لا يخفى على المطلع أن الاحتلال الإسرائيلي يسخّر إمكاناته التقنية والتكنولوجية في العالم الرقمي بالتوازي مع امكاناته العسكرية في محاولة أن يصيب المقاومة الفلسطينية بأي ضرر، خصوصا وأن من يملك التكنولوجيا يكون الأقدر على غمار معركة، تغيير العقول –عن بعد-والسيطرة عليها كمرحلة تسبق عملية السيطرة على الموارد.
إذا فإن المعركة هي معركة إدارة المحتوى والإدارة الدقيقة هي لمن يمتلك التقنية والاستراتيجية اللازمة لتوجيه هذه المعركة.
فهنا وجدنا أن الاحتلال الإسرائيلي حاول أن يضع "الإعلام الاجتماعي" في أزمة من خلال نشر شائعات وأخبار مضللة وترجمات ملغومة بثلاث أهداف مستغلاً سرعة السوشيال ميديا في النقل، وسرعة بعض النقالين دون التحقق او الرجوع إلى المصادر، وعليه فخخ عدداً كبيراً من الأخبار، لتحقيق الهدف الأول وهو تقسيم الجمهور إلى معارض ومؤيد من داخل صفوف المقاومة، وهنا حاول حسب المفهوم الأمني تحييد الخصم المحتمل دخوله المعركة. أما الهدف الثاني فهو تشكيك الجمهور بمدى قدرة المقاومة على استيعاب الضربة الأولى وبالتالي زيادة عدد الخسائر في صفوف المقاتلين من خلال عدم الحرص الكافي على اتخاذ درجات الحيطة والحماية. فيما يتمركز الهدف الثالث حول الاستفراد في طرف واحد على حساب الأطراف الأخرى لخلق راوية واحدة يتم تداولها والدفاع عنها في جميع حسابات ومنصات التواصل الاجتماعي التي يسيطر الاحتلال عليها بشكل مباشر أو من خلال عملاؤه المنتشرين في جميع مواقع السوشيال ميديا بحسابات حقيقية أو وهمية، والأمر الذي يمكن أن يحقق أعلى نسبة نجاح لحملته الأمنية على "السوشيال ميديا".
على المقلب الآخر كانت تقف المقاومة وخلفها الجبهة المجازية القوية التي أظهرت في هذه العملية "وحدة الساحات" حنكة عالية في إدارة المحتوى وتوجيه جيشها الإلكتروني لضرب أهداف العدو الإسرائيلي الثلاثة. وهنا وجدنا كيف تنبه الإعلام في حركة الجهاد الإسلامي والتي تدير مع فصائل المقاومة الفلسطينية هذه العملية بعد اغتيال القائد الكبير في الحركة "تيسير الجعبري"، فكما استنفرت مقاتليها في الميدان استنفرتهم أيضا في الفضاء الإلكتروني ليتولوا "المهمة" في إدارة المعركة الرقمية، فمنذ اللحظة الأولى عملت على ضبط الحالة الإعلامية وفق تعليمات صارمة تفوت على العدو الإسرائيلي الفرصة لدس الفتنة والشقيقة بين نشطاء الفصائل الفلسطينية عبر تفتيت الهدف الأول من خلال توحيد الجمهور تحت رواية أن المقاومة تجابه ترسانة الاحتلال موحدة، وضربت آمال العدو بالتشكيك في قدرة المقاومة على تحمل مثل هذا الضغط الإعلامي إلى اليقين بقدرتها على إدارة عملية استراتيجية طويلة الأمد تعمل فيها على استنزاف العدو حتى آخر نفس، وعن محاولات الاستفراد في حركة الجهاد الإسلامي لم تتمكن لأن التاريخ الجهادي للحركة وأرشيفها الكبير في الإعلام الاجتماعي لم يسمح لتمرير أي رواية مضادة تضرب في ثقة الجمهور على قدرة الجهاد الإسلامي بتوحيد العمل تحت هدف واحد وهو الدفاع عن أبناء شعبنا الفلسطيني في كافة ساحات تواجده.
هذا كله في ظل ما يشوب الإعلام الاجتماعي من خطورة كونه أفضل الوسائل التجسسية لجمع المعلومات عن الاتجاهات والأفكار والمواضيع السائدة، لأنه يمكن تحليل المحتوى إلكترونياً في مطابخ الاستخبارات لدى العدو، إذا نستطيع أن نقول انها بمثابة الجهاز العصبي الذي ينفذ أوامر الجهاز الإدراكي، ينفعل ويتفاعل مع المعطيات والمواد الحسية أشد انفعال، وعلى هذا الأساس يمكن أن نقول إن المقاومة استطاعات أن تدير الأزمة وحققت تفوقاً نادرا في معادلة العقل مقابل الإمكانات حيث أثبتت أنها في وسائل التواصل الاجتماعي قد كسرت هذه الحدود ونجحت في تفويت الفرصة التي حاول الاحتلال الإسرائيلي أن يوقعها في شراكها، وتخلصت منها بذكاء وحكمة فريدة متجاوزة حملات التحريض والحظر الممنهج وتقييد المحتوى الداعم للمقاومة.
وبناء على هذه القدرات والمقارنة التي أفردت الحديث عنها في هذا المقال التي يجب على كل من يحمل هم القضية بعدم الانجرار خلف "تقسيمات العدو" بين محايد ومؤيد وممانع، الأمر الذي يحتم على كل مستخدمي "الإعلام الرقمي" الحد من الادلاء بتفاصيل وتحليلات لا تخدم سوى العدو، مع الحذر الشديد من التسابق لنشر روايات التضليل والخداع التي تبث سمومها المؤسسة "الأمنية الصهيونية"، فجبهتنا الداخلية صمام أمان مقاومتنا و"المقاومة" سر الحفاظ على كرامة وحقوق شعبنا.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: صحفي فلسطيني مختص في الشؤون الأمنية
كاتب وباحث فلسطيني في الشؤون القانونية والأمنية، مدرب واستشاري في الإعلام الاجتماعي والأمن الرقمي.
saed.7sona@gmail.com