تعتبر معركة "وحدة الساحات" من الجولات العسكرية القصيرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وكيان الاحتلال لكن وقعها وتأثيرها لا يقاس بمدتها الزمنية التي لم تتجاوز الـ 55 ساعة إنما بحضور حركة الجهاد الإسلامي ليس العسكري فقط وحجم الضرر المادي الذي أحدثته في الجبهة الداخلية للاحتلال بل أيضاً بما دحضته من أهداف وادعاءات خلال أيام القتال وما بعدها وما رسّخته في البيئة الشعبية الفلسطينية، لتكون "واحدة من المحطات المفصلية في عمر وتاريخ نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته" حسب ما وصّف الناطق العسكري باسم سرايا القدس "أبو حمزة".
وتأبيناً لشهداء هذه المعركة ولا سيما القادة منهم تيسير الجعبري (قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس) وخالد منصور (قائد المنطقة الجنوبية)، نظّمت حركة الجهاد الإسلامي المهرجانات تحت شعار "وحدة الساحات...الطريق الى القدس". وإن انطلاقتها بالتزامن في الساحات الخمس غزّة، رفح، جنين، بيروت ودمشق (في مخيم "اليرموك") حمل العديد من الرسائل المهمة.
الشتات والترابط في المنطقة
فـ"الجهاد الإسلامي" التي أراد الاحتلال تأليب جمهورها ضدها والاستفراد بها خلال العدوان، لبّت بيئتها دعوة المهرجان، الى جانب المتضامنين معها من الفصائل الفلسطينية كافة. كما أكّدت الحركة للاحتلال أنها ليست منحصرة فقط في قطاع غزّة والضفة الغربية المحتلّة بل لها امتداد جماهيري في سوريا ولبنان حيث احتشد فلسطينيو الشتات مستعيدين دورهم الحقيقي في الصراع وفي العودة ورفض التوطين. وفي هذا السياق قال الأمين العام للحركة زياد النخالة إن المعركة "فتحت آفاقًا لشعبنا الفلسطيني في الشتات، ليعمل حتى يكون جزءًا مهمًّا في المعارك القادمة مع العدو". كما حضرت شخصيات لبنانية وسورية أثنت على دور ومسيرة حركة الجهاد الإسلامي ولفتت الى أهمية معركة "وحدة الساحات" في المقابل خصّ النخالة بالشكر الدول والحلفاء الذين ساندوا الشعب الفلسطيني خلال العدوان ومنهم إيران وحزب الله.
صور النابلسي والعموري رفعت في كل الساحات
أمّا عن التلاحم بين غزّة والضفة، فكان للجماهير الفلسطينية الحضور المميز في جنين - شرارة انطلاق مجموعات المقاومة -، وأكدت كتيبتها "أن معركة وحدة الساحات لم تنته ووحدة المقاومة لم تنته"، فهي الى جانب كتائب شمال الضفة في اشتباك يومي مع قوات الاحتلال التي تقتحم المناطق الفلسطينية وتعتقل أبنائها، وباتت تصدّر النماذج من الجيل الجديد الشاب المقاوم الذي أعاد الى الضفة بعضاً من مشاهد الانتفاضتين الأولى والثانية، لتكون جبهة قائمة بذاتها تشاغل الاحتلال وتستنزفه. وشدّد النخالة خلال كلمته على "أن المقاومة في الضفة الغربية المحتلة هي امتداد لمقاومة الشعب الفلسطيني في كل ساحات فلسطين، وهي تتكامل مع بعضها في مواجهة العدو... فلا فصل بين ما يجري في الضفة من مقاومة، وما يجري في غزة". ورفعت صور الشهيدين إبراهيم النابلسي (من مدينة نابلس) ومؤسس كتيبة جنين جميل العموري في كل الساحات.
عناوين المرحلة القادمة في غزّة
حول محاولة الشطب أو الإضعاف التي تعرّضت اليها "الجهاد الإسلامي" في العدوان الذي "أُرِيدَ من خلاله أن نرفع الراية البيضاء وأن نصمت" حسب تعبير "أبو حمزة"، فإنها لم تثنِ الحركة عن مواصلة طريق المقاومة بالاستناد الى رؤيتها وثوابتها وقيمها، وفي هذا الإطار أعلن النخالة أن رايات الجهاد ستبقى مشرعة "وأراها اليوم أكثر حضورًا من أي يوم مضى" لافتاً الى "أننا لا ننكسر، ولا نستسلم، ولا نساوم".
ووضع النخالة في حديثه عناوين عريضة حول المرحلة القادمة في غزّة غير المنفصلة عن الوحدة مع حركة حماس والفصائل كافة والاستمرار في التنسيق عبر الغرفة المشتركة ولفت النخالة الى أن الحركة قاتلت خلال العدوان "بتنسيق مشترك مع حماس". كذلك رفض النخالة المقايضة بالاقتصاد و"السلام الكاذب" والتحكّم بحركة المعابر مقابل أي شروط أو تنازلات من المقاومة منبهاً أن عدد الشهداء اليومي جراء المرض وانقطاع الأدوية والنقص في المستلزمات الطبية يتجاوز عدد الشهداء في المعارك، فحصار الاحتلال لا يقل وطأة عن عدوانه العسكري. ("إن عدد موتانا يوميًّا من المرض في غزة أكثر من عدد الشهداء الذين يقتلون في أي عدوان صهيوني").
وأعاد استنكاره القديم لسياسة التطبيع وإشاحة بعض الأنظمة العربية بوجهها عما يعانيه الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال والحصار ("العرب يشيحون بوجوههم عنا، لا يريدون أن يسمعوا أو يروا شيئًا اسمه فلسطين، أو شعب فلسطين").
تقدّمت المقاومة الفلسطينية خطوة جديدة إضافية في طريق الصراع مع كيان الاحتلال تحمّلها مسؤولية أكبر في حفظ المعادلات والإنجازات تمهيداً لمعركة أكبر قد لا تنتهِ – بالترابط مع الساحات كافة – بزوال "إسرائيل".
الكاتب: مروة ناصر