فتحت التجاوزات التي وصمت بها الحكومة البريطانية الجديدة برئاسة، ليز تراس، الباب امام الحديث عن الآلات الإعلامية في البلاد، والتي تقف دائماً إلى جانب النظام وتتولى الترويج لسرديته حول شتى الملفات المتعلقة بالسياسات الداخلية والخارجية للبلاد على حد سواء، خاصة ان لندن تشهد ظروفاً اقتصادية صعبة ووصلت فيها مستويات التضخم إلى أرقام تاريخية. وتتصدر هذه المنصات الإعلامية، شبكة "بي بي سي"، التي بدأت توصف بأنها جزء من الفريق الذي يشن حرب الأغنياء ضد الفقراء.
ويقول الصحفي في صحيفة الغارديان، جورج مونبيوت، إن مراكز الابحاث اليمينية تهيمن على الحكومة الحالية في بريطانيا، ولهذا السبب قامت بالتخطيط للسيطرة على "بي بي سي". ويتهم مونبيوت، الحكومة بأنها تتعامل مع مراكز أبحاث تمولها "جهات مريبة"، وتصنفها على انها جماعات رقابية ومحايدة في المحتوى الذي تقدمه في برامجها التلفزيونية. ويقول بأن تراس قد آمنت بأفكار جوفاء قديمة ومستعملة قدمتها هذه المراكز التي تُمول بـ "مال مشبوه".
ويأتي هذا الحديث بعد ان قامت تراس، بإعلان "الميزانية المصغرة"، ما عرضها لانتقادات واسعة بعدما استمعت لمراكز الأبحاث تلك، التي تدعم خفض الضرائب على الأغنياء، حتى بدأت توصف على انها "شخصية مطواعة" لم يفهم بعد كيف وصلت إلى رئاسة الوزراء، حسب تعبير الغارديان.
ووصف مؤسس موقع "بيت المحافظين"، تيم مونتغمري، الإعلان عن الميزانية المصغرة، بأنه "لحظة عظيمة لمعهد الشؤون الاقتصادية الذي احتضن تراس ووزير الخزانة كواسي كوارتينغ في الأيام الأولى من دخول البرلمان". بينما كان من اللافت حديث مدير المعهد، مارك ليتلوود، الذي عبّر عن فرحته بالقول "تحولت بريطانيا لمختبرهم الآن" -ويقصد من سبق ذكر اسمهم-، وأرفقها بـ"إيموجي" عدسات شمسية.
مراكز أبحاث تمولها لوبيات خفية
تحت عنوان "هل سلمت ليز تراس السلطة لمراكز البحث الليبرالية الجديدة؟"، في صحيفة الغارديان، يجيب مسؤول السياسة في معهد الشؤون الاقتصادية، ماثيو ليش بـ "نعم". وأضاف "تم تشبيه الكارثة الاقتصادية التي تسببت بها تراس وكوارتينغ بمذبحة شارع تافون، حيث تقع مراكز البحث في هذا الشارع في وستمنستر، وهي التي قامت بإعداد هذه السياسات".
ويقول مونبيوت، في هذا الصدد "نحن نتعامل مع مراكز البحث هذه التي ترفض الكشف عن مصادر تمويلها كجماعات لوبي لمصالح خفية. ونعرف من التسريبات والتقارير الأمريكية أنها تشمل في بعض الحالات مصالح شركات الدخان، شركات النفط والأوليغارشيين الأجانب".
ويظل هناك سؤال واحد عالق لم يقدّم له أحد إجابة مرضية: "أين دور بي بي سي التي فتحت الباب لهؤلاء المتطرفين يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام ووفرت لهم منبراً واسعاً في نشرات الأخبار وبرامج شؤون الساعة؟". حيث تستضيف القناة في برامج "كويسشن تايم" و"توداي" ونيوز نايت" مجموعة من الضيوف والمعلقين من معهد آدم سميث ومركز تبادل السياسيات إضافة لمعهد الشؤون الاقتصادية وتحالف دافعي الضرائب.
كما تجدر الإشارة إلى ان كل هذه المراكز، صنفت ضمن حملة "من يمولك؟" الأكثر غموضاً وانكاراً من بين المراكز الأخرى التي تم التحقيق معها. وتشير الغارديان انه عندما تم تقديم اعتراض على اثر اتهام احد المذيعين ويدعى، جيمس أوبراين، لمعهد "افكوم" بأنه "من جماعة لوبي يمينية متطرفة لمجموعات المصالح الخاصة ورجال الأعمال الكبار والوقود الأحفوري"، رفضت لجنة الرقابة على البرامج التلفزيونية والإعلامية الشكوى، قائلة إن أوبراين لم يشوه الحقائق.
ويقول جورج مونبيوت، ان الوضع أصبح مثيراً للسخرية، اذ ان بي بي سي طلبت من المراكز ابداء رأيها بأداء الحكومة الحالية التي تترأسها تراس، على اعتبارهم خبراء محايدين على علمها بأنهم معدّي هذه السياسات والمشرفين على صياغتها. ويعتبر مونبيوت ان فشل الشبكة في تنفيذ القواعد المهنية ليس أمراً عرضياً، بل سياسة، وعن سبب ذلك، يجيب "هذا جزء من الإجابة، ان الشبكة تحاول دائماً استرضاء الصحافة التي يقوم بدعمها أصحاب الحكومات المحافظة ومالكي المليارات والنفوذ".
ويختم مونبيوت: هناك أمراً أكبر وراء هذه القصة مما يمكن لنا معرفته. ومن الصعب ان نفهم الطريقة التي تقوم فيها بي بي سي بخرق قواعد الترويج والتطبيع مع الجماعات الليبرالية الجديدة. والليبرالية الجديدة هي تبرير فكري لحروب الطبقة التي شنها الأغنياء ضد الفقراء، وبي بي سي هي جزء من الفريق.
الكاتب: غرفة التحرير