول بهاء الى مدينة صيدا أيضاً، التي تعتبر معقلها الرئيسي، قامت بتكثيف لقاءاتها الداخلية مع كوادر المستقبل ومع شخصيات مقربة منها هناك، لتحصين ساحة التيار الداخلية من اي اختراق من قبل بهاء.
من يدعم أو "يحرّك" بهاء
لا شك بأن إثبات تبعية بهاء الى جهة دولية ما، لا يمكن من خلال أدلة ظاهرة، بل يكون من خلال تتبع الإشارات والتعمق في تفاصيل الخطاب وملاحظة جهات الارتباط الداعمة، وهو ما لا يمكن إخفاؤه.
ففي أواخر العام 2020، أجرى بهاء مقابلة مع الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، لصالح موقع أكسيوس، قال فيها بأنه يعتقد أن على لبنان وإسرائيل حل نزاعاتهما الحدودية والتحرك نحو اتفاق سلام، وأنه "لدينا مشاكل بيننا وبين الإسرائيليين وعلينا حلها، لكن في نهاية المطاف نحتاج إلى السلام". وقد جاء حديثه انطلاقاً من خطوات التطبيع التي قامت به الإمارات وبعض الدول العربية مع الكيان المؤقت، لذا من المرجّح كثيراً أن يكون حكام الإمارات من أشد الداعمين له. أما الأردن والسعودية والكويت، فلبهاء في هذه الدول أعمال تجارية عديدة، وبالتالي لا يمكن له العمل فيها والانتقال الى العمل السياسي دون رضاً ما أو حتى دفع ما من حكام هذه الدول.
كما أن الحريري على علاقة وثيقة بالجهات المقربة من حلف الناتو، كالمعهد الأطلسي للدراسات، الذي افتتح منذ سنوات مركزاً باسم والده فيه.
ولا يخفى على أحد ارتباطه الوثيق بجهات بريطانية وأمريكية، حتى أنه يستعد لإحياء ذكرى 14 شباط القادمة، في العاصمة الأميركية واشنطن، بمشاركة نواب ودبلوماسيين أميركيين ولبنانيين.
الكاتب: غرفة التحرير