ينسب بعض الكتاب المعاصرين "الصهيونية" إلى جبل زيون Zion في القدس، وأنها ولدت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، إلا أن الحقيقة تشير إلى أنها وليدة القرن الثاني عشر الميلادي، حيث ظهرت بين "يهود الخزر" وهم شعب من أصل تركي، وقد امتد نفوذهم فيما بين البحر الأسود في الغرب، وبحر قزوين في الشرق الذي حمل اسمهم أي بحر الخزر، ومن القوقاز في الجنوب حتى الفولغا في الشمال. وفي العام 740 ميلادية اعتنق ملك الخزر وبلاطه وعسكره، الدين اليهودي وصارت اليهودية – دين الدولة الرسمي – عند الخزر، وكان أمراً فريداً من نوعه عند الوثنيين. وبذلك أصبح "يهود الخزر" يعتبرون أنفهم "شعب الله المختار" الذي يملك "حق العودة" إلى "أرض الميعاد" فلسطين.
يقول المؤرخ "آرثر كوستلر" في كتابه "امبراطورية الخزر وميراثها، القبيلة الثالثة عشرة" أنه "ثمة أمر آخر صغير ذو صلة بموضوع الخزر، وهو أمر شبه أسطوري قريب من الفولكلور التاريخي، وما زال يعيش إلى يومنا هذا، ففي القرن الثاني عشر الميلادي قامت في خازاريا حركة للخلاص، وكانت محاولة بدائية استهدفت استعادة فلسطين بقوة السلاح، وكان مؤسسها يهودياً خزرياً يدعى "سليمان بن دوجي (أو روهي أو روي) يساعده ولده "مناحيم" وكاتب يهودي من فلسطين، وراسلوا كل اليهود البعيدين والأقربين في كل البلاد المحيطة بهم"، يقولون "أنه حان الوقت الذي يجمع الله فيه شعبه شعب إسرائيل من كل البلاد إلى أورشليم المدينة المقدسة" وذكروا بأن "سليمان بن دوجي هو إيليا"( أحد انبياء التوراة)، وأن ابنه هو المخلص المنتظر.
من الواضح أن هذه الدعوات قد وجهت إلى الجماعات اليهودية في الشرق الأوسط، ويبدو أن تأثيرها كان ضعيفاً. لأن الخطوة التالية لم تتخذ إلا بعد حوالي عشرين سنة، عندما أطلق الشاب "مناحيم" على نفسه اسم "داوود الروي" وجعل لقبه "المخلص المنتظر". ورغم أن هذه الحركة ولدت في خازاريا، إلا أنها سرعان ما انتقلت إلى كردستان، حيث جمع المدعو "داوود" قوة مسلحة كبيرة، كان منها يهود محليون بمساعدة الخزر، ونجحوا في أن يتخذوا لهم موقعاً في غابة آحادي الحصينة إلى الشمال الشرقي من الموصل، وربما كان يأمل أن يقود جيشه منها إلى أديسا (الرها) ليصل عنوة عبر سوريا إلى الأرض المقدسة.
ووفقاً لأحد التفسيرات فإن "درع داوود" المسدس الذي اتُخذ شعاراً للكيان المؤقت، قد بدأ ظهوره كرمز قومي مع حركة "داوود الروي"، ومنذ ذلك الحين اقتُرح "درع داوود" المسدس لأغراض زخرفية أو كرمز سحري في المقام الأول، ثم اتُخذ كرمز ديني قومي أول لليهودية. كما ظهر على العلم اليهودي في براغ في تشيكوسلوفاكيا القديمة عام 1537 ميلادي.
واستناداً إلى ما سبق ذكره، نشير إلى أن مفهوم "الصهيونية الحديثة" يعني بشكل عام الحركة التي تسمى وطنية، والتي قامت على يهود أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر تحديداً. وكانت تهدف إلى إيجاد حل لما زعمت أنه مشكلة الشتات "اليهودي" في تلك القارة وكان منظّرها الأول "ثيودور هرتزل" (1866-1905).
