كان لغياب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، دلالات ربطها مراقبون بالمساعدات العسكرية الأميركية لبلاده وهبة التسليح التي تعرقلها الولايات المتحدة. وتقول صحيفة إسرائيل هيوم العبرية في هذا الصدد ان القاهرة تلقت صفعة أخرى من واشنطن. مشيرة إلى ان "إن تأخير تحويل المساعدة لمصر، وإن ارتبط بالسياسة الأمريكية الداخلية، لكنه يضع الولايات المتحدة في ضوء سخيف. فمن جهة، تتأخر مساعدة مالية ضيقة نسبياً بسبب خرق حقوق الإنسان، ومن جهة أخرى يوسع لمنح إسناد بمليارات الدولارات لمملكة تسحق المعارضة وحرية التعبير".
النص المترجم:
تتلقى القاهرة صفعة أخرى من واشنطن. فإدارة بايدن تؤخر دفع 130 مليون دولار لمصر بدعوى خرق حقوق الإنسان. صحيح أن هذا 10% من حجم المساعدة العسكرية لبلاد النيل والتي تبلغ نحو 1.3 مليار دولار في السنة، ولكن هذا يكفي لإيقاظ محبي المؤامرات من مرابضهم.
"الموضوع ليس حقوق الإنسان، فالمطلوب من مصر أبعد من هذا بكثير. والأهم أن تكون مصر دولة طائعة في المعسكر العسكري لأمريكا"، قال الباحث المصري أحمد رفعت.
"سخيف ومزعج تجميد الأموال بدعوى مخالفات الحكومة المصرية في مسألة حقوق الإنسان. هذه ادعاءات كاذبة"، ادعى عضو البرلمان مصطفى البكري. وعلى حد قوله، فإن "مصر حررت مئات السجناء السياسيين ودعت إلى حوار وطني لتحقيق إصلاحات سياسية. على أمريكا أن تنظر إلى المرآة قبل أن تتحاسب مع الآخرين. لن نقبل إملاءات من أمريكا مقابل المال وعلى حساب سيادتنا واستقلالنا".
يعتقد آخرون أن إسرائيل تقف خلف كل الأمر. المحلل نور ندى، شرح بأن "المساعدة الأمريكية ترتبط من ناحية تاريخية بالرئيس جمال عبد الناصر ومحاولات الإدارة الأمريكية استبدال النظام الناصري بنظام موال له. وأدى هذا إلى تراجع في الدور الاقتصادي الذي لعبته الدولة المصرية وتحييد الجيش في النزاع العربي مع الكيان الصهيوني للتوقيع على اتفاقات كامب ديفيد مع إسرائيل".
ثمة إشارة من الرئيس المصري نفسه كان يمكن أن نراها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي تغيب السيسي عنها. وقدر محللون عرب بأن الغياب يرتبط بالتوتر مع الولايات المتحدة على خلفية تجميد أموال المساعدة. أما السيسي فقال إن ظروفاً طارئة لم تسمح له بالسفر.
التأخير في تحويل الأموال حل وسط داخل السياسة الأمريكية نفسها. فقد طلب مشرعون في الحزب الديمقراطي إيقاف المساعدة التي تشترط الإصلاحات في مجال حقوق الإنسان، وتبلغ 300 مليون دولار. غير أن في المالية اكتفوا بتأخير 130 مليون دولار بدعوى أنه طرأ تقدم ما في هذه المسألة.
ربما نفهم الغضب المصري. فمؤخراً، وقعت الولايات المتحدة على مذكرة تفاهم بموجبها ترفع عمان على حساب القاهرة في سلم الأولويات. قبل نحو أسبوع، وقع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره الأردني أيمن الصفدي على المذكرة، ترتب على الوثيقة مساعدة بمبلغ 1.45 مليار دولار في السنة للأردن الذي يتصدى لأزمة اقتصادية. يبدأ المال بالضخ في 2023 ويتواصل حتى 2029. وكان بايدن أعطى وعداً بذلك للملك عبد الله في القمة التي عقدت في السعودية.
الأردن ليس مثالاً لحقوق الإنسان بأي حال. فمنظمة هيومان رايتس ووتش دعت لمعالجة التدهور في حقوق الإنسان داخل المملكة. وبزعم المنظمة الدولية، فإن السلطات الأردنية شددت في السنوات الأربع الأخيرة إجراءات قمع المعارضة في سلسلة قوانين لإسكات كل نقد.
