في خضم الأزمة السياسية التي يشهدها كيان الاحتلال، تتوالى الأزمات الاقتصادية والمعيشية إضافة للتحديات الأمنية. وبينما يتم القاء اللوم بالدرجة الأولى على محافظ بنك إسرائيل، لناحية مسؤوليته في حل معضلة التضخم بمستوى معين، يستمر الخبراء الاقتصاديون في الكيان بتحذيراتهم، من عمق الأزمة التي ستؤثر مباشرة على البنية الاجتماعية في الداخل المحتل، وتوسع من حجم الهوة بين الطبقات. وهنا تشير صحيفة هآرتس العبرية إلى ان "إذا استمر هذا التوجه، فلن تتأخر النتيجة الاجتماعية في الوصول. إسرائيل الفقيرة ستكون هي التي تخدم إسرائيل الثرية. إسرائيل الفقيرة ستدفع أجرة شقة لأصحاب الشقق والعقارات في إسرائيل الثرية".
النص المترجم:
محافظ بنك إسرائيل امير يارون يجد نفسه اليوم بعيداً خلف التطورات الاقتصادية، وعليه أن يتخذ أحد القرارات الصعبة في حياته، هل يرفع الفائدة بنسبة حادة تبلغ 0.75 % وربما أكثر، أو التورط في فقدان السيطرة على التضخم وتحويل إسرائيل إلى دولة لشعبين: أثرياء من جهة، وفقراء كثر من جهة أخرى.
النتيجة المحتمة هذه تظهر من خلال البيانات التي حلّت على إسرائيل مؤخراً، والتي تصف اقتصاداً مختلفاً عن الاقتصاد الذي فكرنا فيه قبل بضعة أيام. أمس، نشرت بيانات أولية عن الحسابات القومية للربع الثاني من العام، تتضح منها صورة لاقتصاد يعمل بكامل القوة.
هاكم: الناتج القومي قفز 6.8 %في نيسان /حزيران مقارنة مع الربع الأول، مقابل متوسط توقعات الاقتصاديين بارتفاع معتدل أكثر، 2.4% فقط. تختفي داخل هذا الرقم بيانات أقوى: الناتج التجاري ارتفع 8.5%، والاستهلاك الشخصي 10.4 %، والاستثمارات في العقارات 7.7%، وتصدير البضائع والخدمات ارتفع 10.3%، والإنفاق على السيارات الخاصة ارتفع 28%، بحساب سنوي.
أليست أنباء جيدة؟ الجواب: هذا يعتمد على لصالح مَن. صورة هذا الاقتصاد نشرت. مع الارتفاع الحاد للتضخم إلى معدل سنوي 6.8%، وهو الرقم الأعلى في العشرين سنة الأخيرة. إضافة إلى ذلك، إذا تركز التضخم حتى الآن في أسعار الطاقة والبضائع بتأثير الحرب في أوكرانيا، فهو الآن ينتشر ويتسع إلى كل الاقتصاد: أسعار الخدمات بما في ذلك التعليم والصحة والثقافة، ارتفعت 5.1%. ويوصل التضخم بالأساس بكل القوة إلى السوق الأكبر والأهم في إسرائيل، وهي سوق الشقق التي تسجل فيها الأرقام أرقاماً قياسية: أسعار الشقق ارتفعت في السنة الأخيرة 18%، ومن ليست له شقة فقد ارتفع الإيجار 7%.
لم يكن الوضع إزاء الأثرياء أفضل من قبل
نتيجة هذه الأرقام بسيطة: في العشرية العليا لم يكن الوضع الاقتصادي في إسرائيل أفضل. يمكن رؤية ذلك في نتائج الشركات التجارية التي هي بملكية أصحاب نفوذ، ومديرين وأشخاص أثرياء ذوي محفظة كبيرة من الأوراق المالية. البنوك مثال جيد؛ ففي هذا الأسبوع نشرت بيانات مالية تشير إلى أرباح استثنائية، بدءاً ببنك لئومي الذي ربح 2 مليار شيكل في ربع سنة، وحتى بنك مزراحي الذي عرض أرباحاً بلغت أكثر من 20 في المئة من رأس المال. وهذه أرقام لم تشاهد في إسرائيل منذ عشرات السنين. لماذا يجب على البنوك التي لا منافسة حقيقية فيها أن تربح الكثير جداً؟
في المقابل، لماذا يعدّ الوضع الحالي لدى عائلات تكسب متوسط الأجر، أو التي تكسب الأجر الأعلى أو الأدنى، كارثياً.
