على مبدأ هذه الموازنة أفضل من الا يكون هناك موازنة، أقرّ مجلس النواب اللبناني، بأكثرية 63 صوتاً وحضور 106 نائباً في الجلسة ومعارضة 37 نائباً وامتناع 6 آخرين عن التصويت، الموازنة العامة لعام 2022 فيما لم يبقى من السنة الجارية الا 3 أشهر. تضمّنت الموازنة الجديدة التي افتقدها لبنان منذ سنتين على أقل تقدير، العديد من النقاط التي كانت محل تجاذبات بين النوّاب فيما حاول آخرون تمرير بنود إصلاحية.
تشير أرقام الموازنة الجديدة الى فجوة مالية كبيرة بين مبلغ النفقات الذي يصل الى 40873 ألف مليار ليرة وبين الواردات التي لا تتجاوز 29986 ألف مليار ليرة. وفي هذا السياق ادّعى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن "صندوق النقد تعهّد بعد الاتفاق أن يسدّد العجز والا ذاهبون الى التضخم". لكن وزير الاشغال في حكومة تصريف الأعمال علي حمية كشف عن إمكانية تحصيل واردات إضافية وبالدولار من مصادر داخلية من القوانين التي أقرّت في آب / أغسطس الماضي كالأملاك العامة ورسوم المطار وبعض الضرائب.
أهمّ ما شملته الموازنة هو إقرار زيادة في رواتب القطاع العام (المدني والعسكري) فلا تقل الزيادة عن 5 ملايين ليرة لبنانية ولا تزيد عن 12 مليون ليرة. وتعتبر استثنائية ومحدودة الى حين المعالجة النهائية لموضوع الرواتب، ولا تحتسب في تعويضات نهاية الخدمة او المعاش التقاعدي. ووفق الأرقام التي نشرتها بعض الأوساط الإعلامية، فإن الموظف الذي يبلغ راتبه الأساسي 2 مليون ليرة، سيصبح 4 مليون ليرة، بينما الموظف الذي يصل أساس راتبه إلى 5 مليون ليرة، سيصبح 10 مليون ليرة لبنانية.
وزيادة الرواتب، كانت فكرة أطلقتها كتلة "الوفاء للمقاومة" وأضيف عليها 1000 مليار ليرة احتياطي كسلفة متممات، حسب ما صرّح عضو الكتلة النائب علي فيّاض. فوسط كلّ الإشكاليات نجحت الكتلة في إدخال بعض التعديلات الإصلاحية للموازنة وهي الى جانب هذه الزيادة، شملت تغطية بنسبة 100% لأدوية السرطان والأمراض المستعصية، بالإضافة الى إدخال دعم إضافي إلى موازنة الجامعة التشغيلية، ورواتب الأساتذة والموظفين.
واعتبر النائب علي حسن خليل أن "قيمة الرواتب انخفضت 24 مرة، وهناك استحالة ان تبقى المعاشات كما هي اليوم"، وقال: "نحن نقوم بعمل جزئي بسيط بما يساهم في اعادة العجلة الى القطاع العام، لا نستطيع ان نترك القطاع العام معطلا، وما نقوم به سلة صغيرة".
أكثر نقطة إشكالية في الموازنة كانت رفع الدولار الجمركي من سعر صرف 1500 ليرة لبنانية الى 15000 ليرة لبنانية، وهو ما سيخلق مزيداً من الأزمات في البلد في ظلّ غياب رقابة على الأسعار وضبط التهريب من جهة، ومع غياب الدراسة المعمّقة للسوق لتحديد حجم العائدات المالية والاستفادة الحقيقية للدولة منها من قبل الدولة ووزارة الاقتصاد والأجهزة الأمنية المعنية. بالإضافة الى أنه لا يمكن رفع الدولار الجمركي والإبقاء على سعر صرف الدولار 8000 ليرة للسحوبات المصرفية، وفق ما كان قد أوضح خبير اقتصادي في حديث سابق مع موقع "الخنادق".
تحفظّ واعترض العديد من النواب من مختلف الكتل على الأرقام التي تتضمنها الموازنة ووصفها البعض "بالرقمية والارتجالية" خاصة وأن هذه الأرقام تغيّرت أكثر من مرة خلال الجلسة التي شهدت نشاطاً للجنة المال والموازنة وخاصة للنواب ثلاثي علي حسن خليل وإبراهيم كنعان وجورج عدوان. الا أن أوساط إعلامية نقلت عن نواب آخرين قولهم إن "نواب ما يسمى "المعارضة" يؤكدون رفضهم الزيادات المقترحة على رواتب القطاع العام في الموازنة العامة داخلة القاعة العامة ويخرجون الى المتظاهرين أمام مجلس النواب معلنين تبني مطالبهم بزيادة الرواتب". فيما رأى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أن "هناك عدم جدّية بالتعاطي بموضوع الموازنة".
رغم الكثير من النقاط الإشكالية التي لا تزال تحتاج الى التعمّق في الشرح وبين ما ستتركه من تداعيات على المواطن اللبناني ستتكشّف في الأيام المقبلة، مرّت الموازنة الجديدة. خطوة لن تمثّل الحلّ لأزمة البلد الاقتصادية والمالية اذ لم تعمل الدولة بجدية وبخطط واضحة للنهوض بلبنان بعيداً عن التجاذبات السياسية بين الأطراف.
الكاتب: غرفة التحرير