وأشارت في تقريرها إلى أن الحكم يستغل القوانين كي يعتقل الصحافيين والنشطاء السياسيين وأعضاء الأحزاب المستقلة وأبناء عائلاتهم. وكل هذا لقمع المعارضة في الداخل. وذكرت هيومان رايتس ووتش 30 حالة في الأعوام 2019 و2022 والتي استخدمت فيها السلطة الأردنية تفسيراً موسعاً للقوانين ضد الإساءة اللفظية بهدف اعتقال واتهام المواطنين ممن أعربوا عن آراء سياسية عبر الشبكات الاجتماعية أو في لقاءات علنية. إضافة إلى ذلك، حلت حكومة الأردن أحزاباً ومنظمات عُمالية.
"ثمة حاجة لمعالجة التدهور في حقوق الإنسان الذي يشهده الأردن اليوم. فالحفاظ على الاستقرار لن يبقى مبرراً لخرق حقوق المواطنين"، قالت لنا الفقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة.
وأفاد مصدر أردني رفيع المستوى لوكالة الأنباء رويترز، بأن الحكومة الأردنية تدرس هذه الأيام التقرير وسترد عليه بالتفصيل. نأمل أن يأتي الجواب في موعد ما. كما أن الحكومة الأردنية ادعت بأن قانون الأحزاب السياسية الذي عدل في الآونة الأخيرة أزال القيود عن الأعمال غير العنيفة للمعارضة ويشكل خطوة في اتجاه ديمقراطي أكثر.
كما أسلفنا، فإن تأخير تحويل المساعدة لمصر، وإن ارتبط بالسياسة الأمريكية الداخلية، لكنه يضع الولايات المتحدة في ضوء سخيف. فمن جهة، تتأخر مساعدة مالية ضيقة نسبياً بسبب خرق حقوق الإنسان، ومن جهة أخرى يوسع لمنح إسناد بمليارات الدولارات لمملكة تسحق المعارضة وحرية التعبير.
مؤخراً، أجري استطلاع مشوق للرأي العام بطلب من معهد واشنطن لبحوث الشرق الأوسط، وذلك بين 20 تموز و11 آب 2022 من خلال معهد استطلاعات مستقل في المنطقة، فحص مواقف الجمهور المصري في جملة من المسائل.
أحد المعطيات الهامة في الاستطلاع أن نحو نصف الجمهور المصري (47 %) وافقوا على القول التالي: "لا يمكننا الاعتماد على الولايات المتحدة هذه الأيام. علينا أن نرى الصين وروسيا كشريكين أكثر". هذه النسبة ارتفعت بـ 10% منذ تشرين الثاني 2021.
لعل الصين هي الأمر التالي لمصر. بالنسبة للعلاقات مع القوى العظمى الأجنبية، جاءت الصين في المكان الأول عندما أشار 64 في المئة من المشاركين في الاستطلاع إلى أن العلاقة معها مهمة جداً أو مهمة بما يكفي. تأتي بعدها الولايات المتحدة (58%)، ثم روسيا (52%)، والاتحاد الأوروبي (46%).
الحراك في العلاقات مع الولايات المتحدة سمح لمصر بالانحراف إلى الشرق. هناك، برعاية بكين، الوزن الذي يعطى لشؤون حقوق الإنسان صفر. هذه بشرى سيئة للقوى الليبرالية في مصر التي هي بين مطرقة الجيش والسندان الإسلامي.
لإسرائيل سبب يقلقها. تبين في الاستطلاع وجود تأييد شعبي متدن جداً للتطبيع. فبالكاد 11% وافقوا على أنه ينبغي السماح للناس بعقد ارتباطات تجارية ورياضية مع الإسرائيليين، وذلك رغم تحسن العلاقات الرسمية. وهذا المعطى يحافظ على الثبات منذ كانون الأول 2021. إذا جاء يوم وفكت مصر ارتباطها مع الولايات المتحدة، فعلى إسرائيل أن تعيد النظر في احتساب المسار.
المصدر: إسرائيل هيوم
الكاتب: شاحر كلايمن