يميز بعض الكتاب الغربيين بين "الصهيونية الدينية" أو الأصولية و"الصهيونية السياسية" مع أنهم في الحقيقة وجهان لعملة واحدة، وتستمد الحركتان قوتهما من أساطير التاريخ اليهودي القديم. ويدل على ذلك، الكتابات اليهودية الفكرية السياسية التي تعود إلى القرنين التاسع عشر والعشرين. وقد شرحت هذه الكتابات علاقة "الأصولية الصهيونية" بمفاهيم العلاقة بين التاريخ اليهودي والعقيدة اليهودية من جهة، والفكر السياسي اليهودي من جهة أخرى، وبناءً على ذلك يمكن القول أن أسس عقيدة هذه الأصولية هي الأسس الدينية التاريخية، والتمييز العرقي، التي تشير إلى "أن ملكية العالم المادي هو من حق اليهود فقط كعنصر تفوق".
وقد أشار "كوستلر" الى " أن الدلائل المعروضة سابقاً تدعم الحجة القوية التي قدمها المؤرخون المُحدثون، سواء النمساويون اليهود أو البولنديون والذين أثبتوا أن الغالبية العظمى من اليهود المعاصرين ليسوا من أصل فلسطيني، وإنما من أصل قوقازي، وأن التيار الرئيسي للهجرات اليهودية لم ينبثق من حوض البحر المتوسط عبر فرنسا وألمانيا نحو الشرق عائداً أدراجه ثانية، ولكنه تحرك في اتجاه ثابت دائم نحو الغرب، بادئاً من القوقاز، عابراً أوكرانيا إلى بولندا، ومنها إلى وسط أوروبا، وعندما قام في بولندا وسط هذا الاستيطان الضخم الذي لم يسبق له نظير، لم يكن إلى جانبه في الغرب سوى عدد من اليهود غير كاف لأن يُعتّد به، بينما كان شعب بأسره في الشرق في سبيله إلى التحرك نحو حدود جديدة"، ويضيف:" من العسير تحديد نسبة الخزر العددية إلى العنصر السامي". ويؤكد "كوستلر" المؤرخ اليهودي المجري "أن الغالبية العظمى من اليهود في العصور السابقة كان أصلها من بلاد الخزر، وقد أسهموا في البنية السلالية لليهود إسهاماً جوهرياً بالضرورة، ولهم السيادة والغلبة وفق أقوى الاحتمالات".
ويخلُص كوستلر الى أمرين أثنين هما "أن الأغلبية العظمى من يهود العالم من أصل تركي خزري، ورفض الاعتقاد الشائع بوجود عرق يهودي متحدر من القبيلة التوراتية". وكذلك يقول المؤرخ اليهودي المعاصر "ابراهام بولياك" في كتابه "خازاريا" الذي صدر كمحاولة لتصحيح الاعتقاد المقدس القديم القائل بانحدار اليهود المعاصرين من القبيلة التوراتية. وقد قال "بولياك" في مقدمة كتابه: "إن الحقائق تتطلب منهجاً جديداً لتناول كل مسألة العلاقات بين يهود الخزر وغيرهم من الجماعات اليهودية، ومسألة المدى الذي يمكن أن نصل إليه في اعتبارنا أن كتلة اليهود الخزر كانت ركيزة المجتمع اليهودي الكبير في أوروبا الشرقية، وأن أبناء هذه التجمع، هؤلاء الذين بقوا حيث هم، وهؤلاء الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة وغيرها من الأقطار، وهؤلاء الذين هاجروا إلى إسرائيل، يمثلون الغالبية العظمى من اليهودية العالمية".
والخلاصة، أن "يهود الكيان المؤقت" لا يشكلون بأي شكل من الأشكال السكان الأصليين في أرض فلسطين، وأن يهود الخزر هم خليط أعراق تنسب نفسها إلى اليهودية، كما أن الحركة الصهيونية لبست لبوس الديانة اليهودية لتكون طليعة المشروع الاستعماري في العالم العربي ليشكل الكيان المؤقت قاعدة متقدمة للمؤامرات ضد العرب والمسلمين.
الكاتب: غرفة التحرير