أقام الكيان الإسرائيلي منذ اجتياحه للبنان واحتلاله لقرى الجنوب في العام 1982 عدّة سجون ومعتقلات، كان من بينها معتقل "أنصار" نسبة لاسم البلدة الجنوبية التي كان يقع فيها، وقد افتتحه في 14 تموز / يوليو عام 1982 واعتقل به الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين قبل انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.
وبتاريخ 4 / 11 / 1984 ارتكبت قوات الاحتلال مجزرة عرفت باسم "وادي جهنم" في هذا المعتقل بحق معتقلين كانوا يحاولون حفر نفق لانتزاع حريّتهم، وهم:
الأسير الشهيد إبراهيم خضرا
الأسير الشهيد أحمد شعيتو
الأسير إبراهيم درويش
الأسير عباس بليطة
اختار الأسرى الشهداء الفترة التي كان خلالها الاحتلال يعمل على إعادة تأهيل المعتقل الذي كانت فيه الأقسام مفتوحة على بعضها بعد عملية هروب سابقة نجحت في آب / أغسطس من العام 1983. بعد تلك العملية نقل الاحتلال جميع المعتقلين إلى ما أُطلقت عليه تسمية "وادي جهنم" (مكان وضع الاحتلال فيه المعتقلين مؤقتاً ريثما يتم الانتهاء من الأعمال)، وعمل الاحتلال على تقسيم المعتقل الى معسكرات منفصلة عن بعضها عبر الأسلاك الشائكة وجعلوا الأرض من الإسفلت (يُعرف بـ "الزفت"، مادة نفطية ذات لزوجة عالية ولون أسود، تستخدم كمادة لاصقة بين جزيئات حجارة البناء الصغيرة لتصبح منها مادة مؤلفة وصلبة). بلغ سمك الاسفلت في المعتقل أكثر من 20 سم، يضاف إليهم نفس المقدار في أرض كل خيمة (زنزانة). أصبحت سماكة الإسفلت في أرض الخيمة 40 سم في حدّها الأدنى.
أراد الاحتلال من خلال هذا التأهيل وطبقات الإسفلت منع أي تفكير في محاولة هرب جديدة. وعند اكتمال التجهيزات، أعاد الاحتلال المعتقلين من المكان الذي تواجدوا فيه. لكن مجموعة منهم كانوا قد خططوا لاغتنام هذه الفرصة وصنع عملية حرية أخرى بعد عام فقط من تلك السابقة. فحفروا في المكان "المؤقت" ملجأ داخل الأرض واختبئوا فيه على أن يخرجوا منه بعد أن تكتمل عملية إعادة المعتقلين إلى المعسكرات الجديدة.
لكنهم تفاجؤوا باستقدام الاحتلال لجرافات نوع "كاتربلر" قياس D9 وD10 عملت على حفر خنادق في الأرض، فانهارت الحفرة التي اختبأ فيها الشباب الأربعة، واستشهدوا.
كلمة المقاومة الإسلامية
عقب العملية علّقت المقاومة الإسلامية بالقول "يا أبناء أمتنا المجاهدة.. إننا في الوقت الذي ننعى إليكم هؤلاء الشهداء الأبرار.. نعيش الفخر والاعتزاز.. ان أمتنا عندما تبدأ ببذل الشهداء يعني أن طريق النصر الطويل قد بدء.. إن هؤلاء الأبطال كانوا داخل سجنهم يعيشون العزة والإباء .. ويدركون أن هذا العدو جبان وخائف.. لذلك كانوا يكررون على مسامع إخوانهم الأسرى: إن إسرائيل ضعيفة.. وأمريكا ضعيفة.. لكن المطلوب منا هو الانطلاق للجهاد صفاً واحداً ويداً واحدة ومسيرة واحدة".
وتابعت "إن هذا العدو الذي ارتكب جريمة قتل هؤلاء البررة عمداً.. اعتاد على غمس يديه بدماء المسلمين.. كما فعل في صبرا وشاتيلا ودير ياسين والنبطية وجبشيت.."
عملية الهروب الناجحة
قبل عام من شهادة المعتقلين الأربعة، قاد الأسير عاطف الدنف الذي ينتمي الى الحزب السوري القومي الاجتماعي عملية الفرار الكبير من معتقل "أنصار" على رأس مجموعة تضم 30 معتقلًا، اخترق بذلك هؤلاء الأسرى الحراسة المشدّدة والإجراءات الأمنية الى جانب تجاوزهم لملاحقة دبابات وطائرات الاحتلال فور اكتشاف هروبهم.
تمت خطة التحرّر من معتل "أنصار" عبر حفر نفق ترابي يمتد من إحدى الخيام داخل المعتقل إلى خارجه. وقد قام عشرون معتقلاً بالتناوب على حفر النفق الذي امتد طوله إلى 27 متراً وعمقه مترين ونصف. سمّي لاحقا بـ "نفق الحرية". ومن الصعوبات التي واجهت المعتقلين أثناء حفر النفق هو انقطاع الأوكسجين ووجود حجارة وصخور صلبة.
يذكر أن العديد من الأسرى المحررين من معتقل "أنصار" استشهدوا بعد الإفراج عنهم متأثرين بإصابات أو اعاقات جسدية ونفسية جراء التعذيب أو بالأمراض.
الكاتب: غرفة التحرير