44 عاماً، ولم تزل كلمات السيد موسى الصدر يُسمع صداها منذ أوائل الخمسينيات وأواخر السبعينيات، اذ لم يستطع المتآمر لأجل تغييب شخصه في زيارته الأخيرة الى ليبيا في 31 آب عام 1978 أن يحجب فكره ويجتثّ زرعه. بل إن أكثر ما يحتاج اليه لبنان اليوم هو إعادة التمعّن في الرؤية السياسية والاجتماعية للسيد الصدر التي سيجد فيها خلاصه من أزماته الحالية فيما لو طبّقت بجديّة.
فالسيد الصدر لم يغب عن مشاكل البلد مقدّماً الطروحات لحلّها الجذري ومساهماً في بناء مفهوم الدولة والمواطنة الحقيقية التي تعيد ربط اللبناني بأرضه ووطنه في مرحلة سادت فيها الفوضى والتناحر السياسي والطائفي بالإضافة الى الحرمان والإنماء غير المتوازن والمناطقية وتفكّك الساحة اللبنانية وانفصال الشمال عن الجنوب كما عن العاصمة.
إن أوّل مسألة شدّد عليها السيد الصدر هي الحفاظ على الطاقات والمورد البشري في للبلد اذ اعتبر أنه يجب "الايمان بالإنسان، ثروة لبنان الوحيدة، ذلك الانسان الذي يشعر بجرح في كرامته، وعدم توفر الظروف لبروز كفاءاته وطموحه" ويجب توفير البنية التحتية الأساسية التي تسمح لهذه الطاقات بالعمل والإنتاج.
وأضاف "إن المواطن اللبناني لا يطلب من المسؤولين إبداع المعجزات فهو شاعر بالصعوبات ولكنه يرفض التمييز بين المناطق والفئات والمواطنين. فإذا تأمن له ذلك ثم أخرجناه بخدمة العلم من حياة اللهو والاهمال والترف، فقد صنعنا مواطناً يستأهل أن يكون بلده لبنان، وطن الجمال والجلال، بلد السيف والقلم" مشيراً الى أن "هذا يحتاج الى تدابير ثقافية وإعلامية وأخلاقية".
ورأى السيد الصدر أن هذا لا يحتاج الى الكثير من الجهد من جانب الدولة لأن "الشعور بمعنى الأرض والوطن موجود" لكنّه "يحتاج إلى تنمية وإبراز، وهذا يحصل عن طريق العدالة الاجتماعية وإشعار المواطن بأنه متمتع بوطنه عزيز في أرضه وليس مواطناً من الدرجة الثانية".
كذلك يكمن خلاص لبنان في الاستقلال الحقيقي، الاستقلال من كلّ ما يكبّل تطوّره. أولاً من جهة النظام الطائفي فعلى الرغم من "أنني أؤمن بأن تعدد الطوائف خير للبنان، بل هو ميزة لبنان الأولى، ومع ذلك فإني أعتقد أن النظام الطائفي فشل في تأمين العدالة الاجتماعية"، ودعا السيد الصدر الى الحفاظ على "التوازن بين الطوائف بوسائل متجددة"، نابذاً العنف وتحويل السلاح، الذي يجب أن يصوّب فقط ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، الى الداخل اللبناني خاصة في فترة الحرب الأهلية اذ سعى لأجل "الحوار السلمي الديموقراطي سبيلا لتحقيق الإصلاحات السياسية والاجتماعية وتأمين السيادة والشرعية".
ثانياً يرى السيد الصدر أن "الاستقلال في مفهومه العميق ليس فقط تحررًا من الجيوش الأجنبية بل يمتدُّ معناه إلى التحرر السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي".
وعلى صعيد آخر، ناقش السيد الصدر مفهوم عاصمة الدولة وقال إن "المدينة العاصمة، تعني المدينة التي تحفظ نفسها وتحفظ غيرها وتعصم غيرها؛ والحدود مفهومها غني عن البحث. فاليوم ليست حدود المجتمعات والأمم حدودها الجغرافية فحسب، لأن بقاء الأمم لا يعني صيانتها أمام العدو الخارجي. فالعالم في القرن العشرين لا يعترف بالحدود الجغرافية بمعناها اللفظي، لأن الأخطار كثيرًا ما تأتي من الداخل؛ أي من حدود المجتمع، من حدود الأمة لا من حدود الأرض".
لم تكن هذه هي الإشكاليات الوحيدة التي طرحها وحلّلها السيد الصدر إنما تابع كل الأمور المتعلّقة بالنهوض بلبنان على مستوى المشاكل الداخلية وعلى مستوى المخاطر الخارجية.
الكاتب: مروة ناصر