بسبب ارتفاع التضخم وغلاء المعيشة، فإن مستوى حياتهم هبط بسرعة. أجرة الشقة ترتفع، أقساط القرض السكني والفائدة على ديونهم وقروضهم ترتفع بسبب ارتفاع الفائدة. مجمل الديون يرتفع، وإذا كانوا مشاركين في احتفال الاستهلاك الذي يسجل الآن، فإن توفيراتهم تهبط. حلم شراء شقة، إذا وجد حلم كهذا، ابتعد أكثر ولم يعد حقيقياً.
عملياً، إسرائيل تنقسم بسرعة إلى دولتين: ذوي القدرة الذين زاد مالهم، وعديمي القدرة الذين يهبط مستوى حياتهم وهم يعيشون على الراتب مع حساب جار على المكشوف، الذي يكلفهم آلاف الشواكل في السنة. ومثلما عرضت بيانات وزارة المالية بشكل صريح، فإن إسرائيل تنقسم إلى شباب أبناء عائلات ثرية ورجال هايتيك يشترون الشقق في تل أبيب، وشباب آخرين يعيشون في الضواحي البعيدة أو سيدفعون أجرة شقة عالية طوال حياتهم. إذا استمر هذا التوجه، فلن تتأخر النتيجة الاجتماعية في الوصول. إسرائيل الفقيرة ستكون هي التي تخدم إسرائيل الثرية. إسرائيل الفقيرة ستدفع أجرة شقة لأصحاب الشقق والعقارات في إسرائيل الثرية. مواطنو إسرائيل الفقيرة سيكونون عمال الحدائق والنادلين وعمالاً لدى سكان إسرائيل الثرية.
التضخم قد ينفجر
هل يمكن منع هذا السيناريو؟ الجواب نعم. ولكن ولأنه لا يوجد في إسرائيل ما يمكنها المصادقة على قوانين وإخراج إصلاحات إلى حيز التنفيذ، ومن غير المؤكد أن تكون مثل هذه الحكومة في الأشهر القريبة القادمة، فإن المسؤولية تقع على أكتاف شخص واحد، وهو محافظ بنك إسرائيل امير يارون.
حتى الآن، فشل في ذلك، لم يرفع يارون الفائدة بما يكفي وبالسرعة المطلوبة، وسمح للتضخم وأسعار الشقق بالاندفاع نحو الأعلى رغم أن العنوان كان يمكن قراءته على الحائط في دول غربية أخرى. لو كانت الفائدة 2% قبل سنة عندما بدأ الاقتصاد بالخروج بسرعة من أزمة كورونا، لكان جزء من الفجوات الاجتماعية التي فتحت الآن. لم يحدث
يجب أن يستيقظ محافظ بنك إسرائيل الآن، ويعرف بأنه لا توجد إلى جانبه حكومة يمكن أن يلقي المسؤولية عليها، وأن يعمل بجميع الأدوات التي بحوزته. ما الذي يجب عليه فعله؟ رفع الفائدة 0.75% على الأقل من أجل محاولة وقف اندفاع الأسعار، وعليه تحديد سلسلة خطوات مع المراقب على البنوك توقف الطلب على شقق أخرى من قبل مستثمرين، وعليه إيجاد طرق لتحسين وضع الجمهور أمام البنوك، التي ستسجل بفضل الفائدة العالية أرباحاً كبيرة جداً، وكأنها عثرت على النفط بكمية تجارية في خزناتها.
هذه مسؤولية تاريخية لامير يارون. في آب 2019، بعد بضعة أشهر على تسلم منصبه، تساءلنا في الصفحة الأولى في مجلة "ذي ماركر": هل سيكون يارون محافظاً أم موظفاً؟ بكلمات أخرى، هل سيقضي امير يارون فترة تسلمه لمنصبه في غفوة حذرة هدفها الحفاظ على سمعته الشخصية، أم أنه سيفعل المطلوب منه وكذلك أيضاً سيدخل كتب التاريخ. حتى الآن، المحافظ نائم، وحتى نوم عميق. بناء على البيانات التي نزلت في هذا الأسبوع على طاولته، يجب عليه الاستيقاظ من أجل معظم سكان إسرائيل.
المصدر: هآرتس
الكاتب: ايتان افرئيل