للمرة الأولى منذ 37 عاماً، هبط الجنيه الإسترليني قبل أيام، إلى أدنى مستوى في تاريخه. ولم يكن "الهبوط الحر" للعملة البريطانية مفاجئاً. اذ وصفه البعض بأنه "انتقام الأسواق" من سياسات الحكومة الجديدة التي ترأسها ليز تراس. وعلى ما يبدو ان تدخل البنك المركزي المباشر لبث شكل من أشكال الطمأنينة بين المستثمرين، جاءت نتائجه عكسية.
جدل واسعاً أحاط بقرارات الحكومة البريطانية أخيراً. خاصة، بعد قرارها بإقرار "ميزانية مصغرة"، تقضي بمنح إعفاءات ضريبية بقيمة 45 مليار جنيه إسترليني تقريباً، رغبة بالقيام بصدمة إيجابية تحفز الاقتصاد وتفعّله، دون الحصول على التغطية المالية اللازمة لذلك.
ويقول رئيس كرسي "رونالد كوس" في جامعة لندن للاقتصاد، البروفيسور البريطاني، جون ان ما يقال عن ان ارتفاع قيمة الدولار هي السبب الأساس في تراجع قيمة الجنيه مرفوض اقتصادياً، بل ان "السبب هو تخطيط الحكومة لزيادة هائلة في العجز بالميزانية عن طريق الاستدانة، دون أن تقوم بوضع خطة واضحة الملامح والمسارات للطريقة التي سوف تسدد بها هذه الأموال، وهو ما تسبب في حالة من القلق وعدم اليقين في الأسواق المالية".
تداعيات الانهيار
وتقول صحيفة بلومبيرغ الأميركية ان تداعيات انهيار الجنيه سيؤثر بشكل مباشر على البريطانيين ويعرّض استقرار حياتهم المعيشية للقلق. فمن المتوقع أن يؤدي انخفاض الجنيه إلى تفاقم أزمة الطاقة في البلاد، نتيجة الزيادة الطبيعية لكلفة استيراد الغاز الطبيعي وإمدادات الكهرباء. حيث ان لندن، تستورد غالبية حاجاتها الطاقاوية، وتسدد مستحقاتها باليورو والدولار، وهذا ما يجعل من امداد المصانع وتدفئة المنازل أمراً أكثر كلفة في هذه المرحلة، إضافة لأزمة الطاقة التي تواجهها الدول الأوروبية، بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
مدير "إنابسيس" (EnAppSys)، وهي شركة استشارية لبيانات الطاقة، فيل هيويت، أشار إلى ان ذلك قد يؤدي إلى زيادة تكلفة برامج دعم الطاقة الحكومية، والتي من المتوقع ان تصل تكلفتها إلى حوالي 200 مليار جنيه إسترليني. وفي هذه الحال، التي تتلخص بارتفاع تكاليف بيع الغاز والكهرباء أعلى من سقف الأسعار التي كانت قد وضعته البرامج الحكومية، فإن الحكومة ستضطر إلى اللجوء للاقتراض والضرائب لأجل سداد الفروقات، ما سيؤدي بالنتيجة إلى ارتفاع إضافي بالأسعار على الشركات والمواطنين ولسنوات طويلة.
أزمة أخرى تلوح بالأفق. اذ ان ازمة الرهن العقاري آخذة بالتنامي، بعدما وصلت عوائد العقود المتعلقة بمبادلة أسعار الفائدة التي تستخدمها البنوك لتسعير الرهون العقارية حوالي 6%، هذا الأسبوع وسط تقلبات متكررة، في حين لا تزال تكلفة غالبية القروض المتعلقة بالرهن العقاري لمدة عامين، حوالي 3%، بحسب الجدارة الائتمانية للمقترض.
ووفق ما ذكرت بلومبيرغ انه "لا يمكن استمرار الفجوة بينهما حتى يستنفد المقرضون تحوطاتهم، بعدها ستضطر البنوك إلى رفع فوائد الرهن العقاري بشكل كبير حتى تتجنب شطب القروض بسبب الخسارة، حيث بلغت تكلفة الاقتراض لشراء منزل بالفعل أعلى مستوى لها منذ الأزمة المالية".
مطالبات لتراس بالاستقالة
وتظهر نتائج استطلاع أجرته "يوغوف" في 30 أيلول/ سبتمبر الماضي، ان "أكثر من 50% من البريطانيين يعتقدون انه يجب على رئيس الحكومة، ليز تراس، -بعد أقل من شهر من تسلمها المنصب- ان تستقيل".
وتقول يوغوف ان فرض زيادات إضافية على الأسعار أمراً لا مفر منه، وسط ارتفاع مستمر في أسعار الفائدة بغية الحد من التضخم. وتضيف بأن "الارتفاع المفاجئ يهدد رأس المال السياسي، الذي استثمره حزب المحافظين في ملكية المنازل وسوق الإسكان".
ويسلط الاستطلاع الضوء، على الضرر الذي لحق بمكانة تراس وحزبها المحافظ بسبب الحزمة الضخمة من التخفيضات الضريبية غير الممولة التي كشفت عنها حكومتها قبل أسبوع، حسبما ذكرت وكالة "بلومبيرغ".
الكاتب: غرفة التحرير